قليل
من الناس من يترك في نفسك أثراً عميقاً لا تنساه ما دمت حياً ، ومن هؤلاء الحاج
عبد السلام الذي عرفته منذ نعومة أظفاري فهو لم يكن من حملة الشهادات أو المراتب
الوظيفية، بل كان مزارعاً ليس له من زخارف الدنيا سوى ما يسد به حاجة أسرته
الصغيرة.
ومع
ذلك فقد كان كبيراً في تقواه وورعه وخلقه وتواضعه وحرصه على خدمة اخوانه وسعيه
للإصلاح بين الناس، كان يقول الحق ولا يخاف في الله لومة لائم مع حسن أدب وتلطف
عبارة، وتقدير لمن يحدثه أو يعامله ، إضافة إلى اهتمامه بأمور المسلمين وغيرته على
حرماتهم، مع حرصه على خدمة الشأن العام في مجتمعه الصغير في قرية بداما التي أسندت
ظهرها إلى جبل شامخ كنفس فقيدنا الأبية، يطل على سهل منبسط غني بأجوائه الجميلة
وحقوله الخضراء.
لقد
كان رحمه الله حريصاً على مجالسة الأدباء والمفكرين والعلماء ، يسألهم ويناقشهم
ويتبادل معهم أطراف المسائل المطروحة مع احترام وتقدير لجلسائه بعباراته المؤدبة
وخلقه الرفيع.
وطالما
كان الابتلاء طريق الأنبياء والصالحين فقد شاء الله أن ينال فقيدنا شيئاً من هذا
الشرف والتكريم، ففي عام 1980م وأثناء حملة الأسد الأب الظالمة على الاسلاميين استشهد
ابنه أحمد رحمه الله تعالى على أيدي رجال الأمن في ظروف غامضة، وكانت هجرة الفقيد
الأولى إلى تركيا خوفاً على نفسه من بطش أجهزة النظام القمعية والذي لا يرقب في
مؤمن إلاً ولا ذمة، مع أنه لم يكن لديه سلاح ولا عصا.
وبقي
في أنطاكيا مهاجراً صابراً محتسباً بعيداً عن زوجه واولاده ما يقرب من ثلاثين
عاماً.وبعد أن كبر سنه وضعف جسمه سمح له بعد وساطات والتماسات بالعودة إلى أهله
ليرى المواليد الذين عرفهم أصبحوا رجالاُ، والرجال شيوخاً ، ومن تقدم به العمر
انتقل إلى رحمة الله، فالناس غير من يعرفهم والدنيا تغير حالها بعد ثلاثة عقود من
الغربة .
وتأتي
المحنة الثانية على يد الأسد الإبن الذي عاثت قطعانه في منطقة الحاج عبدالسلام
فساداً، وسمع الناس بخبر اجتياح وشيك للمنطقة تتقدمها الدبابات وجلاوذةالشبيحة
والأمن فسارع الناس إلى ترك بيوتهم ومزارعهم هرباً إلى تركيا إلى الحدود والتي
يأمن الناس فيها على أنفسهم وأبنائهم ونسائهم.
وكانت
الهجرة الثانية للفقيد في هذه المرة مع أسرته وأبناء بلده ليعيش مرارة الهجرة مرة
أخرى ولكن في خيام منصوبة في العراء بعيدة عن بيته وأرضه الذي فيه مصدر راحته
ورزقه.وتوافيه المنية في الغربة ليسجل
تجربة أخرى لنهاية حياة مسلم حافلة بالابتلاء والتضحية في سبيل هذا الدين الذي هو
أغلى من النفس والمال والولد.
وما
ينبغي ذكره في هذا المقام الذي نودع فيه فقيدنا الغالي أن نذكر أن أسرة فقيدنا
أسرة الشهداء، فبعد وفاة الفقيد بيوم واحد بتاريخ 7/10/1432هـ نقلت وكالات الأنباء
والقنوات الفضائية خبر استشهاد حفيده لابنته ويحمل نفس اسم جده "عبدالسلام
حسون" برصاصة قناص غادر من رجال الأمن من داخل الأراضي السورية وهو على الجانب
التركي من الحدود، لينضم إلى ركب الشهداء ملتحقا بجده و خاله وسائر شهداء الثورة
السورية الأبرار رحمهم الله جميعا وجعل الفردوس الاعلى مستقرهم.
إن
العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا عليك أبا عبدالقادر وعلى ابنك وحفيدك لمحزونون،
وإنا على طريقك لسائرون وأسأل الله تعالى أن يجمعنا معا في جنة الخلد على سرر
متقابلين.
} منَ الْمُؤْمِنِين رِجَالٌ
صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم
مَّن يَنتَظِرُ وَ مَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً } الأحزاب23
الذي لن ينساك من
الدعاء مادام حياً
عضو رابطة علماء سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق