يشبهون أي شيء إلا
الإسلام، هؤلاء الذين تقدموا أمام الكاميرات ملثمين غامضين يمارسون بوحشية جريمتهم
اللئيمة في حز الرقاب لغلابى مصريين يبتغون من رزق الله في أرض تشتعل بالحرب،
يطلبون العيش بعد أن ضاقت بهم السبل، وأكل العيش مر، ويفترض أنهم يملكون ضمانة
واضحة من النبي الكريم الذي قال بوضوح: استوصوا بالقبط خيراً فإن لكم فيهم ذمة
وصهراً.
يزعمون أنهم يتبعونه،
ويرفعون في شعاراتهم اسمه وخاتمه، ولكنهم
يلعنون سنته وسيرته كل يوم، ويقدمون للعالم أسوأ صور القهر والظلم تحت رايات
النبوة!!!
يقوم الاستبداد بالفظائع، ويمارس القهر والظلم والبغي، ولكنه يدفع الملايين من أجل
تقديم خطاب إعلامي مقنع، ويتعاقد مع الخبرات الهوليودية من أجل أن ينتج أفلاماً
جميلة عن مدائنه المنكوبة تزقزق فيها العصافير ويطير الحمام ويضحك الأطفال!! هكذا
فعل هتلر وستالين وماو تسي تونغ وكيم إيل سونغ، ولكن جماعتنا في داعش يفعلون
العكس، فهم يعتبرون أن فوبيا الإسلام هي أمر جيد، وينتجون أفلامهم الرهيبة على هذا
الأساس، إنهم يريدون بالفعل إرعاب العالم، تطبيقاً لسنة: نصرت بالرعب، ويريدون
إرهاب العالم تطبيقاً لمنطق: ترهبون به عدو الله وعدوكم.
وفي رسالة أشد وضوحاً
يختارون هذه المرة اللغة الإنكليزية مباشرة ليعرفوا بالإسلام الذي يريدون، وحتى لا
يقع أي لبس أو خطأ في الترجمة فقد تولى اللسان الانكليزي مباشرة شرح معنى المذبحة،
في إطار آية كاذبة قرأها الذباح الأول: وأرسلناك بالسيف رحمة للعالمين!! ويتلو الذباح
التالي آية أشد بؤساً وكذباً: جئتكم بالذبح وأنا الذباح الرحيم!!
إنهم يستفزون العالم حين
يقدمون الإسلام رسالة ذبح وموت، ويستهبلون الأمة الإسلامية كلها التي اتبعت نبياً
كانت رسالته في خصومه المحاربين: اذهبوا فأنتم الطلقاء، وظل قرآنه يردد: قل للذين
آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله.
القبط ... لعلها الطائفة
المسيحية الوحيدة التي ورد فيها نص مباشر من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم،
حين حقق أروع نجاح دبلوماسي في الحوار مع ملك القبط المقوقس عبر رسوله حاطب بن أبي
بلتعة، واستقبل هداياه في المدينة، الطبيب والغلام والجارية، وحين وصلت مارية
القبطية فرح بها رسول الله وكرمها وأعتقها وتزوجها واتخذها أماً للمسلمين، وكانت
المرأة الوحيدة التي أسعده الله منها بغلام، وحين ولدت ابراهيم فرح به أعظم الفرح
واتخذ له داراً في العوالي وكان يأوي إلى مارية الفتاة المصرية القبطية الرائعة
ويقول لأصحابه وهو في غمرة رضاه: استوصوا بالقبط خيراً فإن لكم فيهم رحما وصهراً.
قد يعسر علي تبرير الحرب
التي فتحت فيها مصر على يد عمرو بن العاص، خاصة أن التفسير القومي الذي كان يبرر
هذه الفتوح تراجع بشكل مريع، والقول بأنه كان فتحاً لنشر الإسلام وقتال المشركين
تأكيد لما يقوله خصوم الإسلام أن الإسلام انتشر بحد السيف، وأكتفي بقولي هنا إنها حروب
تبرر ولا تكرر، ولكن ما يجب قوله هو أن الفتح تم في إطار العهدة العمرية التي نص
فيها فاروق الإسلام بوضوح على حقوق المسيحيين بقوله:
بسم الله
الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبدالله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان أعطاهم
أمانا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا
تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من
أموالهم ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من
اليهود ... ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم
وصلبهم فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم حتى يبلغوا مأمنهم ... وعلى ما
في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين.
والمعنى نفسه سبق إليه كتاب النبي الكريم لنصارى نجران: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي للاسقف أبى الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم وكل ما تحت أيديهم من قليل وكثير جوار الله ورسوله، لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم ولا ما كانوا عليه من ذلك، ولهم جوار الله ورسوله أبدا ما أصلحوا ونصحوا عليهم، غير مبتلين بظلم ولا ظالمين.
والمعنى نفسه سبق إليه كتاب النبي الكريم لنصارى نجران: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد النبي للاسقف أبى الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ورهبانهم وكل ما تحت أيديهم من قليل وكثير جوار الله ورسوله، لا يغير أسقف من أسقفيته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته ولا يغير حق من حقوقهم ولا سلطانهم ولا ما كانوا عليه من ذلك، ولهم جوار الله ورسوله أبدا ما أصلحوا ونصحوا عليهم، غير مبتلين بظلم ولا ظالمين.
وخلال التاريخ مر على مصر
راشدون وأمويون وعباسيون وفاطميون وأيوبيون ومماليك ودول وطنية، ولم ترتكب بحق
القبط مذبحة كهذه، ولا أظن أن مسلماً في الدنيا يصدق أن الصحابة والتابعين والأئمة
والفقهاء لم يبلغوا مبلغ داعش في التقوى والغيرة على الدين.
إنها كلمات مريرة تلك التي
نقرؤها على مذبح الموت الرهيب، الذي يقدم بالمجان خدمة كبيرة لخطاب الكراهية ضد
الإسلام، ولا شك أنه سيدفع الناس للخروج من دين الله أفواجاً.
داعش لا يمكنها أبداً أن
تمثل الإسلام، وفي العالم الإسلامي فتاوى وهيئات ومؤسسات تعد بالآلاف لا نعلم
واحدة منها تقبل تبرير هذا اللون من الجرائم، على الرغم من النصوص الدينية التي
يسوقها الذابحون، وهي للأسف لا تزال في مكان محترم من تراثنا وتاريخنا، ولكن هذه
الحقائق المؤلمة لا تحل شيئا من المشكلة ويبقى السؤال:
ولكن من أين جاءت داعش؟؟
لو أن الخليفة البغدادي
حضر الى سوريا قبل أربع سنوات ومعه ولي عهده والعشرة المبشرين وأصحاب البيعة
واصحاب الشجرة وأصحاب دابق وعامق وغيرها من الأساطير العتيقة هل كان سيجد من يستمع
اليه؟ وهل كان سيحظى بمقاتلين سوريين وعراقين يقاتلون من بين يديه ومن خلفه
ويبلغون عشرات الآلاف؟
الجواب بالطبع لا ، وسيقف السوريون
بمشايخهم وعامتهم عن قوس واحدة ضد هذا الفهم السقيم المبتور للدين الذي تقدمه فصائل
هائجة تفعل كل شيء تأباه العقول في قصد مباشر لتقديم أسوأ صورة ممكنة عن الإسلام.
لقد كانت المناهج المتطرفة
موجودة والخطب موجودة والفتاوى كانت حاضرة، وكان خطاب الجهاد بوجهه الإيديولوجي لا
يتوقف على كل منبر، وأنا لا أقلل من خطر التوجيه الراديكالي وثقافة الكراهية التي
كانت ولا زالت تزرع كل يوم، ولكن منطق الأشياء أن ذلك كله لا يكفي ليتوجه الإنسان
بمحض إرادته إلى تنظيم دموي ويدفع حياته قرباناً لأوهام لا تأتي إلا بالموت
والخراب؟
لا شك أن ما أخرج الناس
إلى هذا اللامعقول هو الظلم اللامعقول الذي واجهوه في حياتهم، ومع أن قيادات داعش
لها تكوين خاص لا يتصل بالعقل، ولكن جمهور المحاربين فيها من أبناء سوريا والعراق،
وهؤلاء المحاربون لم يكونوا خلايا نائمة من قبل، ولم يكونوا يتدربون في تورا بورا
وقندهار، لقد كانوا عمالاً وموظفين ومعلمين وسواقين، كانوا على باب الله، وكثير
منهم كان حزبياً وبعثياً، يعيش الحياة على فن الممكن، ولكن البراميل المتفجرة
وصواريخ السكود والتعذيب حتى الموت في سجون النظام الأسود، وسحب جثث الأطفال من
تحت الأنقاض، واستلام الجثث من فروع المخابرات هو الذي أخرج الناس إلى هذا الخيار
الثاري الغرائزي، وببساطة يمكن لأفكار دامية راديكالية كهذه أن تقنع كثيراً من المظلومين،
وتبرر لهم الفظائع، وفق منطق: يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على
المظلوم، على الرغم من أن سيوفهم لا تقع في رقاب الظالمين.
إنه يوم رهيب تدعى فيه
الأمة للوقوف مع مبادئها وعقيدتها في الرحمة والتسامح في وجه تيار الموت الأسود
الذي يرفع شعار حاكمية الله، ولكنه يكرس حكم الطاغوت، وهي لحظة حقيقة تدعى فيها
الأمة لتعلن رسالة النبوة الصادقة: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق