الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2014-07-16

العمل الإسلامي والتفكير خارج الصندوق – بقلم: د. عامر أبو سلامة

ربما اختلف تقسيم التفكير خارج الصندوق وتوصيفه، بحسب مفسريه، إلى رأيين، وذهبوا في ذلك إلى مذهبين:

الأول: الذي يرى أن التفكير خارج الصندوق، هو إعمال الذهن، في غير الإطار التقليدي، والنمط السائد، الذي قد ألفه الناس، أو هو التفكير الذي يتجاوز النمط المتبع، والقواعد المنظمة للأفكار في العادة، فلا يكون حبيس رأي مسبق، أو فكرة سالفة، ولا أسيراً للمعهود، ولا سجيناً للمعتاد، من طرائق البشر واجتهاداتهم، وقيودهم وضوابطهم.


الثاني: هو تفكير غير المنهمكين في تفاصيل العمل، الذي يراد تحسينه وتطويره، ليدلوا العاملين، على جوانب النقص، ويبينوا لهم مكامن القصور، ويكشفوا منافذ الخلل، لأنهم بحكم راحتهم من هذا الانهماك، أقدر في تقدير الموقف، لأنهم يرون الأمور من خارج الصندوق، بلا توتر، ولا عناء تفاصيل، وليسوا طرفاً في الأداء، وهذه تعطيهم إضافة إلى سابقتها، صفة مضافة، تجعلهم بيت تفكير آمن نسبياً، وتمنحهم القدرة على رؤية كل المشهد بشكل أكثر وضوحاً، ليقول كلمته النافعة، ورأيه الصائب، حسب اجتهاده ورؤيته.

وفي الحقيقة لا تعارض بين وجهتي النظر، لأن كليهما مطلوب، وكل واحد مكمل للآخر، وهو بنفس الوقت يعبر عن حاجة لهما بغض النظر عن المصطلح، وانطباقه الدقيق على هذا أو ذاك، ولا مشاحة في الاصطلاح، كما هو معروف في قواعد المعرفة، وضوابط الاستنباط.

ذلك أن التفكير، خارج المألوف، تعبير عن كسر لقيود معيقة، في غالب الأحيان، وتكون سبباً في غلق أبواب الاجتهاد، وهذا التفكير يعطينا الفرصة للنظر من زوايا رؤية، غير تلك التي حصرنا أنفسنا بها، وهي في أحسن أحوالها، تجعلنا أمام خيار إيجابي واحد، وهنا نضيق ما وسع الله علينا، فنقع في الحرج.

ومبدأ الشورى، جزء مهم منه يغطي هذا المعنى، وما رأي سلمان – رضي الله عنه – يوم الخندق عنا ببعيد.

ولا فكرة الحباب – رضي الله عنه – يوم بدر، غائبة عن أذهاننا.

ولن ننسى أم سلمة – رضي الله عنها –وتفكيرها الصائب، والمنقذ للموقف، يوم صلح الحديبية.

وفي ظلال مثل هذا النمط العام من التفكير، كان أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والليث والنخعي والأوزاعي، وابن قدامة والنووي وابن تيمية والشوكاني والكمال بن الهمام، إلى أن نصل إلى العصر الحاضر، لنقف على أفكار وفهوم واجتهادات فقهاء الدعوة والعمل الإسلامي، الذي لولا خروجهم عن نمط التفكير المحيط بهم، لما كونوا هذه المدارس العظيمة، فكان المجدد حسن البنا، والإمام المودودي والعلامة الندوي، والشيخ بديع الزمان النورسي، والدكتور السباعي، والشيخ الصواف، والعلامة زيدان، والعلامة الزرقا، وغير هؤلاء كثير، في أرجاء الأمة ينتشرون.

فهذا التفكير، ليس بدعاً بين الأنماط، ولا غريباً في تاريخ الأمة الماضي والحاضر، بل هو أصل التجديد، لذا ترى صنوف القسم المقابل، يحاربونهم وينددون بهم، بل قالوا لبعضهم: هذا الإسلام الذي تبينونه، لا نعرفه.

ذلك لأنه جاء بقالب غير معهود، وشكل غير الشكل الذي ألفوه.

كما أن التفكير خارج الصندوق، بالمعنى الثاني، له أهمية بالغة، بل لا نجاح للأول إلا بالثاني، وكلما ابتعدت دائرته، كان أكثر نفعاً، وأكثر رشداً، لأنه بهذه الخاصية الرئيسة، يصبح أكثر قدرة، على التفكير المنتج.

فلا بد من جلسات تفكير، بين الفينة والأخرى، مع فريق عمل من مثل هذا الصنف من المفكرين، ليقوموا بهذه المهمة، وهو تعبير عملي، عن جزء من صور التعاون والتنسيق، بين أبناء الحركة الإسلامية، على مستوى القطر الواحد، أو الأقطار الأخرى.

وهو ترجمة عملية، لقانون النصح، الذي عبر به نبينا جزءاً، عن الكل تبياناً لأهمية هذا الجزء، فقال: (الدين النصيحة).

شورى (تفكير ورأي وعصف وخلاصات) مع نصح (طرائق عمل مخارج تخطيط).

وكانت العرب تقول النصيحة بجمل، وما أدراك ما الجمل آنذاك، وهو تعبير عن قيمة التفكير، التي تبذل له الأموال الطائلة، هذه الأيام، عند من يقدرون قيمته، ويدركون نتائجه، ويلمسون آثاره.

إنه الإفادة من جهد الآخرين، والاستفادة من تجاربهم، والاستعانة بخبرتهم، في حل المعضلات، وكشف الغامضات، وتحليل المعطيات.

في بعض الأحزاب، يفرغون جماعة متخصصين لهذا الشأن مهمتهم مراقبة الأداء، وتقديم الرؤى (خارج الصندوق).

فما أحوجنا لمثل هذا الموضوع، الذي يمثل حالة ضرورة، أكثر من أي زمن مضى، نظراً لتعقيدات الحياة، وتعدد جوانب التفصيل التخصصي، في شؤون الحياة كلها.

بل ربما هذا الأمر، يدخل في كثير من شعب المسائل، بالواجب الشرعي، لأن ما لا يتم الواجب إلاّ به، فهو واجب.

وربما حاجة الأمة عامة، والحركات الإسلامية خاصة، للتفكير خارج الصندوق، في هذه الأيام أكثر من أي يوم مضى، ذلك لأن التحديات كبيرة، والخطوب جسام، والعوائق كثيرة، ونمر بمرحلة نادرة المثال، في جملة التعقيدات الشائكة، التي نواجهها.

الحركة الإسلامية، تواجه حالة خطر، تحتاج إلى تفكير شجاع، ونظر دقيق، وفكر سديد، حتى تخرج من هذه الأزمة التي تعيشها بسلام.

فالتفكير خارج الصندوق بمعنييه، له فوائد جمة، ومحاسن كثيرة، ونذكر منها، على سبيل العد، لا الحصر:

1- يعمل التفكير، خارج الصندوق، على جلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، لأن التفكير السليم غالباً، يسوق للموقف الصحيح، والاجتهاد الصائب، وتصور معي، كم من الخير سنجني، عندما يكون ذلك كذلك، وبالمقابل، نعرف، كم من الشر نحصد، حال تقدير الموقف بشكل خاطئ. لذلك ما خاب من استشار، ولا ندم من استخار، والسعيد من اتعظ بغيره.

2- يعمل هذا النوع من التفكير، على تحسين الإنتاج وتطويره، والتقليل من حالات الخطأ، لأن الأمر يبقى في مجال الاجتهاد البشري، ولا يمكن أن تجزم بصوابيته المطلقة، ولكن يكفي المرء فخراً، أنه بذل ما يجب أن يبذل، وأخذ بالسبب الذي يلزم الأخذ به، وهنا يكون بين الأجر والأجرين. كما جاء في الحديث الصحيح: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ، فله أجر واحد ).

3- ينفع في عمق التفكير (بعد النظر وعمق التحليل) ويقلل من سطحية الرؤية، ويجعلنا بحالة بعد نسبي، عن التفكير العاطفي، والتخطيط غير المبصر، ومن أكبر المصائب، أن يكون المخطط لا يرى أبعد من أرنبة أنفه.

4- يعلم هذا العلم، طرائق استشراف المستقبل، والقراءة الصحيحة للأحداث، والتوقع الحسابي لما يمكن أن يكون، ومنها الدربة على وضع (سيناريوهات الاحتمال) لكل مسألة من المسائل، لأن الذي لا يقدر على هذا، لا يمكن أن يتلافى نقاط النقص، ولا يستطيع أن يتجاوز عوائق الطريق.

5- العمل الإسلامي، يحتاج إلى الابداع، والابداع من لوازمه، التحرر من الجمود، والخروج من قفص المحدود الفكري، إلى آفاق جو النظر الدقيق، الذي يسوق نحو الثمار المرجوة.

لذلك يقولون: (لو بقي أنشتاين في مكتبه موظفاً، واعتاد على المألوف المصلحي، الذي حوله، لما استطاع أن يحدث تلك الأفكار الثورية، التي غيرت مفاهيم الفيزياء الحديثة )


وفي الختام: التفكير خارج الصندوق، لا يعني الفوضى، ولا التمرد على النص، ولا على قانون الحركة، بل نعمل هذا بتخطيط الحركة، وفي حدود الثوابت.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق