الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2015-05-28

إدلب ... دروس الحكمة...... من أجل مستقبل أخضر...... بقلم: د. محمد حبش

لقد تابعت وجوههم... كلهم سوريون ليسوا أفغان ولا توانسة ولا إيرانيين.. كلهم أبناء الريف السوري الأصيل من نشامى إدلب ومدنها العامرة: أريحا ومعرة النعمان ومعرة مصرين وجسر الشغور... والقرى الطيبة والمدن المنسية التي تكتنف إدلب الخضراء، لحاهم الطويلة ليست إلا عدة الحرب وآلة الرعب ووقود المعركة، غريبهم قليل، وأصيلهم كثير، وخطابهم الديني ليس إلا خطاب المتدينين من هذا الشعب المظلوم، وفي جوانحهم تلك الروح الطيبة التي تسكن معظم السوريين اعتداداً بنبيهم وتاريخهم وفقهائهم، وعلى ذلك كله فقد كان خطاب الحرية والكرامة والخلاص من الظلم هو الغالب في فرحهم ونشيدهم يوم النصر.
لغة الثار كانت واضحة ومباشرة ضد الأصنام الطاغوتية ورموز الاستبداد، كان الغضب على الأحجار والرموز كبيرا وثورياً.. ولكنه كان إلى حد كبير هذه المرة عقلانياً وواقعياً ضد الإنسان الموالي، وأسجل باحترام وإعجاب تيسيرهم سبيل الخروج لكثير من المتورطين في محاربة الثورة، وعدم افتتاح نصرهم بمجازر ومقابر كما صنع الفاتحون القساة في الرقة من قبل....

لا أريد أن أطيل التغزل بما تحقق في إدلب فالتحولات في سوريا دراماتيكية ومتسارعة، ولعل ما تثني عليه اليوم يلغيه الانفعال في الغد، ومن يدري ... لقد كان من وصايا جدي رحمه الله... لا تمدح حدا إلا كل يوم بيومه.....
وفي الواقع فإنني أشعر بفارق كبير هذه المرة بين سلوك الثوار في الرقة والريف الحلبي وبين سلوك الثوار في إدلب، وأستطيع القول إن علاقات طيبة تربطني هذه المرة بعدد من قيادات الثورة في إدلب، وخاصة في تلك البلدات الرائعة التي استقبلتني في إدلب خلال سنوات الزمن الجميل في إدلب وأريحا ومعرة النعمان وسلقين وحارم وكفر تخاريم وسراقب ومعرة مصرين وبنش وأورم الجوز وجسر الشغور وغيرها من حواضر الريف الإدلبي الكريم، والطافح بالفستق والزيتون.
ولن أنسى يوم جامع شعيب حين حشد الشيخ الراحل معشوق الخزنوي إمام الشهداء أكثر من ألفين من إخوانه وأحبابه من أهل إدلب في جامع شعيب لنتحدث إليهم بروح المحبة والإخاء قرب تلك المزارع الكريمة التي يمتد زيتونها من إدلب إلى القصير إلى المعضمية وداريا إلى الجولان الحبيب إلى طور سينين...
أما التحليل السياسي فهو اليوم أكثر من الهم على القلب، وهو متوفر بسائر المصطلحات، قومية وإيديولوجية وعروبية وإسلاموية ويخلق ما لا تعلمون، ولكنني في المسألة الإدلبية بالذات أشعر بمسؤولية أخرى، تربطني بعدد من أهل القرآن الذين يمسكون اليوم بزمام الأمر في إدلب، ولا نزكيهم على الله، فالله حسيبهم ويتولاهم، ولكنني مدعو لأقدم واجبي وقراءتي لكتاب الله وسنة رسوله.
لديكم اليوم أيها الثوار نموذجان للنصر: الأول: منطق بالذبح جيناكم، ومنطق اذهبوا فأنتم الطلقاء، منطق الصلب والقطع والرجم ومنطق خيمة الغفران التي نصبها رسول الله في الحجون عند قبر خديجة وما جاءه معتذر الا عذره ولا مستعف الا عافاه ولا تائب الا قبله.
ومن الواجب هنا أن يدرك الناس ان منطق اذهبوا فانتم الطلقاء الذي أعلنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن محض كلمة عابرة، بل كان تأسيساً لمنهج رباني حكيم في السياسة وإدارة الدولة، ويمكن قراءته من جوانب ثلاثة:
فمن الجانب الأخلاقي يعتبر نداء اذهبوا فأنتم الطلقاء بكل تأكيد صورة أخلاق نبوية كريمة، وما أرسلناك الا رحمة للعالمين، وهو من شمائل النبوة ومحاسن الرسول الأكرم، وهي صفة طبعت أخلاقه بالعفو والمرحمة، حتى اطمأن له الإنسان، وأثنى عليه الرحمن، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر.
ومن الجاتب السياسي فإن كلمة اذهبوا فأنتم الطلقاء تعتبر دهاء سياسياً كبيرا من الرسول الكريم، وهي وعي بدقة المرحلة وحساسيتها حيث كانت مكة المنكسرة تقيم على بركان من الغيظ يوشك أن ينفجر، ولكل فعل ردة فعل، وقد كان أخصامه حوله مدانين بأشد أنواع الجرائم، ولكنهم كانوا أيضا زعماء في محيطهم المحلي وكان الانتقام من أي واحد منهم يعني عودة الأحقاد واستيقاظ نزعات الثأر، وإعادة إنتاج الحرب التي يفترض اننا نعيش يومها الأخير.
ومن الجانب الحقوقي فقد كان العفو عن الإساءات السابقة هو جوهر العدالة، فليس من العدل أن تحاكم إنساناً بقانون لم يكن يؤمن به، وحين ارتكب فظائعه كنت أنت أيضاً ترتكب ما يراه فظائع، لقد قتلوا حمزة ومصعب، ولكنهم يرونك قاتل أبي الحكم والوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة الذين كانت أعناقهم كأباريق الفضة، ولو نظر كل فريق بعين الآخر لانتهت نصف مشاكل الدنيا، وكان من العدالة هنا أن تسقط جرائم كثيرة بعد تحول الناس الى الدين الجديد.، وهذه الفكرة بالذات هي التي تبناها اليوم الفقه الحقوقي العالمي تحت عنوان العدالة الانتقالية، وهي محاكمة الناس وفق قوانينهم التي كانوا يؤمنون بها عندما ارتكبوا الفظائع، وبذلك فإن العدالة تقتضي رؤية أخرى للحقيقة.
اليوم شباب إدلب في ساحاتها الكبيرة، ينتقمون من الأصنام والأوثان والصور التي جعلتهم عبيداً لما لا يؤمنون به، ولا يلام أحد في البطش بالحجر والصور، ولكن الإنسان له عند الله معنى آخر، والنفس على الله غالية عزيزة ومن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكانما قتل الناس جميعا.
لقد تواصلت مع كثير من إحواننا وأبناءنا الذين يشاركون اليوم في هذه التحولات الكبرى في إدلب، واتفقنا ان القضاء الذي يقومون به هو قضاء ضرورة، ولا ينبغي أن يتوسع فيع فيه، وهو قضاء مستعجل يتناول ما لا يحل تأخيره لإنصاف الناس ومنع اعتداء بعضهم على بعض، وربما تتم في إطاره محاسبة بعض الأشرار الذين كانوا يستذلون الناس ويستبيحون دماءهم وأعراضهم، وهذا يبيح اعتقالهم تعزيراً وتغريمهم ما سرقوه.
أما الدماء فإنها لا تحل لأحد إلا بإقرار من انعقدت له بيعة صحيحة من جميع المسلمين أو من أقره المسلمون على جزء من الأرض يقوم فيها بحكم الله، وهذا شأن الدولة القائمة الراسخة، التي حظيت ببيعة الناس، وهو لا يتوفر اليوم في هذه المحافظة الباسلة.
قلت لهم: حين ولي عمر بن عيد العزيز كتب إلى قضاة الأمصار.. أما بعد.. فأيما قضاء قضيتموه بالبينة والبرهان في أموال الناس وأعراضهم فأنتم أولى به، وأما الدماء فلا أحل لأحد منكم أن يقضي فيها إلا بعد عرضها علي، وذلك لينظر فيها أهل الحل والعقد من الأمة، حتى لا تهراق قطرة دم في غير حق أذن به الله وارتضاه كتابه.
إنهم يعرفون رأيي في السلاح كله، والقتال كله، وأعرف أيضاً مظلوميتهم وشهداءهم، ويعرفون منهجي في التجديد وأعرف ثباتهم على ما علموه، وخلاف الرأي طبيعة الحياة وشأن الناس، وأعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس، ولكننا على كل حال شركاء في حماية الحقوق وحقن دماء الناس...
ومع أن النظام لم يتوقف عن إمطار حممه الحاقدة على مدينة إدلب، بكل وسائل الانتقام السوداء، في بغي علني يراد منه قطع أي سبيل للسلام، ولكنني متمسك بما قلته لشباب إدلب، لا تخرجك أخلاق الجاهلية عن منهجك الرباني.....
أمام شباب إدلب نموذجان للنصر:
الأول: ما طلبه الصحابي المتعجل: اللهم العن دوساً واقطع نسلهم....والثاني: ما اختاره رسول الله...اللهم اهد دوساً وأت بهم
الأول: دعاء نوح: رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً... والثاني: دعاء محمد: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون
الأول: الصلب والقطع والرجم.......  والثاني: ادرؤوا الحدود ما استطعتم.. فإن القاضي أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة

كل مؤمن في الأرض يناشدكم يا شباب إدلب أن لا تعاد دروس الرقة الذبيجة على أرض إدلب الخضراء............

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق