قطريّ بن الفُجَاءَة بن يزيد بن زياد
المازني التميمي، (توفي 78 وقيل 79 هـ - 697 م)، وكانت كنيته أبا نعامة (ونعامة فرسه).
من رؤساء الأزارقة وأبطالهم. كان خطيبا بليغا فصيحا وفارسا شجاعا شاعرا. استفحل أمره
في زمن مصعب بن الزبير، لمّا ولي العراق في خلافة أخيه عبد الله بن الزبير.
وبقي قطريّ ثلاث عشرة سنة يقاتل ويسلّم
عليه بالخلافة وإمارة المؤمنين، والحجاج بن يوسف يسيّر إليه جيشا بعد جيش، وهو يردهم
ويظهر عليهم، ولم يزل الحال بينهم كذلك حتى توجه إليه سفيان بن الأبرد الكلبي، فظفر
عليه وقتله في سنة78 هـ، وكان المباشر لقتله سورة بن أبجر البارقي، وقيل إن قتله كان
بطبرستان في سنة 79 هـ، وقيل عثر به فرسه فاندقت فخذه فمات، فأخذ رأسه فجيء به إلى
الحجاج.
وحكي عنه أنه خرج في بعض حروبه وهو
على فرس أعجف وبيده عمود خشب فدعا إلى المبارزة فبرز إليه رجل فحسر له قطري عن وجهه
فلما رآه الرجل ولى عنه فقال له قطري إلى أين فقال لا يستحيي الإنسان أن يفر منك.
وقد قيل: إن اسمه جعونة وإن قولهم
قطري ليس باسم له، ولكنه نسبة إلى موضع بين البحرين وعُمان، وهو اسم بلد كان منه، فنسب
إليه، وقيل إنه هو قصبة عُمان، والقصبة هي كرسي الكورة. واسم أبيه مازن وإنما قيل له
الفجاءة لأنه كان باليمن، فقدم على أهله فجاءة، فسمي به وبقي عليه.
نهاية قطري
في سنة سبع وسبعين هلك قطري وعبد رب
الكبير وعبيدة بن هلال ومن كان معهم من الأزراقة وقيل بل كان هلاكهم في سنة ثمان وسبعين
وسبب هلاكهم أنهم لما اختلفوا، وتوجه قطري إلى طبرستان ووجه الحجاج جيشاً مع سفيان
بن الأبرد، فأتبعهم، فلحق قطرياً في شعاب طبرستان فقاتلوه فتفرق عنه أصحابه، ووقع عن
دابته في أسفل الشعب فتدحرج إلى أسفله، فأتاه علج من أهل البلد فقال له قطري:
أسقني ماءً ..
قال أعطني شيئا حتى أسقيك .
قال ويحك والله ما معي إلا ما ترى
من سلاحي، فأشرف العلج عليه وحدر عليه حجراً عظيماً فأصاب إحدى وركيه فأوهنه وصاح بالناس
فأقبلوا فقتلوه.
فبعث سفيان برأسه مع أبي جهم بن كنانة
الكلبي إلى الحجاج ثم أتى به عبد الملك ثم إن سفيان أقبل إلى عسكر عبيدة بن هلال وقد
تحصن في قصر بقومس فأحاط به وبأصحابه فجهدوا حتى أكلوا داوبهم ثم خرجوا فقتلهم وبعث
برؤوسهم إلى الحجاج .
وقد قال عنه الجاحظ ومن خطباء الخوارج
قطري بن الفجاءة وله خطبة طويلة مشهورة وكلام كثير محفوظ وكانت له كنيتان كنية في السلم
وهي أبو محمد وكنية في الحرب وهي أبو نعامة ...
صعد قطري منبر الأزارقة فحمد الله
وأثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال:
"أما بعد فإني أحذركم الدنيا
فإنها حلوة خضرة، حفت بالشهوات، وراقت بالقليل، وتحببت بالعاجلة، وحليت بالآمال، وتزينت
بالغرور، لا تدوم حبرتها، ولا تؤمن فجعتها، غرارة ضرارة، خوانة غدارة، حائلة زائلة،
نافذة بائدة، أكالة غوالة، بدلة نقالة، لا تعدو إذا هي تناهت إلى أمنية أهل الرغبة
فيها، والرضا عنها، أن تكون كما قال الله تعالى ( كماء أنزلناه من السماء فاختلط به
نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدراً ).
ثم قال:
"(من كان يريد الحياة الدنيا
وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون، أولئك الذين ليس لهم في الأخرة
إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ..).
فبئست الدار لمن أقام فيها، فاعملوا
وانتم تعلمون أنكم تاركوها لا بد، فإنما هي كما وصفها الله باللعب واللهو، وقد قال
الله ( أتبنون بكل ريع أية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون).
وختم قائلاً:
حملوا إلى قبورهم فلا يدعون ركباناً،
وأنزلوا فيها فلا يدعون ضيفاناً وجعل لهم من الضريح اجنان، ومن التراب أكفان ومن الرفات
جيران، فهم جيرة لا يجيبون داعياً، ولا يمنعون ضيماً، إن أخضبوا لم يفرحوا، وإن أقحموا
لم يقنطوا، جميع وهم آحاد، وجيرة وهم أبعاد، متناءون لا يزارون ولا يزورون، حلماء قد
ذهبت أضغانهم، وجهلاء قد ماتت أحقادهم، لا يخش فجعهم، ولا يرجى دفعهم، وكما قال عز
وجا:
(فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا
قليلاً وكنا نحن الوارثين ..).
استبدلوا بظهر الأرض بطناً، وبالسعة
ضيقا وبالأهل غربة، وبالنور ظلمة، فجاءوها كما فارقوها، حفاة عراة فرادى، غير أنهم
ظعنوا بأعمالهم إلى الحياة الدائمة وإلى خلود الأبد يقول الله ( كما بدأنا أول خلق
نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين..).
فاحذروا ما حذركم الله وانتفعوا بمواعظه
عصمنا الله وإياكم بطاعته ، ورزقنا وإياكم أداء حقه".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق