الأثر التعليمي للمساجد عبر تاريخنا الإسلامي, أمر معروف معلوم, وصلنا
بالتواتر, من أيام نبينا- صلى الله عليه وسلم- حيث كانت تقام حلق العلم, ودروس
العلماء, واستمر هذا إلى أيام الخلفاء الراشدين- رضي الله عنهم جميعاً- ثم في
القرون التالية, إلى يومنا هذا, وكانت حلق العلم هذه في فنون كثيرة, خلاصتها:
العلوم الشرعية, بكل فروعها. واللغة العربية بشعبها كافة, هذا من باب التفصيل,
وإلاّ فإن بينهما من التداخل, والخصوص والعموم, ما هو معروف لدى أهل الإختصاص في
هذا الشأن.
وبين دفتي هذه العلوم, من المعارف والقيم
والثقافة, ما أهلها لصناعة حضارة ذات شهود, يشهد به القاصي والداني, والعدو
والصديق, والكبير والصغير, والمسلم وغير المسلم.
وهذا
من فضل الله على هذه الأمة, إذ أول ما نزل من القرآن, قول الله تعالى[ اِقرأ] وهذا
له دلالته وانسحاباته, التي تبرهن على تأصيل علمية هذه الأمة, ورفعة مكانتها,
وعظيم منزلتها.
فالعلم فريضة, على كل مسلم ومسلمة, وطالب العلم
يكون على أجنحة الملائكة, رضاً بما يطلب, وعمارة الحياة بالعلم, مما جاء به الشرع
الحنيف, والعلماء ورثة الأنبياء, وكفى بهذا فخراً, وكفى به عنواناً على المعنى
العظيم الذي نؤكد معناه.
من
هنا, نجد ذلكم التراث العلمي الضخم, لعلماء المسلمين, الذي لولا دافع العقيدة, لما
رأيناه, ولما أخذ هذه المكانة المرموقة, في التاريخ عامة, والتاريخ الإسلامي خاصة,
ومن ميزات هذا التراث الهائل التنوع والشمول, إذ لم يقتصر على جانب دون آخر,
تأكيداً على ربانية هذا المنهج, الذي جاء لإصلاح الحياة, فرداً وأسرة ومجتمعاً
ودولة وأمة, بل وإنسانية, لأن نبينا- صلى الله عليه وآله وأصحابه أجمعين- أرسل إلى
الناس كافة, ورحمة للعالمين.
وخطبة
الجمعة, فريضة شرعية, يجب القيام بها, على الراجح من أقوال أهل العلم, ويكون من
نتيجة هذا, أن الله فرض على المسلمين, أداء هذا الدرس الأسبوعي وسماعه.
واعتنى
المسلمون عناية فائقة, للوصول إلى فقه هذه الفريضة, وامتلأت كتب العلماء بهذا
الفقه, والفهوم التي نتجت عنه, ولعل أهم ما ركزوا عليه ضرورة الخروج من تقليدية
الخطبة, وسيرها الرتيب, إلى أصالتها, وتحقيق المقصد الذي لأجلها شرعت, حتى تؤدي
دورها النوط بها, والذين يتصورون أن خطبة الجمعة, إن هو إلاّ إسقاط واجب وكفى, فلا
يعتنون بها, ولا يقيمونها على الوجه الذي شرعت لأجله؛ هؤلاء واهمون, وعن حقيقة
الأمر بعيدون.
يقول
المستشار عبد الله العقيل: ( إن خطبة الجمعة, هي الزاد الأسبوعي للمسلمين, على
مدار العام, حيث يتناول الخطيب فيها الإسلام بجوانبه المختلفة: من عقيدة, وشريعة,
وتفسير, وحديث, وفقه, وأصول, وسيرة, وتاريخ, وتربية, وتوجيه, وأخلاق, وسلوك,
وجهاد, ودعوة, وثقافة, وفكر, كما يبحث واقع المجتمعات الإسلامية, والمسلمين في
العالم, ويرشد إلى الطريق المستقيم الذي يجب أن تسلكه الأمة في طريقها إلى الله,
مستهدياً بكتاب الله, وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم-)
وقلنا إن هذا الدرس الأسبوعي, واجب شرعي, وهذا
يعني, جملة من المسائل, لعل في مقدمتها: أن يكون خطيب الجمعة, من العلماء الذين
يعرفون الواقع, ويستوعبون الحاضر, ويدركون المشكلات, ويبحثون عن حلول لها, ولا
يجوز بحال من الأحوال أن يكون العالم في واد, والناس في واد آخر, بل على العالم أن
يلامس الحياة بكل تفاصيلها, لينصح ويبين ويوضح, ويقدم البرامج, ويرشد إلى
المشروعات التي ترتقي بالأمة, وتنهض بها, وتجنبها مزالق السوء.
كما
أن من واجب العالم خطيب الجمعة, أن يقول الحق لا يخشى في الله لومة لائم, وأن
ينحاز إلى صف الأمة, في مطالبها المحقة، وبلدنا سورية, تمر بمحنة كبيرة, على يد
النظام القائم, والواجب على الخطباء, أن يعيشوا واقع هذه المحنة, ويتلمسوا هموم
الناس, ويوجهونهم الوجهة التي يرضى الله عنها, وأن يقولوا للنظام القائم قولة حق,
تردعه عن هذه الجرائم التي يرتكبها, ويزجرونه عن هذه الكوارث التي يفعلها, فإن لم
يفعل العلماء ذلك فعلى الدنيا العفاء.
ومما
نحمد الله تعالى عليه - رغم كل الذي نرى ونلاحظ- أن ظهر جماعة من العلماء الذين
كانت لهم مواقف مشرفة, تذكرنا بعلماء السلف الكرام, الذين كانوا يقولون الحق,
ويأمرون بالمعروف, وينهون عن المنكر, وسجل لهم التاريخ مواقف, لمثلها تشرئب أعناق
الرجال الأحرار, الذين يتمنى كل واحد منهم, أن لو كان ذلك العالم البطل, الذي وقف
ذلك الموقف, أو قال تلك الكلمة, أو الذي سجل له
المؤرخون الحادثة الفلانية.
ومن العلماء الذين كانت لهم مواقف نبيلة, ومقولات جريئة شجاعة, وتصريحات
قوية مليحة, الشيخ العلاّمة كريم راجح, شيخ القرّاء بدمشق الشام- حفظه الله وبارك
فيه, وحماه من الظالمين-.
-
ولد
الشيخ كريم,عامألف وثلاثمئة وأربع وأربعين, الموافق ألف وتسعمائة وستة وعشرين-
ميلادي, في قرية ( كفرحور) التي تبعد عن دمشق خمسين كيلوا متراً.
-
التحق
بالكتاتيب في سن مبكرة.
-
التحق
بمدرسة ( وقاية الأبناء) التي أنشأها العلامة علي الدقر- رحمه الله, وأسكنه فسيح
جناته-.
-
حفظ
القرآن الكريم على يد شيخ قرآء دمشق, الشيخ حسين خطاب رحمه الله.
-
تعلم
العلم الشرعي في مدرسة الشيخ حسن حبنكة- رحمه الله- منذ عام ألف وتسعمائة وأربعين.
-
حفظ
الشاطبية وقرأها كاملة على الشيخ محمد سعيد الحلواني - رحمه الله- كما حفظ الدرة وأتقن القراآت العشر الصغرى
والكبرى, وتفقه على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله.
-
عمل
إماماً وخطيباً ومدرساً, في العديد من مساجد دمشق ومدارسها.
-
بويع
بمشيخة شيخ قرآء دمشق, بعد وفاة الشيخ حسين خطاب, عام ألف وأربعمائة وثمانية.
فالشيخ
من أعلام أهل العلم على مستوى الأمة, فعلى الشعب السوري خاصة, وعلماء الأمة عامة,
أن ينزلوا هذا العالم منزلته, ويحموه ويحرسوه, والنظام بدأ يحاصره, بعد مواقفه
الشجاعة, وكلماته الصارمة, فمنعه من الخطابة في الجمعة الفائتة, وهذا نذير خطر,
وربما هذه خطوة تتبعها خطوات. فعلى كل الأمة أن تلتفت إلى هذا الأمر, فلا خير في
أمة لا تحمي عالمها, وإهانة العالم إهانة للأمة كلها.
من
هنا, نحمل النظام, مسؤولية المساس بالشيخ الجليل, وإن أي مكروه يصيبه, سوف تكون عواقبه
وخيمة على النظام وأمنه وشبيحته.
نسأل
الله أن يحفظ شيخ القرآء, وأن يحميه من كل سوء ومكروه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق