هذه
اجتهادات بيانية قد تصيب وقد تخطئ، وقد تدنو أو تبعد، وأرجو الله أن يسدد قلبي
وعقلي للصواب، إنه الميسر للخير سبحانه وتعالى:
"
... إذ يتنازعون بينهم أمرهم ، فقالوا :
ابنوا عليهم بنياناً ...." الكهف (21)
" ... فتنازعوا
أمرهم بينهم ، وأسرّوا النجوى " طه (62)
التنازع في سورة الكهف بين المؤمنين في
أمر الفتيان الذين ناموا في الكهف ثلاث مئةٍ سنين ، ثم استيقظوا بقدرة الله تعالى
ليؤكد المولى للناس أنه لا بد من اليوم الآخر ، وسيحشر فيه الناس بأرواحهم
وأجسادهم . هذا التنازع في الطريقة التي يكرّمون بها هؤلاء المفتيان المؤمنين بعد
موتهم ليكونوا عبرة للناس جميعاً ، " قال الذين
غلبوا على أمرهم لنتّخذنّ عليهم مسجداً ".
التنازع في سورة طه بين الكفار من السحرة الذين
أمرهم فرعون أن يجهزوا أنفسهم لمقارعة موسى وهارون عليهما السلام ، فكان السحرة
فريقين – كما يذكر المفسرون – في أمرهما ، فكان الغالبية من السحرة يعتقدون أن
النبيين الكريمين ساحران يمكن الغلبة عليهما " قالوا
إنْ هذان لساحران " وكان بعضهم يعتقد أن موسى وهارون ليسا ساحرين ،
وهما يعتمدان على قوة قاهرة لا يمكن التغلب عليهما .
في قصة أهل الكهف نجد " إذ " مع الفعل المضارع " يتنازعون " يستحضران صورة المسلمين يتناقشون في
تكريم هؤلاء الفتية الأبرار دون ضجة ولا جلبة ، فليس بينهم منافسة ولا تحدٍّ ،
إنما يريدون الوصول – برأيهم – إلى الطريقة المثلى لتكريم الهاربين إلى الله
بدينهم الذين ضربوا المثل والقدوة في اللجوء إلى الله . واستحضار الصورة مشهد
حضاري في الشورى الذي قرر العمل برأي الأغلبية ، فكان من الأولى تقديم كلمة "
بينهم " على كلمة " أمرهم " . فاختلاف الرأي ليس في أمر الفتية إنما
بين المتحاورين في طريقة تكريمهم .
في قصة السحرة والنبيين الأخوين
الكريمين موسى وهارون ، نجد الفعل الماضي " تنازعوا
" يدل على لفلفة الأمور وطمس رأي الآخرين الذين خالفوهم في الرؤية ولا
حظ معي الجملة التالية " قالوا: إنْ هذان لساحران
... " وقد حُذفت فاء الترتيب والتعقيب ، ومكانها قبل الفعل قالوا .
ولن يُسمح حتى بسماع الرأي الآخر لأن فرعون قرر أنهما ساحران ينبغي مواجهتهما
والقضاء عليهما سريعاً ، وينبغي أن يكونوا رأياً واحداً ، فلا يسمع أحد برأي يأباه
فرعون " فأجمعوا أمركم ، ثم ائتوا صفاً "
وكان همهم وهمّ سيدهم النصر لا الوصول إلى الحق
، والدليل على ذلك قولهم " وقد أفلح اليوم
من استعلى " ولم يقولوا : قد أفلح اليوم من كان الحق معه !! . ولأن
التنازع في موقف السحرة أنفسهم من النبيين موسى وهارون قٌدّمت كلمة " أمرهم"
على كلمة " بينهم " والضمير في كلمة " أمرهم " عائد على السحرة ، ولو كانوا على كلمة
واحدة في اتخاذ القرار ، وكان الخلاف متعلقاً بمقارعة النبيين ليس غير لقال "
فتنازعوا أمرهما بينهم " .
والله أعلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق