ما إن ظهرت نتائج الانتخابات التركية إلا ووجدنا
الكم الهائل من الأحقاد الكامنة تظهر على العلن بشماتة غير معهودة لاسيما من دول
الغرب ، وكأن حزب العدالة والتنمية يُريد أن يحكم بلادهم ، مع أن نسبة نجاح الحزب
في الانتخابات الديمقراطية تُعتبر مرتفعة جداً لنسب الفوز في تلك البلدان ، وأمر
طبيعي أن يشهد الحزب بعض التراجع الطفيف عن الانتخابات السابقة ، فلم يحقق نسبة
نصف المقاعد التي تؤهله لتشكيل حكومة منفرداً ، أو النسبة التي يريدها لتعديل
الدستور بما رافق ذلك من تآمر دولي وتنسيقات غربية لمنع حصول الحزب على الأغلبية ،
وما رافق ذلك من إشاعات كاذبة ودعاية اعلامية مغرضة وهجومات مباشرة على الحزب
وأردوغان ، وتحالفات بين الأحزاب المختلفة تستهدف اسقاط حزب العدالة والتنمية وليس
للمشاركة معه ، لكن الصحيح أيضاً ماتشهده الساحة السياسية التركية من الاستقطاب
والتحشدات ضد العدالة والتنمية مما سيكون له وقع غير محمود على تلك النتيجة
العالية ، حيث وبتخطي حزب الشعوب الديمقراطي نسبة الحاجز ال 10%ودخوله البرلمان
مما رتّب أثراً سلبياً على حزب العدالة والتنمية في تخطيه لحاجز النصف لتشكيل
حكومة بمفرده ، ولو لم يتخطى حزب الشعوب الحاجز 10% لذهبت معظم أصواته لحزب
العدالة والتنمية ، مما كان سيرفع رصيده لنصف المقاعد في البرلمان وهو ماسيتم شرحه
من خلال المقالة ، لتكون هذه النتائج أول سيئاتها على الاقتصاد التركي الذي تهاوت
على اثره اليرة التركية الى أدنى مستوياتها ، لتدخل تركيا الى مرحلة جديدة ضبابية
، الرؤية فيها غير واضحة ، مع الخشية للعودة الى فترة التسعينيات والحكومات
الائتلافية الفاشلة ، إذ أن التناقض مابين الأحزاب الرئيسية كبير ، والفجوة واسعة
بحسب الايدلوجيات التي تحكم كل طرف
وأما مايتحكم في تركيا من نظام فهو بحسب الدستور الذي وضعه الانقلابيون العسكر في الثمانينيات ليخدم مصالحهم فهو نظام برلماني ، وكان الرئيس ينتخبه النواب المنتخبين في البرلمان أي الدائرة المغلقة حينها على مؤيديهم من السياسيين الذين تتجاوز نسبتهم نصف البرلمان ، إذ أن عتبة ال10% بالمئة كان يصعب تجاوزها على غيرهم ، عدا عن حظر جميع الأحزاب الاسلامية ، والتضييق على مثيلاتها ممن امتثلوا لذلك القانون ، وبالتالي فمثل فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات اليوم بنسبة 40% لاتؤهله أن تكون له الكلمة في اختيار الرئيس بحسب القانون السابق إذا تحالفت القوى الخاسرة ورشحت رئيساً بما مجموعه فوق ال 50% ، وبحسب ذلك القانون الذي لازال يُعمل به في هذا الشق فإن من مهام الرئيس تكليف من يريد لتشكيل الحكومة لأن هذا من صلاحياته ، ولربما يكلف الأحزاب الخاسرة أمام الفائز كمؤتلفين ويُضيع الفرصة على الحزب الفائز ، ولذلك سعى حزب العدالة ليكون الرئيس منتخب شعبياً وليس عبر البرلمان ، فعرض نص تعديل فقرة انتخاب الرئيس على الاستفتاء الشعبي وفاز بنسبة 67% ، فأجريت الانتخابات بمثل هذه الأيام من العام الماضي وفاز فيها الرئيس محمد طيب رجب أردوغان كأول رئيس منتخب شعبياً بنسبة 52% بصلاحيات ضئيلة وفق الدستور الحالي الذي يسعى حزب العدالة والتنمية تعديله ليتوافق مع المرحلة الجديدة ، ولكي لايكون تعارض بالصلاحيات بين الرئيس الذي يأتي به البرلمان " بحسب السابق ماقبل التعديل " والحكومة التي في الغالب تكون حسب الأغلبية في البرلمان وهذا ماسيشكل إشكالات كبيرة في حال شكَّل الحكومة حزب آخر أو ائتلاف حكومي بين تلك الحكومة والرئيس المنتخب شعبياً بحسب ماتمّ تعديله في خصوصية اختيار الرئيس شعبياً ، وهو ما دفع الحزب الحاكم لطرح فكرة تغيير النظام السياسي في البلاد إلى رئاسي بدل مايكون بالهجين الحالي كما يُطلق عليه تكون فيه للرئيس صلاحيات أوسع للرئيس ومنع التعارض ، وهذا لن يكون إذا لم يتوافق مع الحزب المؤتلف معه للوصول الى نسبة ال 50% أو مجموعة أحزاب على طرح مشروع تعديل الدستور على الشعب التركي ، أو الثلثين بدون استفتاء شعبي ، وبالتالي فكرة تعديل الدستور ذهبت أدراجها الى وقت غير مُحدد أو غير معلوم أو ممكن حدوثه
ومما لاشك فيه فإن من سيشكل الحكومة هو من يكلفه الرئيس ، والرئيس أردوغان من حزب العدالة والتنمية الذي أتى بأعلى النقاط 41% ( 259) مقعد من 550 مقعد من مجموع المقاعد ، وهذا الحزب من سيكلفه الرئيس بتشكيل الحكومة لكون ذلك من صلاحياته ، ولن يكلف أي أحد وإن شكلوا تآلفاً مانسبته فوق نصف أعضاء البرلمان لأن هذا من صلاحيات الرئيس الدستورية ، والأغرب في الانتخابات البرلمانية التركية ، أن من كان يسعى حزب العدالة والتنمية بخسارته كي لايحصل على نسبة ال 10% لتذهب أصواته في الغالب للعدالة والتنمية ، إذ لايُسمح لأي حزب تقدم كحزب أن يدخل أعضاءه البرلمان دون الحصول على هذه النسبة ، ويرث الفائزين من هذا الحزب من جاء بالمرتبة الثانية عن العضو المنتخب الفائز ، وغالبية هؤلاء من جاءوا التالي في الترتيب من العدالة والتنمية ، وبالتالي كان سيرتفع رصيد العدالة والتنمية حينها في الغالب الى 50% أو يتحاالف مع بعض المستقلين يكفونه للوصول للنسبة المطلوبة لتشكيل حكومة منفردة ، ولكن بعد تخطّي حزب الشعوب الديمقراطي حاجز دخول البرلمان ، صار هو الأكثر احتمالية أن يدخل الحكومة بالائتلاف مع الحزب الحاكم وإن صرح رئيس حزب الشعوب عكس ذلك مبدئياً ، وليس هذا فحسب ، بل لربما يُنعش الآمال في احياء فكرة تعديل الدستور وطرحه على الاستفتاء الشعبي ، مقابل موافقته على تعديل قانون صلاحيات الرئيس الأوسع سيكون هناك تنازل لصالح الأكراد والحكم اللامركزي وغيرها ، وهناك احتمالية التحالف مع شريحة من حزب الحركة القومية التي تحتوي على متدينين معتبرين ، او تشكيل حكومة أقلية من حزب العدالة والتنمية منفرداً ، وهي مالاسيكتب لها النجاح لأنها ستكون حكومة ضعيفة وهو مالايريده حزب العدالة والتنمية ، او الدعوة الى انتخابات مبكرة في حال سدّت الأفق ، سيتحمّل حينها الشعب مسؤولياته ، ويختار من جديد ، والخيارات في عالم السياسة كلها مفتوحة
وأخيراً لمحة بسيطة عن الخاسر والرابح في هذه الانتخابات
حزب العدالة والتنمية نسبته " 41% "لم يخسر الكثير ، بل خسر بفوز حزب الشعوب الديمقراطي بأن يحصد مقاعده في حال عدم تخطيه نسبة ال 10% ، وهو حزب مركزي ومحوري ، وله قواعد شعبية على مساحة الوطن التركي ، وهي متحركة ويُحدث اختراقات مع كل انتخابات ، ويفقد ايضا بعض شرائح الناخبين ، ربما لعامل الزمن في الحكم وبعض الاخفاقات الاقتصادية
بينما حزب الشعب الجمهوري نسبته " 25% "فله قاعدة ثابتة لاتتقدم ، ولربما تتضاءل بعامل الزمن ، فلم يقدم شيء جديد ، ودوره في الحياة السياسية ليس أكثر من تعطيلي ، وهو غير قادر على ادارة البلاد ، وشريحته لاتصوت له عن اقتناع بل نكاية في العدالة والتنمية ، وهو ضد التوجه الاسلامي ، حزب أنشأه أتاتورك
ربما الفائز الأكبر هو حزب الشعوب الديمقراطي نسبته " 12% " ، إذ يصعد لأول مرة كحزب للبرلمان ممثل عن الأكراد وليس عن هموم الأتراك ، وهو مايُحسب عليه
حزب الحركة القومية " 17%
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق