الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2015-06-25

الموقف الشرعي من النظام القاتل وأعوانه على ضوء واقع الثورة السورية – هيئة التأصيل الشرعي بجماعة الإخوان المسلمين في سورية.

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد .
من خلال مجريات الأحداث في بلدنا العزيز سوريا نرى بشائر نصر عظيم قريب - بعون الله ـ لأهلنا في سوريا على من أفسدوا في الأرض وأجرموا على مدار عشرات السنين، وبناءً عليه يتساءل بعض الفضلاء عن موقف الشعب من النظام المجرم وأوليائه وزبانيته وشبيحته الذين أذاقوا الشعب الويلات الجسام وأعانوا النظام المجرم في كل مواقفه وإجرامه، وكانوا أداته المباشرة في هذا الظلم والإجرام والإفساد الخطير.
- ما هو الموقف من تلكم الفئات – بقطع النظر عن أي دين أو مذهب ينتمون إليه.
- ما هو الموقف من ضباط الجيش وجنوده ومن قادة وضباط الأجهزة الأمنية الذين تلطخت أيديهم بدماء الشعب وعاثوا في الأرض فساداً وإجراماً.

تصدر هذه التساؤلات المشروعة في وقت نشهد فيه امتداد الجرح النازف الدامي لشعبنا على الأرض السورية المباركة ، فلا يكاد يخلو بيت فيها إلا وفيه من الشهداء أوالجرحى أوالمعتقلين أوالمعاقين أوالثكالى والأيتام والأرامل مما لايخفى على أحد فضلاً عن ملايين المهجرين .
- ما هو الموقف الشرعي الذي يجيب على هذه التساؤلات إذا قدَّر الله ومكَّن الشعب من رقاب هؤلاء المجرمين، وذلك اليوم قادم بإذن الله وعسى أن يكون قريباً إن شاء الله .
إنه لموقف في غاية الدقة لما يحيط به من صور الدماء والأشلاء والقتلى والجرحى وتختلط فيه مشاعر الألم والانتقام والثأر، مع مشاعر العزة والكرامة والحرية والأمل.
- وهل يستطيع الإنسان المسلم أن يتجاوز عن مشاعره ويكظم غيظه، أو هل يستطيع أن يتغاضى عن آلامه وآلام أمته، والصور الدامية المأساوية أمامه؟ أو يتناسى الحقوق المسلوبة التي ما زلنا نعيشها ونعيش آثارها، وسنبقى نعيشها ردحا طويلاً من الزمن؟؟؟
والجواب الأكيد أن الإنسان المسلم مع حرصه على وقف شلال الدم ومع حرصه على معاقبة المجرمين ووضع حد لإهلاك الحرث و النسل، هذا الإنسان الذي تربى على أخلاق الإسلام وقيمه وقّاف عند حكم الشرع ولا يمكن أن يتجاوز في عقوبة ظالم إلى ظلم أو عدوان، فما هو الموقف الشرعي؟
الموقف الشرعي :
بعد النظر في الواقع المر الذي تمر به سوريا، وما وقع فيها من إجرام يمكن إجمال القول حيال ذلك بما يلي:
1- محاسبة ومعاقبة كل من ثبت عليه القيام بجريمة في هذه الأحداث من قبل محكمة عادلة تتوفر فيها جميع أسباب الدفاع ويشهد لنزاهتها كل المنصفين، وهذا الحساب حق لكل مظلوم ومكلوم ولكل ولي دم من أبناء شعبنا.
2- لا يجوز تعميم الأحكام و العقوبات بحق جهات أو فئات من مكونات الشعب السوري انتقاماً من بعضهم، لأن الله تعالى يقول: (ولا تكسب كل نفس إلاّ عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) ( الأنعام -164) ولقوله تعالى : (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) (المائدة 8) ولقوله تعالى: (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين) (البقرة - 194)
3- من شارك في القتال ضد شعبنا في سوريا ثم عدل وألقى السلاح واستسلم للمجاهدين قبل أن يقدروا عليه فله الأمان؛ لقوله تعالى : (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً) (النساء - 90) ولقوله تعالى : (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفورٌ رحيمٌ) (المائدة – 34)
أما من وقع في أيدي الثوار وهو متلبس بالقتال فحكمه حكم الأسير، ومن كان قد اقترف جرائم حرب كانتهاك الأعراض، وقتل الأسرى من المجاهدين، أو المدنيين، وتعذيب المساجين؛ فهذا لا يشمله حكم الأسرى؛ بل يحاسب على ذلك.
4- لا تسقط الحقوق الخاصة والدعاوى الشخصية بالتقادم بل تحال الى محاكم مدنية عادلة ما دام لها طالبون، ويبقى العفو والتسامح من قيمنا الإسلامية الأصيلة.
5- ومن خلال النظر في الآيات القرآنية والسنة النبوية يتبين لنا أنه ليس في ديننا الإسلامي شيء اسمه إبادة جماعية لحزب أجرم بعض أعضائه، أو لفئة أو لطائفة أجرم بعض أو كثير من أبنائها ، ولا استئصال لجميع أفرادها، صغاراً و كباراً، رجالاً و نساءً، مقاتلين ومسالمين، وإنما يؤخذ المجرم بذنبه.
- يقول الله تعالى : ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) ( البقرة -190 )
يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيره : (( وقوله (ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) أي قاتلوا في سبيل الله، ولا تعتدوا في ذلك، ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي كما قاله الحسن البصري من المثلة والغلول وقتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم، والرهبان وأصحاب الصوامع، وتحريق الأشجار وقتل الحيوان لغير مصلحة؛ كما قال ذلك ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومقاتل بن حيان وغيرهم)) ( تفسير ابن كثير جـ 2 صـ 233)
- ومما جاء في السنة النبويه في النهي عن قتل غير المقاتلين والمشاركين في القتال بأي صورة من صور المشاركة :
ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ((وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان)) ( صحيح البخاري – رقم الحديث 3014 -3015 . وصحيح مسلم رقم الحديث 1744 ) طبعاً وهذا محمول على المرأة غير المقاتلة.
6- يحاول بعض الناس هنا أن يستشهد بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في بني قريظة يوم غدروا بنقض العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب، ويظنون أن النبي صلى الله عليه وسلم عمم عقوبة الغدر على هؤلاء، وهذا غير صحيح، فقد قتل النبي صلى الله عليه وسلم مقاتليهم، وهذا أيضاً ليس على عمومه، لأن المقصود هنا من كان من أهل القتال وشارك في الغدر فعلاً، بدليل أن بعض الروايات ذكرت أنه لم يقتل إلا من كان في الحصن عشية الغدر، فلم يقتل مزارعاً أو تاجراً أو مسافراً أو راعياً من بني قريظة كان خارج الحصن وقت الغدر، وهذا يؤكد أن علة القتل والعقوبة هي المشاركة الفعلية في الغدر، ويؤكد هذا ما ذكره الإمام الشافعي في كتابه الأم حيث قال : (( وهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة ، عقد عليهم صاحبهم ( أي رئيسهم ) الصلح بالمهادنة ( مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) فنقض ( أي المهادنة ) وغدر ولم يفارقوه (أي أصحابه ) فسار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتل مقاتليهم .... وليس كلهم اشترك في المعونة على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكن كلهم لزم حصنه فلم يفارق الغادرين منهم إلا نفرٌ، فحقن ذلك دماءهم ....)) ( الأم للشافعي جـ 4 صـ 186)
7- اشتمل المجتمع الإسلامي من أول نشوء دولة الإسلام في المدينة المنورة وما حولها على مكونات عدة؛ حيث اليهود الذين تحالفوا مع الرسول صلى الله عليه وسلم على المناصرة، ثم ازداد تعدد وجود المكونات المختلفة بعد توسع الفتوحات الإسلامية من يهود ونصارى وفرس وصابئة ووثنيين وملل أخرى، وتعايشوا مع المسلمين على مرّ السنين جيراناً وتجاراً وصناعاً وأطباءً وكتاباً وفعاليات أخرى، فكان شأنهم شأن المسلمين، لهم حقوق وعليهم واجبات المواطنة التي تسري على جميع مواطني المجتمع الإسلامي، كل منهم يمارس معتقداته وعباداته بحرية، ولا يكرهون على تغيير أي شيء من هذه المعتقدات أوالعبادات يقول الله تعالى: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) (البقرة -256)
وقد أمرنا سبحانه وتعالى بحسن معاملة من لم يسئ للإسلام أو المسلمين منهم وأن نبرهم ونقسط إليهم، قال الله تعالى ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) (الممتحنة -8)
ويقول تعالى : (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) فعاشت هذه الأقليات بين المسلمين تتمتع بكامل حرياتها وحقوقها لا تمس بظلم ولا ينالها ضيم .
*- وسوريا بلد اسلامي من تلك البلاد التي فيها أصناف من الملل والمذاهب والطوائف والأعراق، وحين قام الشعب السوري يطالب بحريته وكرامته وحقوقه الإنسانية المشروعة بصورة سلمية، قام النظام المجرم القاتل بمقابلة ذلك باستعمال السلاح والقتل والاعتقال والتشريد، وعندها شاركت بعض هذه المكونات مع النظام في إجرامه بحق الشعب ظنا منها أنه الحامي لها والمدافع عن حقوقها وغاب عنها أن هذا النظام المجرم على النقيض من ظنها فيه، وتاريخه مع الأكراد والدروز وغيرهم شاهد على ذلك.
*- وهنا يعاد ويكرر التساؤل: هل يتحمل جميع أفراد المكونات التي ينتمي إليها من أجرم من أبنائها بحق الشعب نتيجة إجرامهم بوقوفهم عوناً للنظام في إجرامه وتنفيذ مخططاته الإجرامية؟ نقول: ليس هذا من الإنصاف ولا العدل ولا من الإسلام في شيء، فالأصل أن لا يؤخذ الإنسان إلا بجريرة عمله الذي قام به، ولا تتعدى عقوبته الى غيره ممن لم يبدر منه ما يسيء إلى غيره، يقول الله تعالى : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) .
*- وبناءً على كل ما سبق ، فإنه يجب أن يكون شعار المرحلة القادمة هو معاقبة من أجرم بحق الشعب أياً كان انتماؤه لأي مكون من مكونات المجتمع السوري، دون النظر إلى معتقده وديانته.
*- اما شعار الإبادة او الاستئصال او التشريد الجماعي لأي فئة او طائفة او مكون بذريعة أن فيهم أو أن منهم من ساهم مع النظام في الإجرام فليس شعاراً لنا ولا مقبولاً في شريعتنا الاسلامية ولا في قيمنا الأصيلة التي نشأت عليها مجتمعاتنا في ظل الاسلام العظيم .
هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آ له وصحبه وسلم.
هيئة التأصيل الشرعي في جماعة الإخوان المسلمين في سورية

6رمضان 1436هـ الموافق 23\6 \2015م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق