الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2015-05-17

عملية فدائية أخرى "مقتل أبي رافع اليهودي" – بقلم: الدكتور عثمان قدري مكانسي

روى البراء بن عازب رضي الله عنه قال:
كان الحيّان من الأنصار، يتباريان في نصرة الدين، فلما سمع الخزرج أن محمد بن مَسْلمة وإخوانَه من الأوس قتلوا كعبَ بن الأشرف قالوا: والله لا يسبقونا، واستأّذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم  في قتل أبي رافع اليهودي فأذن لهم، ودفعوا له فتياناً لهذه المهمة فأمّر عليهم عبدَ الله بن عتيك.
وكان أبو رافع هذا صديقاً لكعب بن الأشرف، له مثله جولاتٌ في إيذاء المسلمين والتحريض عليهم، وينال من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان في حصن له بأرض الحجاز، فلما دنا الفدائيون منه وقد غربت الشمس، وراح الناس بسَرْحهم، قال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم، فإني متلطِّفٌ للبوّاب لعلي أن أدخل، فأقبل حتى دنا من الباب، وتقنّع حتى لا يراه فيعرف أنّه غريب، وجلس قريباً من الباب كأنه يقضي حاجته، فلما دخل الناس، هتف به البوّاب متعجلاً؛ يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل، فادخل سريعاً، فإني أريد أن أغلق الباب، فدلف مسرعاً وكمن في زاوية لا يراه فيها أحد.

فلما استكمل الناس دخولهم، أغلق البوّابُ الباب وقفله، وعلَّق المفاتيح على وتد في الجدار وانطلق إلى داره، فقام عبد الله بن عتيك ففتح الباب متحَسِّباً لما قد يجري، فلعله إن انكشف أمره استطاع الهرب.
وكان أبو رافع وجيهاً سَرِيّاً، يسهر عنده قومه في مضافة عالية في داره، فانتظر عبد الله حتى انفض السامرون، فصعِد إليه، كلما فتح باباً أغلقه عليه من الداخل، فقد يُحِسّ به أبو رافع فينادي مستصرخاً يطلب النجدة، فيرى منجدوه الأبواب مغلقة فلا يصلون إليه إلا وهو قتيل، هكذا فكّر عبد الله، وكان تفكيره سليماً.
قال عبد الله: فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم بين عياله، لا أدري أين هو، فقلت: أبا رافع، فرد قائلاً: من هذا؟! فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف دون أن أصيبه، فصرخ مستغيثاً، فخرجت من البيت لحظات، ثم عدت إليه فقلت – وكأني أحد سكان الحصن: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: ثكلتك أمك، إن رجلاً في البيت ضربني قبل قليل بالسيف، فحدد عبد الله المكان جيداً وضربه ضربة صائبة جرحته ولم تقتله، ثم وضع ذباب السيف في بطنه حتى خرج من ظهره، فهدأت حركته.
 قال عبد الله: وعلمت أني قتلته، فجعلت أفتح الأبواب باباً باباً حتى انتهيت إلى درجة لم أرَها، فوضعتُ رجلي وأنا أظن أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت، فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامتي، ثم انطلقت حتى جلست على الباب، فقلت: لا أخرج الليلة حتى أعلم أقتلته أم لا – سبحان الله! ما أعظم هذا الفدائي! يتحمَّل ألم رجله ويصبر عليه ليتأكد من إتمام مهمته!! هكذا يكون الرجال – فلما صاح الديك وانكشفت الدنيا قام الناعي على السور فقال: أنعي أبا رافع تاجرَ أهل الحجاز، فانطلقتُ إلى أصحابي، فقلت: النجاءَ النجاءَ، فقد قتل الله أبا رافع،ولم يقل قتَلتُه فالله من قتل ( فلم تقتلوهم ولكنَّ اللهَ قتلَهم)فقد رباهم الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم تربية .
قال عبد الله بن عتيك: وانتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  فحدثته بما جرى فقال: ((ابسط رجلك))، فبسطتها فمسح عليها، فكأنني لم أشتكها قط.
ما اروع الأستاذ والتلميذ ّ هكذا ينبغي أن نكون آباء وأبناء، ومعلمين وطُلاّباً ، وقادة وجنوداً ..

                                               البخاري جزء 5 كتاب المغازي ص 26

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق