حضرت يوم الأحد الموافق 18/10/2015 ندوة هامة، دعا إليها
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية، بالتعاون مع مركز التفكير الاستراتيجي “SDE” في تركيا، وكان من بين
المدعوين مسئولا أوروبيا رفيع المستوى هو السيد ستروان ستيفنسون رئيس برنامج الحرية
للعراق الذي يقوم بمهامة تحت مظلة الاتحاد الأوروبي. طلبت من منظمي الندوة أن يرتبوا
لي لقاءًا مع السيد ستيفنسون، وبالفعل كان اللقاء على الغداء، ولم يكن هناك على الطاولة
سوانا غير المترجمة.
كان حديثي مع الرجل ـ منذ البداية ـ شفافا وصريحا للغاية ..
أخبرته بأن هذا اللقاء ليس وديا، بل أنا هنا بصفتي المستشار
الإعلامي للرئيس الدكتور محمد مرسي؛ لكي أحملك رسالة للساسة الأوروبيين، فرحب بذلك،
وقال لي تفضل، أسمعك.
امتد اللقاء نحو ساعة. وهذا أهم ما دار فيه ..
قلت له : إنه لمن العار أن تقوم السيدة آشتون ممثلة
السياسة الأوروبية ـ وقتذاك ـ بمساومة الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي على حريته
وحياته مقابل التنازل عن السلطة للعسكر الذين انقلبوا عليه واختطفوه. إن هذا التصرف
المشين، الذي يفتقر إلى اللياقة، والمنطق، ترك شعورا عميقا لدى الشباب في مصر بأن الغرب
(أوروربا وأمريكا) يستهين باختيار المصريين، كما اعتبر الشباب هذا التدخل السافر في
الشأن المصري؛ لإنجاح الانقلاب العسكري على الشرعية ـ بعد التخطيط له ـ عملا عدائيا
ضد مصر.
إن هذا الانقلاب، أعدم ميدانيا، وخارج نطاق القانون،
أكثر من خمسة آلاف معتصم مسالم، معظمهم من الشباب، أثناء مجزرتي رابعة والنهضة، اجتمعوا
ليعلنوا رفضهم للانقلاب على إرادة الشعب التي تقدسونها أنتم في الغرب. كما زج الانقلابيون
بعشرات آلاف آخرين في المعتقلات، يعيشون الآن في ظروف غير آدمية، بل مات مئات منهم
نتيجة الإهمال الطبي المتعمد.
لقد كفر السواد الأعظم من الشباب في مصر بالديموقراطية
سبيلا متحضرا للوصول إلى السلطة، والتناوب عليها، فالواقع أثبت لهم أن من يملك القوة
يمكنه القفز إلى كرسي الحكم وقتما يشاء، ولا قيمة لصناديق الاقتراع في حضور صناديق
الرصاص.
مصر عدد سكانها أكثر من 90 مليون نسمة، 60 % منهم تحت
سن الثلاثين. هذا العدد الكبير والذي يُعد بالملايين، إما غُيّبت قياداته في المعتقلات،
أو هو غير مؤطر فكريا أو سياسيا من الأساس، وفي كلتا الحالتين، نحن أمام ملايين لا
يمكن توجيهها، أو التحكم في عواطفها، أو سلوكها، في ظل انسداد الافق السياسي، والحياتي،
والشعور، بالقهر، والاضطهاد، والإهمال، والتهميش.
إن الأوضاع في مصر تتجه إلى الأسوأ، وأوروبا لن تكون
بمنأى عن ذلك. فإما أن تكون وجهة لملايين من هذا الشباب هربا من جحيم الانقلاب في مصر،
وبحثا عن حياة أفضل، أو تكون وجهة لآلاف آخرين على أقل تقدير؛ للانتقام من السياسة
الأوروبية التي أسهمت بشكل مباشر ـ كأداة للإدارة الأمريكية ـ في تدهور الأوضاع في
مصر. وساعتئذ، لا تلوموا إلا أنفسكم، وليس من حقكم ـ وقتئذ ـ الحديث عن (الإرهاب)؛
لأنكم، وبسياستكم الخارجية الفاشلة التابعة لأمريكا قد وفرتم أسباب نمو هذا السلوك
الانتقامي، الذي يرى أصحابه أنه رد فعل مشروع على الجريمة التي ارتكبتموها ـ ولا تزالون
ـ بحق مصر.
إن الشباب الساخط في مصر، لا يمكنه تفهم سلوككم في تحقيق
مصالحكم على أنقاض أحلامه في حياة كريمة، ووطن آمن. إن هذا الشباب لن يغفر لكم، ولا
لأي جهة أجرمت في حقه، وحرمته من تحقيق ذاته وأحلامه.
إن هذا الشباب لم يعد يؤمن بأن عبد الناصر كان زعيما
وطنيا، ولا السادات ولا مبارك. لقد انفتح هذا الشباب على كل مصادر المعرفة التي أثبتت
له بالوقائع، أن هؤلاء جميعا كانوا عملاء للغرب، ولم يعد يؤمن بأن الجيش والشعب (إيد
واحدة) كما كان يهتف ـ ببراءة وعفوية وصدق ـ في ميدان التحرير، وبات يتوجس من أي تحرك
غربي بشأن مصر.
باختصار .. إن شباب مصر لم يعد ممكنا خداعه أو تضليله
بعد اليوم.
هذه رسالتي، التي أتوقع أن تنقلها إلى صناع القرار في
الاتحاد الأوروبي ..
كان الرجل يستمع باهتمام، لم يقاطعني، وعندما أنهيت
كلامي قال لي:
هذه رسالة صادمة، بل مروعة ومفزعة، لكني سأنقلها، وأود
أن أقول لك، أن السيدة آشتون كانت شخصية سياسية فاشلة بامتياز، وأنا شخصيا أعتقد أنها
كانت ألعوبة في يد الإدارة الأمريكية، ولكن دعني أسألك : ألم يخطئ الرئيس مرسي؛ لأنه
كان يسعى لإقامة دولة دينية في مصر ؟
قلت له : على ما يبدو أنكم لا تزالون غير مستوعبين أن
الإسلام لا يعرف شيئا اسمه “الدولة الدينية” ذلك المصطلح الذي يسبب لكم القلق طوال
الوقت !!
في الدولة الدينية، رأس الدولة هو اختيار إلهى، وليس
اختيار الشعب. ويتم ذلك من خلال طقوس كهنوتية لا علاقة للشعب بها. في الدولة الدينية
أيضا، لا يوجد برلمان يحاسب رأس الدولة، أو يحاكمه إن أخطأ؛ لأنه ظل الله في الأرض
الذي لا معقب لحكمه.
فهل جاء الرئيس مرسي من خلال طقوس كهنوتية ؟! أم وصل
إلى موقعه بإرادة الشعب ؟!
أما البرلمان، فقد أسند إليه دستور 2012 صلاحيات غير
مسبوقة، وجعل من رئيس الوزراء شريكا للرئيس في الحكم، فهل هذا من ملامح الدولة الدينية
؟
سيدي .. من حقنا كمسلمين أن نعيش في ظل قيمنا الإسلامية،
تلك القيم التي تحمي غير المسلمين كما تحمي المسلمين تماما، وتكفل لهم الحقوق نفسها.
قال لي : حسنا، ولكني سمعت من قيادات كنسية أن الأقباط
يعانون من الاضطهاد في مصر.
قلت له هذه أكذوبة، روّج لها البابا السابق شنودة، ويروّج
لها البابا الحالي تواضروس، وقبل ذلك لم يسمع بها المصريون.
هل تعلم أن مكرم عبيد، وهو شخصية مصرية مسيحية مشهورة،
كان واحدا من أربعة حملوا نعش الشيخ حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين بعد اغتياله،
رغم منع السلطات المصريين من المشاركة في جنازته ؟
هل تعلم أن الشيخ البنا كان له مستشار مسيحي اسمه لويس
فانوس ؟
ولعلك تستغرب، وتتملكك الدهشة حين تعرف، أن الشاب الذي
كان يحفظني القرآن في الكُتّاب ـ وأنا طفل ـ كان مسيحيا اسمه شوقي بديع !!
إن هذا الذي تروّج له قيادات الكنيسة، من اضطهاد للمسيحيين
من قبل المسلمين فرية لا أساس لها من الصحة، لكن إن شئت أن تتكلم عن التمييز ضد الأقباط،
فاسأل العلمانيين (أصدقاء الغرب وصنائعه) الذين حكموا مصر منذ 1952وحتى اليوم، ولا
يُسأل عن ذلك الرئيس مرسي الذي عين مستشارً مسيحيا له.
قال لي : معلومات مذهلة بالنسبة لي.
قلت له : الوقت لا يتسع لأطلعك على أكثر من ذلك. سُررت
بلقائك، وأشكر لك سعة صدرك، ولدي ثقة في أنك ستنقل رسالتي (الصادمة) كما سمعتها.
ابتسم الرجل وقال : سأفعل
..
مركز أمية http://www.umayya.org/articles/7654
د. أحمد عبد العزيز
عضو الفريق الرئاسي للرئيس الدكتور محمد مرسي
مستشار الرئيس لشئون الإعلام الوطني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق