بداية أجد نفسي أقف باحترام وإجلال
أمام الصمود البطولي للشعب الفلسطيني في وجه آلة الحرب الجهنمية المدمرة التي
تملكها الترسانة العسكرية للدولة العبرية، دون أن أنسى أن أقف بإجلال أمام سقوط
العشرات من الشهداء والمئات من الجرحى الفلسطينيين الذين يسقطون بنيران هذه
الأسلحة الفتاكة التي لا تميز بين طفل وشيخ وامرأة، أيضاً لابد أن أحيي الوقفة
الرجولية لرجال المقاومة الأشاوس الذين يتصدون بكل عزة وعنفوان لآلة الحرب
الصهيونية رغم التباين الكبير بين قوة الطرفين!!
لقد زرع الغرب وأمريكا سرطان الدولة
العبرية في قلب الوطن العربي وفي أعز موقع من مقدساتنا ليبقى جرحاً نازفاً يستنزف
قوى العرب والمسلمين ويستنزف طاقاتهم وثرواتهم، ويزرع الفرقة والتناحر والتنابذ
والمناكفة بين دول المنطقة التي ولدت من رحم اتفاقية سايكس- بيكو، ولتوزع بين دول تقدمية
ودول رجعية، ومن ثم دول مقاومة ودول منبطحة، ودول معتدلة ودول متطرفة، فدول مارقة
ودول تدعم الإرهاب ودول تحارب الإرهاب!!
وإذا ما زرع الغرب وأمريكا الدولة
العبرية العنصرية في فلسطين فإن هذه الدولة المسخ هي من زرعت عائلة الأسد في الشام
وجرجرت الغرب وأمريكا لدعم هذه العائلة وحمايتها لتبقى في الحكم رغم آثامها
وبوائقها، لتنعم الحدود الشمالية للدولة العبرية بالأمن والأمان، والتي كانت على
الدوام تسبب لها الخوف والرعب والقلق قبل وصول آل الأسد إلى الحكم غيلة وغدرا.
ولعل الجميع يتفقون معي في هذا المنحى
بعد كشف وثيقة لقاء جولدا مائير رئيسة وزراء الدولة العبرية ووزير دفاعها موشي
ديان مع وزير الدفاع السوري في حينها حافظ الأسد في قبرص عام 1968، ومن أهم ما سجل
في ذلك اللقاء قول موشي ديان لرئيسة الوزراء وهو يربت على ظهر الوزير الهمام:
"هذا الأسد هو من سيحمي الحدود الشمالية لدولة إسرائيل" وهذا ما حصل
بالفعل فقد بقيت الحدود الشمالية للدولة العبرية تنعم بالأمن والأمان لأكثر من
أربعين سنة في ظل حكم الأب والابن لآل الأسد، ولابد من الإشارة هنا إلى الأمر الذي
وجهه حافظ الأسد بصفته وزيراً للدفاع إلى أفراد القوات المسلحة السورية بالانسحاب
الكيفي من الجولان وتسليمه لقوات الدولة العبرية دون دفاع أو مدافعة وقبل أن تدنس
قوات العدو الصهيوني القنيطرة ب(18) ساعة، ولتغنم قوات الدولة العبرية المئات من
المدرعات وقطع المدفعية والعتاد الذي دفع الشعب السوري ثمنه من عرقه وجهده؛ ولم
يكن قد استعمل بعد أو شارك في أي عملية عسكرية مع الدولة العبرية، ولترفع القوات
الصهيونية على مدخل القنيطرة شعار الآية الكريمة: ( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ
فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ).
الأسد الابن راح بعيداً فيما تتمناه
الدولة العبرية فقد حقق لها ما لم تحلم بتحقيقه؛ فقد دمر الجيش السوري وفككه ودمر
المدن السورية وخرب منشآتها وبنيتها التحتية، وقتل ما يزيد على ربع مليون مواطن
سوري، وسجن واعتقل أكثر من هذا العدد، فيما هناك نفس العدد أو يزيد من المختفين،
إضافة إلى تهجير أكثر من ستة ملايين خارج سورية في بلدان الجوار والعالم، ونزوح
أكثر من اثني عشر مليوناً يهيمون على وجوههم داخل البلاد؛ طلباً للنجاة من براميل
الموت التي يمطر بها الأسد الابن المدن والبلدات والقرى في طول البلاد وعرضها،
والأنكى من كل ذلك تمزيق الشعب السوري إلى أثنيات عرقية ودينية وطائفية ومذهبية
وزرع الأحقاد والثارات فيما بينها.
الدولة العبرية لم يعد يهمها بقاء
الأسد الابن أو رحيله وقد تحقق لها ما لم تكن تحلم به، فسورية التي كانت تؤرقها
وتخشاها باتت دولة فاشلة ومفككة ومدمرة تحتاج لنصف قرن حتى تعود إلى سابق عهدها.
الإخوة في فلسطين الحبيبة أعذروني إن
أنا أسهبت في الحديث عن سورية ومقالي قد خصصته لوجعكم وما يصيبكم من جراحات وآلام
وأحزان على يد الدولة العبرية العنصرية وآلتها العسكرية الجهنمية المدمرة، ففلسطين
جزء عزيز من بلاد الشام، ولن يتحقق لكم ما تصبون إليه في إقامة دولة حرة مستقلة
إلا إذا رحل بشار الأسد جزار الشام ونمرودها ورجل تل أبيب، وتفكك نظامه الأمني
الذي ألهب ظهر السوريين والفلسطينيين واللبنانيين بعصاه الغليظة لنحو خمس وأربعين
سنة. حمى الله فلسطين وحمى شعبها المجاهد الأبي ورحم شهداءها وداوى جرحاها وأعز
مقاتليها وجندها.. وسيبقى دمنا واحد ودربنا واحد ووجعنا واحد حتى يحكم الله بيننا
وبين عدونا الواحد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق