الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2015-10-19

رسالة إلى كل طالب وطالبة – بقلم: م. فداء الدين السيد عيسى

مقدمة:
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه {إنما يخشى الله من عباده العلماء}[i]، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام المصلحين القائل: (من سلك طريقا ًيلتمس فيه علما ً سهل الله له طريقا ً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا ً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ً ولا درهما ًإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر)[ii]، أمّا بعد:
أخي الطالب، أختي الطالبة:
 هذه مجموعة من الرسائل السريعة التي أود أن تصلكم وأنتم في أتم الصحة والعافية والاستعداد لاستقبال عام دراسي جديد، فأنتم يا إخوتي ومن معكم عماد نهضة هذه الأمة وسر قوتها، وعلى عواتقكم أمانة التطوير والتصحيح، وأنتم شعلة الخير المتبقية من أثر الفتية الذين قال فيهم رب العزّة: (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى)[iii].

الرسالة الأولى:
عليك أخي الطالب، أختي الطالبة بتقوى الله تعالى في السر والعلانية، وأن تعملوا لدنياكم كأنكم تعيشون أبدا، وأن تعملوا لآخرتكم كأنّكم تموتون غدا، وذلك لا يكون إلا بالتمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والمحافظة على الفروض ومراقبة النفس والابتعاد عن كل شبهة ومفارقة أصحاب السوء. التقوى يا أخي/أختي أسّ الفلاح ورأس النجاح، ومهبط كل طمأنينة ومنزل الصبر والسكينة، فاجعلها – التقوى - رأس مالك (يوم لا ينفع مالُ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم)[iv]، والقلب يا أخي/أختي لو سلم لسلمت الجوارح كلّها وإذا فسد فسدت الجوارح كلّها، فالله الله في قلبك.

الرسالة الثانية:
أخي الطالب، أختي الطالبة: صاحب الهدف يعرف الطريق الذي يوصله لهدفه، ويعيش كل دقيقة من حياته في سبيل تحقيقه، والهدف يُعطي للحياة طعماً خاصاً وللعمر معنىّ سامياً، فاجعل أول خطوة تقوم بها أن يكون لك هدف نبيل تسعى لتنفيذه واستكماله، وليكن هدفاً تنفع به نفسك وغيرك ممّن هم حولك، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز)[v]. فالسعادة كلّ السعادة أن تجمع بين خيري الدنيا والآخرة، وأن تكون عنصراً فاعلاً في المجتمع، تبني وتُطور وتخترع وتتطوع وتُعمّر وتساعد. وليكن لك أهداف قريبة وأخرى بعيدة، تكتب ذلك كّله وتدوّنه وتعود له بين الفينة والأخرى لتراجع برنامجك وسلّم أولوياتك فتُعدّل وتبدّل بحسب واقعك، ثم باشر بتنفيذ أهدافك واسع بما تستطيع لإنجازها، يقول الدكتور طارق السويدان: "ليس كافياً أن تضع لنفسك أهدافاً وإنّما يجب أن تُحقّقها".

الرسالة الثالثة:

أخي الطالب، أختي الطالبة: ستواجهكم في حياتكم الكثير من الصعوبات والمتاعب والمطبّات، وستشعر حينذاك أنّك بلا حيلة ولا قوة وأنّك لن تستطيع أن تُنقذ نفسك من تعقيدات الحياة، وأنّك – في باب طلب العلم – كلّما حاولت.. نجحت مرة وفشلت مرّات، ستُحاول تحقيق أحلامك وأهدافك التي خطّطت لها ودونتها في كراساتك لكنّك لن تفلح في ذلك دائماً، حسنا: لا تستسلم، هذا أمرٌ طبيعي، وهو نداءٌ يدعوك للتوجه لخالقك مرة أخرى والانكسار بين يديه، فتذوق بضعفك أمام قوته حلاوة القرب من الله، واستشعر عظيم التوجه لله، والتوبة على بابه. ثمّ عليك بالصبر والمصابرة والمثابرة والجدّ والاجتهاد، فاصبر على طاعة الله واصبر على قدر الله واصبر عن معصية الله، واصبر على الدراسة وطلب العلم، ألم تقرأ من قبل ما قال الإمام الشافعي في ذلك:
اصبر على مر الجفا من معلم          فإنّ رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مرّ التعلم ساعة           تجرّع ذلّ الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم وقت شبابه           فكبّر عليه أربعا لوفاته
وذات الفتى والله في العلم             إذا لم يكونا لا اعتبار لذاته

الرسالة الرابعة:
أخي الطالب، أختي الطالبة: خذ من تجارب من سبقك هذه الرسالة واعلم أنّها حديثٌ من النفس إلى النفس. إيّاك وأصحاب السوء، ذاك الذي لا يحمل لك سوى الشر والمكيدة أو تضييع الأوقات والعبادات، وإن ظهر منه ما يدّل على الظرافة وخفّة الظل، فهؤلاء لا نفع منهم، إذ كيف ينفعوك ولم ينفعوا أنفسهم؟ يقول تعالى: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين)[vi]. أمّا خلّة المؤمنين فالعلاقة بينهم قائمة على الأخوة الصادقة، والحب في الله، والتعاون على الخيرات، والتعاهد على خدمة دين الله وتقديم أجمل الأمثلة للشاب المسلم. أنت أخي الطالب – أختي الطالبة في هذه المرحلة من حياتك على وجه الخصوص – وفي كل المراحل -  بحاجة شديدة لمن يُذكّرك بربك ويصلك بالمسجد ويتعهدك بالنصيحة وإن بدا ذلك شاقاً شديداً على النفس لكنّه يُنقذك من الوقوع في المُحرّمات والضياع والإنحرافات.
فابحث عن حامل المسك وتقرّب إليه وكوّن معه مشروع أخوة في الله لا يتضعضع وتذكّر حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما مثلُ الجليس الصالِح وجليس السوء كحامِل المِسك ونافِخ الكِير؛ فحامِل المِسك إما أن يُحذِيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخُ الكِير إما أن يُحرق ثيابك، وإما أن تجِد منه ريحًا مُنتِنة)[vii].

الرسالة الخامسة:
أخي الطالب، أختي الطالبة: ممّن ترك بلده ووطنه للدراسة في بلاد جديدة، قد رزقك الله نعمة السير في الآفاق والتأمل في عظيم ما خلق ودقيق ما صنع، وقد سُمّي السفر سفراً لأنّه يسفر عن أخلاق الرجال ويُعرّي الإنسان من الأقنعة التي كانت تحجب عن الآخرين طبيعته وحقيقته. ولو أنّك سألت الناس عن سبب حُبّهم لبلد ما، فستأتيك إجاباتهم تدور حول حسن المعاملة التي تلقّفوها من أهل هذا البلد، وسلامة الذوق الذي استجلب احترام الآخرين، والذوق السليم يرفع الإنسان عن سفاسف الأمور ويتخير له لطيف الكلام، ويمنعه من الغضب والنزاعات. الذوق السليم يجعلك متوازناً في مشيتك وكلامك ولباسك وطعامك وجلوسك وقيامك وهيئة كتبك ودفاترك، بل تجد أثر الذوق حتى في المرافق العامة التي تتركها خلفك، وهذا كلّه يدل على كمال التهذيب وحسن التربية وملاحة التصرف. فهل أنت خير سفير لبلدك ودينك وعائلتك ووالديك؟



الرسالة السادسة:
أخي الطالب – أختي الطالبة: ستمرّ عليك ساعات طويلة لا تعرف ماذا تصنع بها، وستقضي بعض الأيام في ملل، تشعر بفراغ قاتل، إذ ذاك يا أخي/أختي عليك بترتيب وقتك وحفظه من الضياع حتى لا يأتي اليوم الذي ستندم فيه على الساعات الماضية (يومئذ يتذكر الإنسان وإنا له الذكرى ، يقول يا ليتني قدمت لحياتي)[viii]. قم فوراً وتأكد من وضوح أهدافك وضع لها خطة ونظّم على أساسها وقتك، وارسم جداول لأيامك القادمة، فكّر في مصلحتك الشخصية، كيف تستطيع أن تخدم حيّك وشارعك؟ كيف تُساهم مع أصدقائك في عمل نافع مُنتج؟ هل تحفظ القرآن الكريم؟ هلا علّمته لغيرك؟ هل تُحسن كتابة البحوث؟ هل تعرف فقيراً يحتاج إلى مساعدة؟ هل تعرف مريضاً يحتاج إلى عيادة؟ هل تعرف جمعية ثقافية تحتاج إلى متطوعين؟ إنّ سبل الخير أكثر من أن تحصى، وهذا الوقت الذي بين يديك وعاءً فاحرص على ملئه بما يُرضي الله تعالى وينفع الناس.

الرسالة السابعة:
أخي الطالب – أختي الطالبة: هل أنت صاحب همّة؟ هل تسعى للكمال؟ أم أنّك دائم النظر لمن هو دونك في أمور الدين والدنيا وسائر الفضائل؟  قل لي بالله عليك كم كان عمر الشافعي لما بزغ نجمه، وما سن عمر بن عبد العزيز لما علا عطاؤه، وكم مضى لحسن البنا من العمر لما أشعل مصباح الصحوة، وكم كان عمر إبراهيم عليه السلام لما وقف في وجه الوثنية والكفر وحده، وكم كان عمر الزبيري لما ضحّى، وما سن إقبال لما أبدع، ومتى أزهر القرضاوي، وفي أي سن تألق الطنطاوي، وكم كان عمر الإمام ابن حنبل لما ثبت على الحق؟ ... يا أخي انزع عنك رداء الكسل وقم للأسمى وتسلّق القمم وازرع في قلبك – الذي ليس لأحد عليه سلطان غيرك – جناحين تطير بهما وتحلّق بهما إلى أعلى الآفاق. هل تعلم أنّ درهما واحداً سبق مائة ألف درهم؟ نعم، قال رسول الله صلى الله عليم وسلم: (سبق درهم مائة ألف)، قالوا: يا رسول الله، كيف يسبق درهم مائة ألف؟ قال: (رجل كان له درهمان، فأخذ أحدهما، فتصدّق به، وآخر له مال كثير، فأخذ من عرضها مائة ألف)[ix].

الرسالة الثامنة:
أخي الطالب – أختي الطالبة: نعيش اليوم في صخب الأفكار التي تتقاذف الشباب بين غلو في الدين وانحراف عنه، فَسِرْ في هذا البحر المتلاطم بنور الله مُعتدلاً مُستقيماً مع حركة الحياة وروح الشريعة، بعيداً عن التشدد الذي يُذهب التوازن الذي خلق الله عليه المخلوقات، يقول تعالى: (والسماء رفعها ووضع الميزان، ألا تطغوا في الميزان، وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان)[x]. والغلو كما يكون في التشدد يكون في التساهل والتسيب، سواءً إضافة لدين الله أو أخذاً منه بعيداً عن ميزان الله تعالى الذي ينطلق منه كل مسلم، فالإسلام منهج وسط في كل شئ، في الشريعة والفقه والعقيدة وكل أمور الحياة. فابتعد ما استطعت عن التعصب والتشدد ولا تحجر على الناس آرائهم ولا تُنفّرهم عن معين القرآن والسنة فتقع ويقعوا في هاوية التكفير فتُستباح الدماء والأموال دون حرمة ولا ذمة.

الرسالة التاسعة:
أخي الطالب – أختي الطالبة: سيُمكّنك الله تعالى من أدوات كثيرة في مراحل طلب العلم، وستتعرف على علوم كثيرة وأفكار إبداعية ومباحث عظيمة، فلا يجعلنّك ذلك من المتكبرين الذين تعلّموا العلم ليُشار لهم بالبنان وكفى، بل اجعل من وقتك جزء لتبليغ ما تعلمت. تعلّم العلم ومعه تعلّم التواضع والسكينة، فقد نصح الإمام مالك الرشيد فكتب إليه: "إذا علمت علماً فليُرَ عليك أثره وسكينته وسمته ووقاره وحلمه".

الرسالة العاشرة:
أخي الطالب – أختي الطالبة: كونوا إيجابيين في هذه المرحلة الذهبية من مراحل حياتكم فربما لا تعود أبدا. ابدأ يومك بالتفكير الإيجابي الذي يقودك للمبادرة والتغيير والمساهمة في تحسين هذا العالم الذي نعيش مآسيه، حاول أن لا ينتهي يومك إلا وقد تعلّمت شيئاً جديداً من خلال المطالعة والمصاحبة والمشاهدة والتجربة. ناقش مشاكل المجتمع وانتقادات الناس وضع لها حلولاً، اكتب أو نفّذ أو انشر أو حاضر، لا تتوقف عن العطاء أبدا. إيّاك أن تُقلّل من قيمة نفسك وتعلّم من هدهد سليمان عليه السلام إيجابيته لمّا رأى أمة تعبد غير الله عزوجل، فتحرّكت في نفسه مشاعر الإنكار وحب التغيير، فكان سبباً في إسلام أمّة كاملة. إيّاك أن تستصغر نفسك وتعلّم من نملة سليمان عليه السلام التي شعرت بالخطر المُحدق بقومها، فحملت هَمَّ قومها وسعت للتغيير واتّسم نداؤها بالإيجابية (يا أيها النمل)[xi].
والحمد لله رب العالمين



[i] [ سورة فاطر : 28 ]
[ii] السنن الأربعة إلا النسائي
[iii] [ سورة الكهف : 13 ]
[iv] [ سورة الشعراء : 88 -89 ]
[v] صحيح مسلم
[vi] [ سورة الزخرف : 67 ]
[vii] متفق عليه
[viii] [ سورة الفجر : 23-24 ]
[ix] وراه أحمد وغيره
[x] [ سورة الرحمن : 7-9 ]
[xi] [ سورة النمل : 18 ]


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق