إخوتي وأهلي، أبناء سورية الكرام،
لست أهلاً لنصحكم، وأنتم على الثغور ترابطون، وفي المعمعة الكبرى صابرون، تحتسبون أمركم
لله تعالى، وتثبتون - في كل التفاصيل - أنكم أبطال، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وكفى
ببارقة البراميل المتفجرة، فوق رؤوسكم فتنة، صامدون وأنتم تدافعون عن القيم والعرض
والوطن والمال والبيضة، ثابتون على الدرب، تطالبون بالعدل الذي هو جماع الحسنات، وتقاومون
الظلم الذي هو جماع السيئات، بل أنتم – لمن فهم المشروع بأبعاده الصحيحة – تدافعون
عن الأمة، وتتصدون لمشروع أكلها.
ورغم كل هذا، ورغم ضعفي وعجزي أمام
قوتكم وفدائكم، لابد من تذكير ونصح، ولابد من وصايا، "الدين النصيحة".
وهذه الوصايا العشر، أجملها بما يأتي:
1- من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا،
فهو في سبيل الله:
أذكركم بالإخلاص لله تعالى، وأنكم
تعملون ما تعملون لرضوان الله تعالى وطاعته، فالله غايتنا، فهل هناك أسمى من هذه الغاية،
وأرقى منها.
(وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا
اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ
وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ {5}) (البينة).
وفي الحديث الصحيح المتواتر الشهير,
الذي يعد أصلاً من أصول الدين، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, وَإِنَّمَا
لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى, فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا, أَوْ
إِلَى امْرَأَةٍ يتزوجها, فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ" (أخرجه البخاري
ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم).
فلا يلعب بك الشيطان، ويدفعك باتجاه
تضخم الذات، وعشق النفس، والدوران في فلك عبودية شخصك الكريم، فهذه مزلة قدم، تظهر
بصور شتى، وألوان مختلفة، وهنا تخسر دنياك وآخرتك، ومن تواضع لله رفعه الله، والكبر
باب خراب البيوت.
واعلموا أن النصر مقرون بطاعة الله
تعالى: (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ {7}) (محمد).
2- الحذر من تكفير المؤمن المعين،
حتى تتحقق الشروط، وتنتفي الموانع، ذلك أن التكفير كبيرة من الكبائر، وكارثة من الكوارث؛
لما يترتب على قضية التكفير من أخطار، وما ينتج عنه من تداعيات، "ومن قال لأخيه:
يا كافر، فقد باء بها أحدهما".. هذا في الفرد، ومن باب أولى أن يكون هذا منسحباً
على الجماعات والتجمعات والمجتمعات، فالاستهانة بقضية التكفير من غير تثبت انتشرت هذه
الأيام انتشاراً مذهلاً، بفعل الجهل والحماقة، حتى صار مرتكب الكبيرة، بله الصغيرة،
يكفر ويخرج من الملة، لدى فئة من الناس، فالحذر الحذر، فالأمر فظيع، وهو مسؤولية جسيمة
أمام الله تعالى.
3- هناك ثقافة غريبة عن بلدنا وتراثه،
ألا وهي ثقافة الغلو، التي يرفضها ديننا، من خلال الفهم السليم، فالدين يسر، ولن يشاد
هذا الدين أحد إلاً غلبه، "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط
إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه"، فيسِّروا
ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفروا، ونريد أن تعكس الثورة، ثقافة الحضارة الإسلامية
بكل أبعادها.
4- حرمة الدم، وعدم الاستهانة بشأن
الدماء:
الأصل في الإنسان، أنه معصوم الدم،
ولا يجوز أن نخرجه عن هذا الأصل، إلاً بسبب شرعي واضح بيِّن، وسمعنا في مجال الاستهانة
بالدم ما يندى له الجبين، وتقشعر منه الأبدان، من قطع للرؤوس بغير حق، وتفنن بالقتل
بلا ضوابط، من هنا لزم التنبيه إلى خطورة هذا الأمر، ولفت الأنظار إلى مأساة ركوب هذا
المركب.
قال تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً
مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ
وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً {93}) (النساء).
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات"، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال:
"الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.." (الحديث متفق
عليه).
وفي سنن النسائي: عن حميد قال: سأل
ميمون بن سياه أنس بن مالك قال: يا أبا حمزة، ما يحرم دم المسلم وماله؟ فقال: من شهد
أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله واستقبل قبلتنا وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا
فهو مسلم له ما للمسلمين وعليه ما على المسلمين.
فالأمر جد خطير، ولا يزال المسلم في
فسحة من دينه، مالم يصب دماً حراماً.
5- التعصب، شرٌ كله، ولا يأتي إلا
بالسوء، فإياك من التعصب لفكرة، أو حزب، أو جماعة، أو فئة، أو مذهب، أو اجتهاد، أو
مدرسة أو شيخ، أو نسب، وتحرر من عصبيات المنطقة والإقليم، وكن على مستوى هموم الأمة؛
"ليس منا من دعا إلى عصبية".
ليس العيب في الانتماء، ولكن المصيبة
تكمن في التعصب له.
ومن العصبية، تصنيف الناس، بطرائق
الأذية لهم، وتقسيم الناس إلى فئات بالعصبية العمياء، أو الفكر المعوج، بل يجب أن نسعى
إلى التوافقية في الفكر والسياسة، ضمن ثوابتنا، وأساسيات منهجنا.
كما أن من العصبية، تعميم الحكم على
الأسر والقبائل والجماعات، بسبب أخطاء بعضهم؛ (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)
(الإسراء:15).
6- الثورة ثورة شعب، بكل ألوان حراكه،
وكانت المساجد الموئل الأول للثورة، ومقر انطلاقها، وتعاون معها القاصي والداني، ومنهم
الظالم لنفسه، ومنهم المقتصد، ومنهم السابق بالخيرات، فكن بهم رفيقاً، وكن لهم عوناً،
وكن لهم ناصحاً، ويجب الصبر على ضعيفهم، ولا نعين الشيطان على من حاد عن طريق الرحمن،
بل نفعل العكس، فإن هذا من لوازم المضي في الطريق، والناجح من استوعب، لا من صنف، فالتصنيف
يجيده كل أحد، أما استيعاب الجماهير، فيحتاج إلى أولي العزم من الرجال، بعيداً عن التخوين
والتفسيق.
7- لا يمكن للعمل أن ينجح إلاً إذا
تكاملت أجنحته، عسكرياً وسياسياً وإغاثياً ومدنياً، وداخلاً وخارجاً، بروح المحبة،
والنظر إلى المصلحة العليا للبلد، ومن الأخطاء حدوث تلك اللغة السائدة، في الاقصاء
والتهميش.
ومن صور التكامل، ضرورة التعاون مع
العلماء، والمشايخ والدعاة، فالعلماء ورثة الأنبياء، وعلى العلماء أن يكونوا إيجابيين
مع إخوانهم، متعاونين معهم، في الرأي والمشورة والفتوى والتعليم والتربية، وتوجيه المسار،
وإغلاق باب الجهل، وترشيد العمل نحو الخير وما فيه المصلحة.
8- "خذوا حذركم" الحذر من
الاختراق الأمني، والغزو الفكري، والتجسس المريع، والشائعات الفظيعة، والحرب النفسية
المعقدة، ولا يغرنك لحن الخطاب وجماله، فالعالم كله له مصالح في الشأن السوري، وهو
يتابعكم، ويرصد حراككم، مع وجوب تقديم حسن الظن مع البحث والتحقق والتحري؛ "فلست
خباً، ولا الخب يخدعني".
9- وحدة الصف، واجتماع الكلمة، واجب
شرعي، وحاجة واقعية، وضرورة سياسية (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ
فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ {4}) (الصف).
الشرذمة مصيبة، وتبعثر الجهود ضياع،
والفرقة شر، وطريقها الخسران المبين. (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ
رِيحُكُمْ) (الأنفال:46)، فيجب العمل على هذا من خلال برنامج ، يحقق المقصود بالوسائل
الموصلة إلى هذا، وما لا يتم الواجب إلاً به فهو واجب.
الثورة بحاجة ماسة إلى العمل الجماعي،
والمخ المركزي، والتفكير الشامل، ولا يكون هذا إلا بما ذكرنا.
من هنا تأتي أهمية التخطيط، وحسن التدبير،
والعمل المؤسسي، فالعمل الفردي، والفوضى التي أنتجته، والعبث الذي خلفه، آن لنا أن
نغيره، فنصنع برنامجاً جديداً، نحو عمل يعتمد أحدث مناهج الإدارة، وطرائق المحاسبة،
فديننا علمنا النظام، ودعانا إلى تنظيم شؤوننا، في أمورنا كلها؛ (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى
الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة:2).
تآلفوا فيما بينكم، وأحبوا بعضكم وتآثروا،
وتفقَّدوا المساكين والأرامل والأيتام، وإياكم والأثرة، فإنها من أكبر البلاء؛
"والله في عون العبد، ما دام العبد في عون أخيه".
10 – المال فتنة، ومدخل من مداخل الشيطان،
وباب من أبواب الهلكة، والسعيد من تحرى الحلال، ولم يقع في الحرام، واحذروا تجار الحروب،
والمروجين لكذبهم بلافتات الغيرة على الدم، فهؤلاء لصوص الثورة، وشاربوا دم أبنائها.
جاء في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ
الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ
كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)،
وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)،
ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى
السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ
حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ" (أخرجه مسلم
في صحيحه).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق