مع تواتر الأنباء عن وصول طلائع القوات الكورية الشمالية
إلى سورية و تمركزها في درعا ، لا أدري كيف و لما و لماذا استفز ذاكرتي هذا الخبر و
دفعني إلى المقارنة بين ماجرى في شبه الجزيرة الكورية أواسط القرن المنصرم و مايجري
حاليا" في سورية .
كورية الشمالية : الجمهورية الاشتراكية الوحدوية الديمقراطية
الساعية لأمة قوية مزدهرة متخذة من هذا الهدف شعارا" وطنيا" يسعى لتحقيقه
النظام الحاكم من بوابة حزب العمال الكوري و الذي هو جزء من مظلة سياسية تحكم البلاد
تدعى الجبهة الموحدة .
سورية : الجمهورية العربية السورية التي يقودها حزب
البعث العربي الاشتراكي (و شعاره أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ) و الذي هو جزء
من مظلة سياسية تحكم البلاد تدعى الجبهة الوطنية التقدمية
.
و لو انتقلنا للمقارنة بين الحرب الكورية و الحرب السورية
سنجد :
1-
تعددت أسماء الحرب الكورية في شبه الجزيرة الكورية
1950 فكل طرف اختار تسمية تناسب توجهه فكورية الشمالية سمتها حرب تحرير الأرض بينما
سمتها جارتها الجنوبية حرب 6/25 أما الصين فاختارت اسم حرب مقاومة أمريكة ، الولايات
المتحدة الأمريكية سمتها النزاع الكوري .
في سورية شهدنا حالة مشابهة من تعدد التسميات أزمة
- ثورة - مؤامرة - حرب أهلية - حرب سنية شيعية - حرب عالمية ثالثة .......
2-
شهدت بداية الحرب التي انطلقت في 25 حزيران 1950 انتصارات
ساحقة حققها الجيش الكوري الشمالي مدعوما" بالخبراء و الأسلحة السوفياتية ووصل
الزعيم الكوري الشمالي كيم إيل سونغ إلى عاصمة الجنوب سيول و هذه الانتصارات عرضت سياسة
الإدارة الأمريكية و الرئيس الأمريكي الديمقراطي هاري ترومان لانتقادات كثيرة كانت
أشدها من النائب الجمهوري في الكونغرس الأمريكي
جوزف ريموند مكارثي الذي وصف ترومان بالرئيس الضعيف
لتعامله بمرونة زائدة مع الزعيم السوفياتي ستالين و خصوصا" في الملف الكوري مما
اضطر ترومان نتيجة لكثرة الضغوط الداخلية و الخارجية التي تعرض لها للتدخل في الحرب
الكورية من بوابة فيما بات يعرف بمبدأ ترومان الجديد لمحاربة الشيوعية .
فشكل ترومان حلفا" عسكريا" للتدخل في الحرب
الكورية لدعم حليفته الجنوبية مستعينا" بقرار أممي ضم عدة دول كفرنسة و بريطانية
و بلجيكا و تركية و اليونان في مواجهة حلف الاتحاد السوفياتي و الصين الداعمتان الأساسيتان
لكورية الشمالية مما أعاد التوازن قليلا" لميزان الحرب التي امتدت سجالا"
لسنوات ثلاث و بعد انتهائها باحت بواحد من أهم أسرارها إن استمرار الحرب كانت إرادة
دولية مشتركة لضبط إيقاع الحرب الباردة بين السوفييت و الأمريكان التي انطلقت فعليا"
مع بداية الحرب الكورية فكانت السنوات الثلاث من حرب طاحنة و مدمرة و كارثية على الشعب
الكوري ثمنا" لتنظيم قواعد الاشتباك في الحرب الباردة و هذا مايفسر حالة السجال
التي شهدتها الحرب في سورية حقق الجيش السوري مدعوما" بحلفائه (حزب الله و الخبراء
الإيرانيين و الروس ) انتصارات ملفتة في باباعمرو و القصير انهالت الانتقادات على سياسة
الرئيس الأمريكي الديمقراطي باراك أوباما و أشدها كانت من السيناتور الجمهوري جون ماكيين
الذي وصف سياسة أوباما بالضعف ممادفع بالرئيس الأمريكي بالتدخل بشكل غير مباشر عبر
حلفائه تركية - قطر - السعودية .
فسيطرت قوات المعارضة على محافظة ادلب بالكامل ( ماعدا
كفريا و الفوعة ) و حققوا انتصارات على جبهة الغاب التي تعد بوابة الساحل في محاولة
لتغيير موازين القوى ، و بدأت محاولات لتعميم نموذج جيش الفتح في ادلب في حوران و حلب
و هنا استشعرت روسية و الصين خطورة
استمرارية الوضع فقررت روسية التدخل العسكري المباشر
و انضمت لها الصين و كورية الشمالية في مواجهة الحلف الأمريكي الفرنسي الخليجي التركي .
و الأيام المقبلة كفيلة بكشف أسرار الحرب السورية و
الأسباب الحقيقية لاستمرارها .
4-
في الحرب الكورية تبادل الحلفان السوفياتي و الأمريكي
الاتهامات باستخدام أسلحة كيميائية و بارتكاب جرائم حرب و مجازر و بمسؤولية كل طرف
عن الدمار الهائل الذي خلفته حرب السنوات الثلاث و في النهاية تم توقيع اتفاق وقف اطلاق
النار الذي مازال ساريا" حتى الآن و انتهت الحرب دون أن يحاكم أحد .
كوريا الجنوبية أعادت بناء نفسها و أصبحت قوة اقتصادية
عالمية .
كيم إيل سونغ وضع الأسس الأولى لبناء كورية الشمالية
الجمهورية العسكرية النووية المرهوبة الجانب و سار على منواله ابنه كيم جونغ إيل و
من بعده حفيده كيم جونغ أون .
و بعد انتهاء الحرب الكورية تتالت الصدامات
بين القوتين في كوبا و الكونغو و فيتنام و نيكارغوا
و السلفادور و كان آخر صدام في حرب الخليج الثانية و بعدها انهارت الامبراطورية السوفياتية
، و بعد ستين عاما" تعود القوتان لتصطدمان على أرض سورية
كإطلاق لصافرة البداية لعودة الحرب الباردة .
و هنا نسأل في الحرب الباردة كانت الصدامات الآنية تحسم
غالبا" لصالح السوفييت و لكن مع كثرة الصدامات نجح الأمريكان في استنزاف السوفييت
مما أدى لانهيار الامبراطورية السوفيتية
هل سيقع الروس بنفس الفخ أم أنهم تعلموا أن يحصدوا المكاسب
الآنية و الاستراتيجية و بغض النظر عن هذا فإن قراءة تاريخ صدامات هاتين القوتين تشير
إلى قرب انتهاء الأزمة السورية و قرب إعلان النتائج
.
و للتاريخ بقية
....
ريزان حدو كاتب كوردي سوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق