لا
أغالي إن قلت إن البيت الشيعي في لبنان هو في بداية الاحتراق وطي صفحة الألق الذي
عاشه منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى ما قبل انطلاق الثورة السورية.
الألق
الذي حازه البيت الشيعي، المتمثل بحزب الله، على مدار السنين الماضية والذي كان
يعود الفضل في تنشئته ورعايته إلى النظام السوري الطائفي الذي دخل لبنان تحت مظلة قوات
الردع العربية، بحجة وقف نزيف الحرب الأهلية، وإلى إيران الخمينية بالدرجة الثانية
المغلفة بهالة من الشعارات الكاذبة (الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل).
هذان
النظامان الذي جمع بينهما البعد الطائفي المعادي للعرب وأهل السنة والجماعة منهم
خاصة، عملا على تأسيس حزب الله الطائفي بكل أبعاده الطائفية في لبنان.
لبنان
البلد المتنوع الأديان والمذاهب والطوائف في فسيفساء رائعة وجميلة عاشت لقرون في
تعايش سلمي فريد، عرفت كل طائفة حجمها في هذا التجمع الرائع، وقبلت طواعية عن حب
وود واحترام حصتها من كعكة الحكم، وسارت الأمور كما كان الاتفاق عليه بين مكونات
كل هذا التنوع الرائع والجميل، حتى جاء نظام الأسد الذي حكم سورية بعين واحدة لا ترى
إلا الطائفة النصيرية ليكون أفرادها قادة المجتمع والدولة من الرئيس وحتى حاجب
الوزير، الذي كان هو من يدير شؤون الوزارة ويصرّف أمورها، مروراً بقيادات الجيش
وأجهزة الأمن التي كانت تتحكم بمفاصل حياة المواطن السوري وتحصي عليه أنفاسه.
بعد
دخول الأسد إلى لبنان بدأ يستنسخ نظامه في بيروت فكان وراء تشكيل ميليشيات حزب
الله المسلحة، وتقليم أظافر باقي الطوائف اللبنانية والحد من نشاطها وتجريدها من
أسلحتها بحجة حرمان هذه الطوائف من العودة إلى الاقتتال، ومن ثم الضغط على
المقاومة الفلسطينية حتى إخراجها من لبنان تحت حماية العلم الفرنسي، إلى أن جرد
المقاومة الوطنية من أسلحتها وطردها من مواقعها في الجنوب اللبناني في مواجهة
العدو الصهيوني، واستبدلها بالميليشيات الشيعية التي تنتمي إلى حزب الله، الذي
تفرد في اقتناء السلاح بحجة أنه الحزب الوحيد الذي يقود المقاومة في لبنان، ورضي
اللبنانيون بهذا الواقع الشاذ على مضض خوفاً من العصا الأسدية الغليظة التي كان
يلوح بها حافظ الأسد كلما اشتم من أحد التململ أو الضجر أو التأفف.
مات
الأسد الأب وخلفه الأسد الابن الذي راح يدير السياسة اللبنانية الداخلية بتخبط
ورعونة وحماقة وصلت إلى سلسلة من الاغتيالات التي طالت رموز لبنان ووطنييها وفي
مقدمتهم رئيس الوزراء رفيق الحريري، الذي كان اغتياله القشة التي قصمت ظهر النظام
السوري وأجبرته على سحب جنوده من لبنان، لينتقل حكم لبنان والتحكم في تصريف أموره
من آل الأسد إلى الملك غير المتوج (السيد حسن نصر الله) الذي يقود ميليشيا حزب
الله القوة الوحيدة التي تملك السلاح والعتاد والرجال، والذي تخشاه كل طوائف لبنان
وحتى الجيش والأمن، مدعوماً من نظام الملالي في طهران ومن نظام الأسد في دمشق، فقد
كانت كل الطوائف في لبنان ضحية عبث صبية هذا الحزب عام 2008 عندما احتلوا بيروت في
سويعات وقتلوا ودمروا وأحرقوا ليرهبوا الناس الوادعين المسالمين، ويجعلوا من
الحكومة اللبنانية أسيرة مقرها محاصرة لأشهر طويلة لا تستطيع فعل شيء.
وتتالت
الأيام ونسي هؤلاء دورهم الذي ادعوه في مقاومة العدو الصهيوني وقد عقدوا معهم
اتفاقية فك الاشتباك، وسهلوا دخول القوات الدولية لتحل محلهم في جنوبي لبنان،
وراحوا يتحكمون في كل مفاصل لبنان السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية، فلا يُنصّب
رئيس إلا برضاهم ولا تُشكل حكومة إلا بموافقتهم.
وشاء
الله أن تقوم في سورية ثورة شعبية ترفض الظلم والظالمين في آذار من عام 2011
وتتحدى جبروت الأسد وطغيانه، سلاحها صدور شبابها العارية التي كانت تستقبل رصاص
شبيحة الأسد وجنوده بكل كبرياء وأنفة وشجاعة قل نظيرها، مقدمة آلاف الشهداء للفوز
بالحرية حتى اضطرها هذا النظام المجرم السادي إلى حمل السلاح ومواجهة النار بالنار
الذي لا طريق غيره.
حزب
الله اللبناني لم يتأخر عن مشاركة النظام السوري في التصدي للثورة الشعبية ومحاولة
وأدها التي باتت عصية على النظام وكل ما جيش من شبيحة وميليشيات، فانخرط حتى اذنيه
في معركة خاسرة لا ناقة له فيها ولا جمل، ولكن الله أراد لهذا الحزب ولأمينه العام
حسن نصر أن تنكشف سوآتهم أمام الشعوب التي خدعت بهم لسنوات طويلة، وهذا التدخل غير
المبرر فجر البيت الشيعي اللبناني، هذا التفجر الذي جعل حسن نصر الله يشبه غير
الراضين على تدخله في سورية أنهم شيعة السفارات.
لم
تكن غضبة الشيعة اللبنانيين غير الراضين عن تدخل حزب الله في سورية ودعمه لمجرم
سفاح سفك دماء شعبه ودمر مدنه وبلدانه وقراه لتقتصر على حسن نصر الله، بل ذهبت
بعيداً حتى وصلت إلى طهران ومعمميها، فهذا الشيخ صبحي الطفيلي (الأمين العام
السابق لحزب الله) يدعو حسن نصر الله ومرشد الثورة الإسلامية في إيران، على
خامنئي، إلى تحمل المسؤولية والرحيل، مؤكداً أن الانسان المنصف والمخلص لأهله
ودينه يجب أن يتنحى فهو مسؤول عن الدماء التي سقطت في غير مكانها وزمانها.
وقال
الطفيلي، في حديث إلى محطة "المستقبل" الفضائية: أنه يجب "أن ينسحب
حزب الله من سورية ويقول للبنانيين جميعاً أنا خرجت من سورية. هذه لا تعد هزيمة
له".
وزاد:
"فليخرج من سورية وليقل أنتم لبنانيون وهذه حدودكم. الجيش مسؤوليته أن يدافع
عن البلد وأن ينتشر على الحدود والكل يقف خلفه".
وأردف:
"أنا أدعو أن يتحمل من ارتكب الخطأ وذهب إلى سورية مسؤوليته وأن يتنحى وبسرعة
وأن تأتي قيادة أخرى".
وعن
عدم وقوفه إلى جانب الأكثرية الشيعية في قتالها في سورية، جزم الطفيلي بأن
"هذه ليست أكثرية شيعية وإنما أكثرية بالضجيج وستكشف الأيام المقبلة أين هي
الأكثرية وأين هم الشيعة"، مؤكداً أن "اللافتات في الشوارع ومكبرات
الصوت لا تصنع أكثريات".
وأشار
الطفيلي إلى أنه يجب: "أن نقف حيث الحق وحيث المظلوم والمضطهد والمعتدى عليه
ونقف ضد المجرم والمعتدي وضد الظالم ومع الحق المهدد بالخطر".
وخاطب
شيعة لبنان، وشيعة العراق، وشيعة سورية، وشيعة إيران بالقول: "أنتم تدافعون
عن بشار وأنتم قلتم إنه قتل أطفالكم ونساءكم في كربلاء وفي النجف وفي بغداد وليس
أنا من قلت هذا، أنتم قلتم إن لديكم أدلة قدمتموها إلى الأمم المتحدة".
وذكّر
بأن "حزب الله" ذهب إلى سورية "بداية وقلت إن ذهابهم إلى سورية خطأ
وإن هذا الشعب يستحق الحياة، شعب مضطهد ومظلوم يجب أن نقف معه ولا يجوز أن نقف
ضده، جن جنون الناس حينها كيف أقول هذا".
وقال:
"لا يجوز قتل هؤلاء، من يقتل هؤلاء يعاقبه الله، قاتل مؤمن وقاتل مسلم، يقتل
رجلاً بريئاً مظلوماً، الشعب في سورية يستحق أن يعيش حياة كريمة، أليس من حق كل
الشعوب أن تعيش بأمان ورخاء وهناء وسلام وعدل"، متسائلاً: "ماذا فعل
الشعب السوري؟ طالب بحريته والعدالة فقمع بالحديد والنار، فذهبوا لنصرة الظالم،
نصرة الظالم تدخلك الجنة أم النار؟ نصرة الظالم عمل حق أم باطل؟ جريمة أم بركة
وخير؟ هل تناقشون بأن هذا ظالم وباطل"؟
وزاد:
"قالوا في البداية انهم يريدون الذهاب لحماية بعض القرى الشيعية والدفاع عن
السيدة زينب؟ السيدة زينب الطاهرة الكريمة أنا لا أفهم كيف يدافع عنها المرء هل
بقتل أطفال الشام؟ رمي أطفال ونساء الشام بالكيماوي، لم تحصل في مكان ما في
العالم، من يشارك في هذه الحرب مسؤول عن قتل أطفال الشام بالكيماوي".
وأضاف:
“فليسمح لي كل من يتظاهرون بالتقوى والايمان، أنتم قتلتم أطفالا ونساء نياماً في
الليل بالكيماوي في الشام. ثم قيل إنهم يريدون الحفاظ عن خط الممانعة، هذه مزحة
كمزحة أبي نواس مع هارون الرشيد عذر أقبح من ذنب"، وسأل: "متى كان هذا
النظام ممانعاً؟ لا أعرف، كيف ترجم هذه الممانعة في سياساته هل بقمع الفلسطينيين
وغيرهم في لبنان"؟
كلام الطفيلي ينبئ بأن هناك تحت الرماد وميض نار تتأجج
وستلفح هذه النار كل أولئك البغاة الذين استباحوا الدم السوري وتسببوا في نزوحهم
وتهجيرهم وتدمير مدنهم وبلداتهم وقراهم!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق