صباح هذا اليوم (12/4/2016) ونحو
الساعة العاشرة دوى صوت قذيفة حسبناها فوق رؤوسنا لشدة قوتها، وبعد ان استعدنا
توازننا من جراء صدمتها العنيفة عرفنا أن الهدف هو مدرسة (أكرم جاتين) التي تؤوي
أطفالنا وفلذات أكبادنا، هرعت مسرعاً إلى المدرسة بلباس البيت دون وعي مني، وهذا
حال العشرات من الأمهات والآباء الذين هزتهم الصدمة فخرجوا على عجل يريدون تفقد
أولادهم.
سألني أحدهم: هل لك أولاد في المدرسة
قلت له: نعم كل الذين تضمهم أسوار المدرسة وصفوفها هم أولادي، والحمد لله كلهم
بألف خير وسلامة، ورحت أكفكف دموع الأطفال وأهدئ من روعهم، وأشجعهم على الكف عن
البكاء فالسوريون لا يبكون.. ينزفون ولا يبكون.. يستشهد أبناؤهم وآباؤهم ولا يبكون
بل يزغردون.
هذا قدر السوريين منذ تسلقت عصابة
البعث جدران القصر الجمهوري في دمشق فجر الثامن من آذار 1963، ولثلاثة وخمسين عاما
والشعب السوري يسام ألوان العذاب والقهر والاستبداد إلى أن حلت الطامة الكبرى في
16 تشرين الثاني عام 1970 وتسلم الطاغية حافظ الأسد الحكم بعد أن غدر برفاقه
البعثيين وأودعهم السجون أو دفنهم في المقابر أو لاحقهم حيثما تمكن من الوصول إليهم
ليغتالهم حتى لا يبقى منهم شاهد يهزه ضميره ويكشف الأسرار.
وكان من أفظع ما ارتكبه الطاغية
المجازر التي تقشعر لهولها الأجسام (مجزرة المشارقة-حلب) (مجزرة سجن تدمر) (مجزرة
جسر الشغور) (مجزرة سرمدا) (مجزرة المدينة الصناعية-حمص) وتوج جرائمه بمأساة العصر
(مجزرة حماة) التي قتل فيها ما يزيد على أربعين ألفاً من أهلها.
وقد أصدر قبل ذلك قانون العار رقم
(49/1980) الذي يحكم على كل منتم لجماعة الإخوان المسلمين بالإعدام بأثر رجعي،
ويحرّم على أقرباء المتهم حتى الدرجة الرابعة من حقهم في أي وظيفة في الدولة.
وكان من نصيبي ونصيب الآلاف الفرار من
سورية خوفا من مقصلة هذا القانون السادي، وكانت هجرتنا الأولى، ولا يعلم إلا الله
حجم المعاناة التي عشناها في بلاد النفي والغربة.
وما أن انطلقت ثورة شعبنا المباركة حتى
حزمت حقيبتي وعدت إلى الوطن بعد مفارقة دامت 33 سنة ونيف لأكون بين أولادي وأهلي
وعشيرتي، أقدم لهم ما استطعت من خبرة وتجربة في مجالي الإعلامي والسياسي، وبالفعل
وصلت إليهم وعشت معهم لنحو أربعة أشهر (اضطررت أن أسكن في بيت لأحد أقربائي لأن
البيت الذي بنيته بتعبي وجهدي قد أحرقته عناصر المخابرات ونهبت ما فيه من أساس
ومتاع) هذه الأشهر القليلة كانت من أمتع أيام حياتي وأروعها، رغم المعيشة القاسية
والقذائف التي كانت تنهال علينا آناء الليل وأطراف النهار، وتحملنا كل ذلك كحال كل
من في مدينتنا، وتأقلمنا معه إلى أن صب ذنب الكلب بشار حمم براميله المتفجرة علينا
مما اضطرنا لمغادرة البلد بنصيحة من أولادي، فكانت هجرتنا الثانية إلى مدينة كيليس
في تركيا، حيث باتت مناطق الحدود التركية-السورية ليست آمنة، فهذه داعش صنيعة بشار
والحزب الديمقراطي الكردي عميله، يلاحقون أطفال السوريين في مدارسهم ومراتع لعبهم.
إنها سادية المجرم الذي يتلذذ في قتل
الأطفال ليخيف الكبار ليفروا بهم إلى خارج البلاد، ليخلو له الجو في إسكان من
استقدمهم من مرتزقة الشيعة من الضاحية الجنوبية، ومن إيران، ومن باكستان، ومن
أفغانستان، تقليدا لما فعله الأمريكيون بالهنود الحمر، وما فعله الصفويون بعرب
الأهواز، وما فعلته روسيا بالقوقاز والشيشان، وما فعله الصهاينة اليهود
بالفلسطينيين، وما يفعله الصينيون بالمسلمين الأنكوش، وما فعله الصرب بأهل البوسنة
وكوسفو، وما يفعله البورميون بمسلمي أراكان.
هذه طبيعة الساديين في كل زمان ومكان
ومنهم سادي سورية المجرم بشار الأسد الذي يخطط للتغيير الديمغرافي لسورية، بعد أن
يئس من هزيمة الأحرار والثوار على مدى خمس سنوات، قتل خلالها ما يزيد على نصف
مليون، وأودع في سجونه مثلهم، وغيب تحت التعذيب نحو مئتي ألف، وهجّر أكثر من سبعة
ملايين، وأجبر أكثر من ثمانية ملايين على النزوح من مدنهم وبلداتهم وقراهم، ودمر
مدنا بأكملها أو أجزاء منها في طول البلاد وعرضها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق