العولمة مصطلح يعني إزالة الحواجز والمسافات
بين الشعوب والأوطان والثقافات ، أو هو نشر الطابع الأمريكي - لأنها نشأت في
أمريكا – في جميع أمور الحياة الثقافية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية ليكون
عالميا .
وقد شهد العالم أنماطا من
العولمة والعالمية في حروب اليونان والرومان وفي الفتوحات الإسلامية ، ولكن
العولمة المعاصرة جاءت عن طريق الاقتصاد والثقافة لتبسط قوانينها الرأسمالية في
العالم ولتمحو شخصية الشعوب ولاسيما الإسلامية والعربية ولتجعلها طيعة كالعجينة
بين يديها ، وهي تتخذ من الطعن باللغة الفصحى ونشر اللغة الإنجليزية وسيلة لتحقيق
مآربها .
أما العالمية الإسلامية فإنها
تكرم ابن آدم ، وتساوي بين البشرية وتجعل العلاقات بين أبنائها قائمة على التعارف
لاعلى بسط النفوذ والهيمنة ، وبذلك تختلف عن العولمة التي كانت لتغيير العالم
ثقافة ولغة وعادات لتحل محلها ثقافات مادية إلحادية ، وبذلك تمحى هويتنا ونكون
تبعا لها .
يقول سمو الشيخ الدكتور سلطان
بن محمد القاسمي ( يجب أن تلغى النظرة الأحادية للثقافة المهيمنة وأن يكبح جماح العولمة التي تعتمد القوة وسيلة
والسوق هدفا والربح السريع غاية وأحادية الثقافة منهجا ، إذ تحاول أن تصدر مناهجها
دون احترام للآخر وذاتيته الحضارية والثقافية."
مظاهر العولمة اللغوية :
بدت العولمة لغويا في مظاهر شتى :
1- الثنائية اللغوية
إن مشكلة الثنائية اللغوية في التعليم بل سيطرة اللغة
الأجنبية في المدارس الخاصة والجامعات سببت خلخلة في البناء الاجتماعي ستزداد
وطأته يوما بعد يوم إن لم نتلاف القضية ،إذ سينشأ جيلان من أبناء الوطن الواحد
ولكل انتماءه للبلد الذي يتكلم لغته.
إننا لانحارب
تعلم الإنجليزية ولكنا لانعطيها أكثر متن قدرها إنها سبيل إلى التفاعل الحضاري
والنهضة الحديثة ولكن يجب أن نفرق بين مايعلي شأننا وما يجعلنا نهوي إلى الحضيض
حين نكون تبعا للغرب نأتمر بأمره .
إن التعليم
بغير لغة الأم سيجذب أبناء العرب
والمسلمين إلى الغرب ومن ثم ستهدد لغتنا وقيمنا ولاسيما عند الجيل الصاعد .
إن لغتنا حملت آدابنا واستوعبت علوم حضارتنا
ولاتزال أهلا لأن يدرس فيها ، ففي سوريا يدرس الطب وسائر العلوم العقلية والنقلية
بالفصحى وقد أثبت خريجوها تفوقا لأنهم تعلموا بلغة الأم واستوعبوا المادة استيعابا
قويا .
وكان سبب
سيادة الإنجليزية هو سوق العمل ، قالشركات ومعظم ومعظم المدارس والجامعات تدرس
بالإنجليزية إلا قليلا وتتعامل بها وتصدر قراراتها بها وهذا مادفع الناس إلى
الاندفاع لتعلمها منذ الصغر فكان مالم يكن في الحسبان .
وقد أجرت
جريدة الشباب لقاء مع طلاب بعض الجامعات في الإمارات العربية المتحدة حول استخدامهم
للفصحى فتبين منه :
1-كثير من الطلاب باتوا لايحسنون التحدث بالفصحى لأنهم
يتكلمون الإنجليزية منذ المرحلة الابتدائية ، وبعض هذه المدارس تغرم الطالب الذي
يتكلم بالعربية أموالا ليدع التلفظ بها
2- بعض الطلاب صار يعد تعلم العربية مضيعة للوقت .
3- وبعضهم بات
يكرهها وينفر منها ، والمرء عدو مايجهل .
4- وهناك من يفخر لتحدثه أو لتحدث أولاده بالإنجليزية لغة العلم المعاصر
بزعمه وصار يعد الفصحى " موضة قديمة " على حد قوله .
5- وأثبتت التجارب أن من يدرس بلغته يتفوق على من يدرس بغير لغته الأم
كالإنجليزية للعرب ، ولذلك فالتدريس بالأجنبية يؤثر على الكمية المعطاة من العلم
كما صرح بذلك بعض أعضاء الهيئة التدريسية .
6- النجاح في المستقبل لاعلاقة له بالنجاح في اللغة ، فألمانيا وفرنسا
والصين وفنلندا واليابان وسوريا وفيتنام تدرس بلغاتها لا بالإنجليزية وكذلك في بعض
مناطق كندا يدرس فيها بالفرنسية لغة أهلها الأم .
7- ضعف الانتماء العربي عند من يدرس بالإنجليزية بل فقدانه أحيانا ،
وتفضيلهم الخروج من الوطن ، ولهذا صرنا كالفراش الذي يغرق بالنور فيحترق به ، إذ
خسرنا أبناءنا وانتماءنا وهويتنا حتى صار في أمريكا وحدها سبعة ملايين عالم غير
أمريكي الأصل .
2- استخدام ما أطلق عليه اسم العربيزية :
وهو مظهر آخر عند الشباب الذين يستعملون الشبكة العالمية
( الإنترنت ) بالإنجليزية بدلا من العربية إذ راح هؤلاء يكتبون الكلمات العربية
بحروف إنجليزية ، ووضعوا أرقاما للأصوات العربية التي لاتوجد في اللغة الأجنبية
فالرقم ( 7 ) الأجنبي بدلا من حرف الحاء
مثلا وهذا إن نم عن شيء فهو ينم عن عقدة النقص التي حملها هؤلاء الجهلة بالعربية .
3- نشر الأبحاث العلمية بالإنجليزية :
إن الاعتراف بالأبحاث العلمية يتطلب أن تنشر بالأجنبية لتعترف الجامعات بها
، وإلا فإنها لن تلقى القبول مهما كان مستواها العلمي لأن المجلات العربية غير
مسجلة في فهارس المؤسسات العلمية ، وهذا سيؤدي إلى ترسيخ فكرة عدم صلاحية العربية
للعلم ، الأمر الذي يستدعي جهودا كبيرة لترسيخ أسماء المجلات العربية للبحث العلمي
4- ازدواجية اللغة في المجتمع لافي التعليم فحسب :
بات كثير من أفراد المجتمع حتى الصغار
ينطقون كلمات أجنبية ضمن أحاديثهم اليومية ، وذلك ناجم من عقدة النقص لأنهم حسبوا
أن من يتكلم الأجنبية أعلى مستوى من غيره ، من ذلك أوكيه بدلا من موافق وكلاس بدلا من صف وموبايل
بدلا من الهاتف المتحرك و... والاستعمال يجعل الكلمة سائرة وقد تدخل في المعاجم مع
مرور الزمن كما أدخل المجمع اللغوي المصري التلفون بدلا من الهاتف على الرغم من
انتشار الكلمة العربية .
5-التعامل في
السوق بالإنجليزية :
كما في الشركات
والمحلات التجارية إذ ضارت الإنجليزية لغتهم الرسمية سواء أكتبت بحروف إنجليزية أم عربية والقانون يحظر هذا
.
6- ومن مظاهر العولمة تهديد الأمة بالانقسام
وهذا مايريد العدو أن يتوصل إليه شعوب العالم الثالث كالشعوب العربية ، بل
لقد انقسمت بلدان أجنبية بناء على اللغة ، وفي كندا وبعد الاعتراف بالفرنسية لغة
رسمية إلى جانب الإنجليزية أخذ أبناء الفرنسية يطالبون بالاستقلال في مناطقهم ،
وفي الهند صراع بين الشمال والجنوب بناء على اللغة ، ففي الشمال يتكلمون الهندوسية
وفي الجنوب يتكلمون الإنجليزية لأن معظمهم تنصر بعد الاستعمار ، وفي الجزائر صراع
بين البربر والعرب ويطالب البربر بالانفصال عنها ، وفي العراق صراع بين الأكراد
والعرب ، وفي السودان يتكلم الجنوب الإنجليزية ويطالب بالانفصال ...، ولله در رسول
الله صلى الله عليه وسلم حين قال ( ليست العربية من أحدكم بأب ولا أم وإنما هي
اللسان فمن تكلم بالعربية فهو عربي ) .
وتقول د. عائشة عبد الرحمن (
حين تمتحن أمة بسرقة لسانها تضيع وتمسخ شخصيتها القومية وتبتر من ماضيها وتراثها
وتاريخها ، ثم تظل محكوما عليها بأن تبقى تحت الوصاية الفكرية للمستعمر حتى بعد أن
يجلو عن أراضيها ، وبمضي الزمن يغدو هذا الاستعباد القهري ولاء فكريا لمن كان لها
بالأمس عدوا ، ويقول د. وليد قصاب :
أشكـــــــــــو إلى الله عظيـــــــــــــــــم بلائي وتوثـــُّــــــب الحســـــــــاد والأعــــــــــــــداء
زعموا سأعجز عن صيانة علمهم لو
عاينوا الأصداف في أحشائي
لغــــة الخواجا أعمشت أبصارهم
عمــــــــــــــــا أخبـــــِّــــــــــــئ من كنوز صفاء
وهاهي صرخة شاعر آخر يقول :
يامعشر اللغة الفصحى أما لكم عطف
عليها يقيها النائبات أما
تداركوها وذودوا العابثـــــــــــين بها وجددوا من مبانيها الذي انهـــــــــــدما
كانت لها عندكم فيما مضى ذمم
ولم يكن شأنكم أن تخفروا الذمما
وحتى نتداركها أوصي بما
يأتي :
1- الإكثار من مراكز تحفيظ القرآن الكريم لينشأ الجيل على حب العربية
والترنم بها
2- فتح معاهد ثقافية في البلدان العربية والأجنبية التي يفد منها عاملون
إلى البلاد العربية وذلك لتعليم العربية غير الناطقين بها لئلا يكون وجودهم ذريعة
لاستخدام الإنجليزية ، وتقوم جامعة الإمام محمد بن سعود في أندونيسيا وأمريكا
واليابان وجيبوتي بهذه المهمة .
3- تفعيل القرارات المتعلقة بضرورة استخدام الفصحى لغة في الدوائر الرسمية
وغير الرسمية إلا في حالات الضرورة .
4- التوعية بأهمية اللغة العربية ولاسيما عن طريق أجهزة الإعلام ، وتخصيص
برنامج يومي وعمود صحفي لهذا الغرض .
5- يجب أن تواصل المجامع اللغوية عملها في تعريب المصطلحات العلمية لتكون
الفصحى بديلا في تدريس العلوم ونشر الأبحاث ، وغنى لغتنا يساعد في هذا فهي تحوي
مليون كلمة بينما في الإنجليزية ستون ألفا فحسب والفرنسية ثلاثون ألفا، وفي لغتنا
272000 كلمة حضارية حسب الدراسات التي قامت حولها وتقوم مؤسسة واتا بعملية الترجمة
اليوم ويشرف عليها ألوف المثقفين
6- معاقبة من يمنع الطلاب من التحدث بالفصحى في المؤسسات التعليمية
7- الإشراف اللغوي على برامج الأطفال كلها
8- مراقبة الكتب المترجمة لوضع المصطلح العربي إلى جانب المصطلح الأجنبي .
وأخيرا أقول مع الرصافي "
لاتلمني في هواها أنا لا أهوى
سواها
لست وحدي أفتديها كلنا اليوم فداها
فبــها الأم تغـــــــنت وبها الـــــــــــوالد فاها
وبها الفن تجلى وبها
العــــــلم تباهى
كلما مـــــــــــر زمــــــــــان
زادهـــــــا مجدا وجاها
لغــــــــة القرآن هــــــــــــذي
رفع الله لــــواهــــــــــــــا
لم يمت شعب تفانى في هواها واصطفاها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق