ولد
أبو الدستور السوري وفتى
الشــام فوزي الغزي في دمشق سنة 1891 ودرس فيها، ثم
التحق بالمعهد الملكي العالي باسطنبول
لدراسة الحقوق.
كان
ضابطا في الجيش العثماني في الحرب
العالمية الأولى. حارب
في القفقاس والعراق حيث أصيب في أذنه. اختارته حكومة الملك فيصل قائم مقام راشيا،
وحاصبيا على التوالي. ثم عين أمينا لسر وزارة الداخلية. بعد الاحتلال الفرنسي
لسورية عمل في المحاماة.
درس
القانون الدولي في معهد الحقوق في دمشق، واعتقل مع فارس
الخوري وإحسان
الشريف في آب 1925 في قلعة أرواد. نفي
إلى الحسكة مع سعد
الله الجابري ووزراء
حكومة (الداماد أحمد نامي
بيك (فارس
الخوري وحسني
البرازي ولطفي
الحفار، ونفي إلى لبنان. انتخب نائبا عن دمشق في 24 نيسان
1928, مع إحسان الشريف، ولطفي الحفار وفخري البارودي، وفوزي البكري، وفايز الخوري وتاج الدين
الحسني وعبد القادر
الخطيب، وأحمد اللحام، وسعيد الغزي وزكي الخطيب.
فاز
بأمانة سر المجلس المنعقد مع فتح الله أسيون. شكلت لجنة لكتابة دستور البلاد
برئاسة إبراهيم
هنانو، كان الغزي عضوا مقررا فيها. ويعود الفضل له
ولفايز الخوري في كتابة دستور البلاد. يقال أنه أتم الدستور بخمسة عشر يوما. وافقت
الجمعية على مسودة الدستور المؤلف من 115 مادة. وقال الغزي: "صرح غير واحد من
رجال فرنسا الأحرار الذين تتبعوا خطوات الجمعية التأسيسية خطوة خطوة، وقرأوا محاضر
جلساتها وتصفحوا أقوال خطبائها, أخص بالذكر منهم المستشرق المعروف المسيو ماسنيون:
"إن هذه الجمعية لم تكن أقل ثقافة وخبرة من مثيلاتها في البلاد المتمدنة الحديثة
العهد في حياتها النيابية" واعترض المندوب السامي الفرنسي المسيو بيسو على ست
مواد (2- 73-74-75-110-112).
وتبين
من المواد الست المعترض عليها والتي كانت مصدر الخلاف. مباهاة ذلك الدستور لأعظم
دساتير الدول فيما يخص سيادة الدولة ووحدة ترابها " البلاد السورية المنفصلة
عن الدولة العثمانية وحدة سياسية لا تتجزأ. ولا عبرة بكل تجزئة طرأت عليها بعد
نهاية الحرب العالمية". (المادة2), وتنظيم جيشها (المادة 110). وحق رئيس
الجمهورية عقد المعاهدات وإبرامها والعودة إلى المجلس عند "المعاهدات التي
تنطوي على شروط تتعلق بسلامة البلاد أو بمالية الدولة أو المعاهدات التجارية أو
سائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة بعد سنة" (المادة 74). كما يخفف
الدستور من صلاحيات رئيس الجمهورية من الناحية الأمنية وخصوصا فيما يتعلق بالأحكام
العرفية فنصت المادة 112 "لرئيس الجمهورية أن يعلن بناء على اقتراح الوزراء
الأحكام العرفية في الأماكن التي تحدث فيها اضطرابات أو قلاقل. ويجب أن يعلم
المجلس النيابي بإعلان الأحكام العرفية فورا. وإذا لم يكن المجلس مجتمعا فيدعى على
وجه السرعة". تقيد المادة رئيس الجمهورية والوزراء وتربط مكان الأحكام في
أماكن القلاقل فقط, وتبقى المسائل التي تتعلق بسلامة البلاد واتفاقياتها بيد
المجلس. وقصر الدستور ولاية رئيس الجمهورية على خمس سنوات. "لا يجوز إعادة
انتخابه مرة ثانية إلا بعد خمس سنوات من انقضاء رئاسته" حرصا على تداول
السلطة.
أضاف
المسيو بونسو المادة 116 "إن أحكام هذا الدستور هي غير مخالفة، ولا يجوز أن
تخالف الواجبات التي اتخذتها فرنسا على نفسها فيما يختص بسوريا خاصة نحو جمعية
الأمم. وهذه التحفظات تنطبق خاصة على المواد التي تمس الدفاع عن البلاد ومواد
العلاقات الخارجية "من أجل النص الكامل للمواد الست والمادة 116 راجع منير
المالكي, من ميسلون إلى الجلاء, وزارة الثقافة السورية1991.
قال
الغزي: "لم تخرج الجمعية التأسيسية في كل اجتماعاتها ومذكراتها عن التقاليد
البرلمانية، ولم تشذ في موقف من مواقفها عن القواعد النيابية المألوفة في العالم
المتمدن" وخطب الغزي في نفس المداخلة عن العلاقة الفرنسية بالدستور "يرى
الوطنيون أن الدستور عمل داخلي بحت وقانون ذو طرف واحد يقر سيادة الأمة ويحدد
السلطات الوطنية ويبين شكل الحكومة وما يترتب على رجالها من واجبات ويضمن للأفراد
والجماعات حريتها وحقوقها.
رفض
الغزي التدخل بالدستور السوري، معتبرا الدساتير تثبت الحقوق وتدونها. والمعاهدات
تقيدها وتحددها, الدستور أصل وأساس هنا, فالمعاهدات علاقات بين أطراف، برانية عن
الدستور. "فدستور العراق، وهو مؤلف من 123 مادة وموضوع في آذار 1925بعد المعاهدة
الإنكليزية العراقية وليس فيه كلمة واحدة تشير الى حقوق وواجبات الفريقين. وهذا
دستور مصر، والكلام مازال للغزي, وهو مؤلف من 170 مادة وموضوع في 19 نيسان 1922
,.... فكما إن دستوري العراق ومصر لم يبطلا المعاهدات والتحفظات التي سبقتاه، كذلك
الدستور السوري لا يعقل أن يغير شيئا في أوضاع البلاد الخارجية، ولا عبرة لتقدم
المعاهدة على الدستور أو تأخرها, فالمعاهدات أشد تأثرا وأقوى مفعولا من الدساتير.
رفضت
الجمعية التأسيسية الطلب الفرنسي القاضي بتعديل المواد الست. خطب بعض النواب خطبا
حماسية, دعا رئيس الوزراء تاج الدين الحسني إلى التروي وتعديل المواد المطلوب
تعديلها, لئلا يحصل سوء تفاهم بين الفرنسيين والوطنيين ونخسر كل شيء. رد عليه فخري
البارودي واتهمه بمؤازرة الفرنسيين ليعينوه رئيسا للجمهورية. فترك الحسني المجلس
وخرج. وكان قرار النواب بعدم تعديل أي شيء وإبلاغ
المفوضية بذلك. ثم رفض المجتمعون المادة
116 وقرروا في 25 كانون الثاني 1929 تغيير مادتين من الدستور : -المادة
الثانية لتصبح على الشكل التالي: "البلاد السورية وحدة سياسية لا تتجزأ وحقوق
الاعتراض في التجزئة الحاضرة محفوظ" - إضافة مادة بعنوان أحكام مؤقتة ونصها :
" أن أحكام المواد 73-74-75-110-110 تنفذ باتفاقات خاصة بين الحكومتين
الفرنسية والسورية ريثما تعقد المعاهدة لتحديد العلاقات بين البلدين" علق
الفرنسيون اجتماع الجمعية في 7 شباط 1929، ثم حلها في 5 آب 1929.
كان
الغزي على رأس لجنة الدستور، واستمر مدافعا عن الدستور مستعينا بثقافة دستورية قل
نظيرها، مع رفاقه النواب الذين حملوا إجازة الحقوق. أغلب رجال الاستقلال السوريين
كانوا يحملون إجازة في الحقوق والإدارة من اسطنبول. كما كان الدستور الفرنسي مرجعا
بالنسبة للحريات واحترام الفرد. فساوى بين المواطنين حقوقا وواجبات، رغم أن البلد
ما يزال يعيش في الحالة الإقطاعية. وكان الدستور واضحا في مبدأ فصل السلطات
واستقلال القضاء.
ليس
خفيا النضال الشبابي السوري لنيل الاستقلال ابتداء من الثورة السورية الكبرى
ومرحلة النضال السياسي فيما بعد. لم يكن فوزي الغزي أصغر الأعضاء في الجمعية
التأسيسية حيث انتخب عن 37 عاما ,فقد انتخب فخري البارودي عن 39عاما, وكان نقولا
خانجي وسعيد الغزي أصغر أعضائها (موقع مجلس الشعب الإلكتروني – دراسات عن
الانتخابات التشريعية/ المجلس التأسيسي 1928). وكان إحسان الشريف بعمر البارودي
ومن معاصريهما سامي الميداني، يحيى الشماع. سامي البكري.
لم
يكن خطاب مرحلة الاستقلال ديماغوجياً شعبويا، وليس السبب أن جل رجالات الحركة
الوطنية كانوا من الإقطاع, على العكس فرجالات الاستقلال باعوا ضياعهم ومنازلهم. بل
أن بعضهم مات مديونا كما حدث مع الزعيم إبراهيم هنانو. لو أراد أعضاء الكتلة
الوطنية استخدام الفلاحين للانقلاب على سادتهم الإقطاع لفعلوها ولنجحوا ربما. لكنه
سؤال يستحق البحث. في كلمة ألقاها فوزي الغزي في مدرسة في عاليه في لبنان :
"سعداء أنتم معشر الشباب لأن الحياة أمامكم، إن جدل الحياة انتقل أيها الشباب
من ميادين الحروب إلى مقاعد الدراسة, فالأمم الضعيفة في ثقافتها وعلومها ضعيفة في
استقلالها, إن للشرق دائين : الجهل وضعف الوطنية، فكافحوا إذن أيها الشباب
الجهل بالعلم، وضعف الوطنية بتربية صحيحة. "من المعروف حض الخطاب النهضوي على
العلم، واعتباره سبيل الخلاص من الجهل والمحن. لكن حسم الغزي جدل الحياة لصالح
العلم هو ما نراه تقدما على الرؤية الإصلاحية التي لا تنفك تلازم بين الخيارين
(الأمة القوية قوية بجيشها وعلمها). فالأمة المستعمَرة بلا جيش وبلا علم. الخلاص
من المستعمر يتوجب دحر جيشه. ليكون العلم نتيجة هَزم المستعمِر. رأي الغزي هنا واضح،
ضعف الثقافة والعلم سيضعفان الاستقلال. تحصين البلد بالعلم سيحمي استقلال البلد.
وهذه الرؤية رؤية حداثية لتكوين الفرد والدولة والتي ما زالت غائبة عنا أفرادا
وأنظمة مهيمنة. والغريب أن مديح القوة هذا هو الذي أنتج طغما عسكرية. ومع ذلك
مازلنا متمسكين بمقلوب الصورة. في حين عدله الغزي قبل ثلاثة أرباع القرن من الزمن
ورآه صحيحا في زمن غياب الاستقلال وكثرة التحديات.
في
يوم الخميس الواقع في 4 تموز من عام 1929 م قصد الزعيم الوطني الكبير فوزي الغزي
وزوجته لطفيه وولديه دلال وخلدون مزرعة شقيقه لقضاء عطله نهاية الأسبوع، وفي صباح
اليوم التالي ( الجمعة 5 تموز 1929 م ) استيقظ فوزي الغزي وزوجته، وأثناء تناوله
لفنجان القهوة شعر بآلام فطلب من زوجته برشامة دواء، فتناولت الزوجة لطفيه
البرشامة من محفظتها وأعطتها لزوجها، وبعد دقائق معدودة أسلم الروح لباريها، وقيل
حينها أنه توفي بالسكتة القلبية، وفي اليوم التالي (السبت 6 تموز 1929 م) شيعت
دمشق بمشاركة المدن السورية والعديد من البلدان العربية ابنها البار، ولكن لم تمض
أيام معدودة وبعد دفن جثمان الغزي في مقبرة الدحداح، أخرجت الجثة وشرحت وتبين ان
الوفاة بفعل فاعل، فكانت زوجته لطفيه وأقرباء زوجها منير ووجيه ورضا الغزي شركاء
في جريمة القتل.!؟ وصدرت الأحكام القاسية بحقهم لكن المستعمر الفرنسي خففها.!؟ لعل
مقتل الزعيم الوطني الكبير فوزي الغزي يوم 5 تموز من عام 1929 م كان ولم يزل لغزا
عصيا عن الحل.؟ هل كان ضحية موقفه الوطني الصلب.؟ أو كان ضحية لاجتماع أهل دمشق
حوله خاصة وأنه كان موضع إعجاب الجيل الشاب ( شبابا وصبايا ) وهذا لم يرق للمستعمر
الفرنسي.؟ أو هو ضحية مباشره لوضعه دستور سوريه عام 1928 م ورفضه وعناده على
اعتراضات المندوب السامي الفرنسي لإلغاء عدد من مواده.؟ أو هو كما اشتهر عن حكاية
اغتياله أنه كان ضحية مؤامرة غير أخلاقية .؟ أسئلة كثيرة طرحت ولم تزل تطرح منذ
أكثر من ثمانين عاما ولم يكن هنالك جواب كاف كاشف. أدلى بدلوه في مسيره حكاية اغتيال
الزعيم الوطني فوزي الغزي، الرئيس والوزير والزعماء الوطنين والكتاب والصحفيون ولم
تزل هنالك حلقه مفقودة بين الحقيقة والواقع.!؟ فهل هذه الحكاية هي الجريمة الكاملة
أو هنالك تقصير وإهمال في تصحيح مسيره حياة رجالاتنا فجعل منها هذا اللغز.!؟
انتشر
خبر وفاة الغزي في البلاد السورية مساء الخامس من تموز عام 1929 وفي صباح يوم 6
تموز قامت دمشق عن بكرة أبيها تودع فتاها الذي كان نتيجة مؤامرة دنيئة لم تحلّ
خيوطها حتى الآن..؟ وكان ضحيتها زوجته لطفية اليافي وثلاثة من أولاد عمومته هم:
وجيه الغزي – رضا الغزي – منير الغزي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق