الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2015-05-28

الأدب ودوره في الحياة - بقلم: د. زينب بيره جكلي

   ما الأدب ؟ وما دوره في الحياة ؟ وما الهدف من الإبداع الفني ؟
      الأدب هو التعبيـر عن التجربـة الشعورية التي يحسها صاحبها بأسلوب جميل مؤثر،
والتأثير في النفوس هو جوهر القضيـة، ومن أجله كانت الكلمة الساحرة، العذبة المحلقة .. ولا
 يكون التأثير قويا إلا إذا أدى الانفعـال إلى تغيير في سلوكيات صاحبه، بحيث يحثه على رد أضرار الباطل، أو إزاحة كابوس الظلم، أو يدعوه إلى التعبير عن آلامه وآهاته، أو عن فرحته التي يحس بها فيترنم طربا منهـا، أما إن قاد الانفعـال إلى نزوة طارئـة، أو شهوة عابرة فإنه يكون كاذبا، ولا يعبر عن موقف صحيح،  بل ينم عن وقوع صاحبه تحت ضغط نفسي ما جعله يفوه بعبارات يربأ بنفسه عنها إن عاد إليه رشده، وحكم عقله ودينه .
      وأمثال هذا في الأدب يجب أن يصحح لئلا يخدع به البسطاء ، ذلك لأن الغاية من نشر الكلمة هي الارتقاء بالبشرية والسمو بها نحو الأفضل، أما إن كانت دعـوة للتعري من الدين والأخلاق، ووسيلة لتدمير البيوت والانسياق وراء الأهواء فإن حريتها يجـب أن تحد قبل أن يستفحل خطرها، وقبل أن تنخر في عظام الأمة فتقضي عليها .

       ولقـد أدرك نقادنا القدامى والمحدثـون أثر الكلمة في الأمة ، فعبروا عن ذلك بأقوال ومـواقف، مقتديـن في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نفى طـويسا من المدينة المنورة لأنه وصف امرأة وصفا دقيقا، فعمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل سحيما عبد بني الحـسحاس، وقتل وضـاح  اليمن ويسار الكواعب في العصر الأموي لتهتكهم في أشعارهم وفجرهم فيها، كما قتل المهدي بشار بن برد لاتهامه النساء جميعا ولإشاعته الزندقة في شعره، وسجن هارون الرشيد أبا نواس لكفره في شعره، وأراد وكيع التنيسي الناقد أن يحذف بعض شعر المتنبي لما فيه من كفر، وغير بعضهم في رواية الشعر مراعاة للدين، وقال أبو عمرو الشيباني : ( لولا ما أخذ فيه أبو نواس من الإرفاث لاحتججنا بشعـره، وفي العصر الحديث دعا د . رجب البيومي  إلى حذف كل مجون وتهتك من كتب التراث، وبين أن لافائدة من قصص ألف ليلة وليلة، ومـن حكايات الخلعاء عند الجاحظ والأصفهـاني اللذين أسرفـا في الحديث عن الأعراض، فأثرت كتاباتهم في الأحكام النقدية في تلك العصـور، وقد نفذ ذلك أحمد رشدي صالح حين خلص ألف ليلة وليلـة من فحش القول، فرفع الأمـر إلى القضاء المصري بحجة تشويه التراث وتغييره فأقـره على عملـه، وأصدرت المحكمة قرارها الذي ينص على أن الكتب التي تحوي روايات عـن الجنس، وعمـا تفعله العاهرات من التفريط في الأعراض يعد انتهاكا لحرية الآداب والأخلاق، بل إن المحكمة طالبت أن يحذف من كتب التراث كلها ما ينافي الأخلاق .
      وإذا كان الأمر كذلك فإنه ينطبق على القصص الداعرة التي تزين المنكر، وتسوق إلى الرذيلة، وتكشف مـخبآت الجسد ومكنونات النفس، من أمثـال قصص يوسف السبـاعي وإحسان عبد القدوس وحنا مينة ومن لف لفهم ممن يصـور المرأة بشكل ينفر منه المؤمن، ويندى لـه الجبين لما فيه من دعوة إلى التحلل من الأخـلاق، وتشجيع على الخيانة الزوجية تحت ستائر شتى، دون أن يبالي الكاتب بتأثير هذه الكلمـات في عقول الناشئة ونفوسهم .
     إن الغاية من الأدب هي التأثير في الآخرين لنشر الفضيلة والخير، أما الأدب المكشوف الذي نأى صاحبه عن منهج الله وتعرى من الدين والخلق فإنه يدمر البيوت، وينحط بالإنسان إلى الدرك المهين، ثم إن الأدب فن، والفن جمال، والمنـكر تنفر منه النفس السليمة، العفة النقية، وتشمئز منه الأفئدة الطاهرة غير المريضة أو المهـزوزة، ولنستمع إلى الشاعر عمر بهاء الدين الأميري، وكان رحمه الله قد جاءته فتاة غذيت بفكر غير سليم، وقالت له :
     ما رأيك بقول الشاعر :
خلقت الجمـال لنا فتنـة                  وقلت لنا ياعباد اتقـون
وأنت جميل تحب الجمال               فكيف عبادك لا يعشقون
   فأجابها الشاعر المؤمن الذي يدرك رسالة الأديب في الحياة  (عمر بهاء الأميري):
خلقت الجمـال لنا نعمـة                  وقلـت لنـا ياعبـاد اتقـون
فإن الجمال تقى، والتقـى             جمـال، ولكن لمـن يفقهون
ومن خامر العشق أخلاقـه          تأبَّى الصَّغار وعاف المجون
    هذا هو الجمال الحقيقي … نأي عن الصغار والمهانة، وبعد عن المجون والرذيلة، أما أن يصور الرجل ذليلا يركع تحت أقدام داعرة وينسى رجولته وكرامته من أجلها، ثم يجعل ذلك رباطا مقدسا !… أو أن تهدر المرأة كرامتها من أجل لقمة عيش بزعمها، أو أن تتفوه الشخصيات بما يندد بالدين باسم الإبداع، أو يحكي الأديب ما يخجل المرء من ذكره فإن هذا جنوح وشذوذ يجب أن يوقف، والله سبحانه وتعالى لايحب الجهر بالسوء من القول، ورب كتاب قـاد صاحبه إلى الدرك الأسفـل من النار، لأنه قاد المجتمع إلى الرذيلة باسم الأدب الواقعـي، وهل واقع المجتمع العربي والإسلامي كما يصورون ؟ ! .. أما وجد هؤلاء فيه خيرا  ينشرونه .
      إن الإبداع ابتكار لجديد، وتعبير سام صاف نقي جميل، ولنقرأ شعر عف نظيف لأحد الشعراء ففيه إبداع في الفكر ونقاء:
أقسمت لاحبا شكوت ولا هوى           يدمي الفؤاد فيرسل الآهات
لكنني أبكـي وحق لـي البـكا               مجـدا أضعنـاه بغيـــــر أناة
والدين أوشـك أن يزول ضياؤه            وبنوه راحوا في عميق سبات
ومشوا وراء الغرب حتى أغرقوا          في اللهـو والآثام والشهوات
ليست فرنسا حين تحـذو حـذوها            في حكمها الخالي من الحسنات
بأجـل من نـور الإلـه وهــديـه                شتــــان بيـن النـور والظلمات
    أرأيتم أسمى من هذا الإبداع ؟…  ألا فليعلم الأدباء أن آراء الغرب ليست بأجل من نور الإله وهديه، وكفى بالله مربيا للبشرية، وهاديا لها إلى الطريق القويم .
     وهذا أبو العتاهية يقول في رقة وصفاء :
إلهـي لا تعـذبنـي فإنـي                    مُقِـــرٌّ بالـذي قد كان مني
يظن الناس بي خيراً وإني               لشر الناس إن لم تعف عني
        إن الأدب  تعبير عن الوجـدان ومشاعره تجاه الله سبحانه،  وتجاه الإنسان والكـون والحياة، إنه يهز ويعلم ويمتع  … أما الأدب الرخيص فقد أكل الدهر عليه وشرب، وقل من يستسيغه ولا سيما في هذه الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة العربية والإسلامية، وإليكم ما قاله الشاعر الأميري لمن جاءته تطلب منه كأسا في مطعم :
حـواء !… ولكن أين أنا          والأقصى يرزح في الأسر
وفتاة القدس غدت عميـا          ء مـن التعذيب من القهر
سألوها عن أسرار الفتح           وسامـوها سـوء الضـر
فأبـــت ورأت جعل العينيـ          ن، وقـاء أصـون للسـر
 عميـاء وتبصــر نور اللـ            ـه، وذو عينين لا يدري !


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق