أثبت الشعب السوري الأبي أنه شعب شجاع يدفع
الغالي والرخيص في سبيل الحصول على حريته وكرامته التي امتهنها النظام على مدى
أربعة عقود مضت.
لقد صبر هذا الشعب على الظلم والامتهان طويلاً
ثم نزل إلى الشارع ليعبر عن رفضه للذل والإهانة وليقول بصوت عال:"الموت ولا
المذلة"
ولا يغيب عن البال أثر الثورات العربية في
تونس ومصر وليبيا في خروج السوريين عن الصمت بسبب هيمنة أجهزة الأمن وآلتها
القمعية، التي تلاحق الناس في نومهم ويقظتهم، في حلهم وترحالهم تحصي أنفاسهم
مستخدمة الآلة القمعية والتي تطال كل من تحدثه نفسه أو يحرك لسانه بجرائم النظام
وسياسته الطائفية، وما أفرزته من فساد إداري واحتكار اقتصادي وقمع سياسي.
لقد نزل الشعب إلى الشارع بصدره العاري معلناً وبصوت قوي
برفضه الظلم ويطالب بالحرية والكرامة، وقد
دخلت الانتفاضة شهرها السادس وهي مصممة
على الاستمرار والاصرار على المطالب العادلة والمشروعة لكل انسان حر كريم.
ومن أشد ما يقلق النظام السوري القمعي سلمية الانتفاضة
ونبذها للسلاح والعنف، و قد سعت الاجهزة الامنية إلى اقناع بعض المحتجين باستخدام
السلاح ضد قوات الأمن و الجيش، وبحمد الله فقد فشل النظام في إنجاح هذه الخطة
الدنيئة بالإساءة إلى الثورة، وظهر أمام
القاصي والداني أن شبيحة النظام وأجهزته الأمنية هي التي تقتل وتقمع وترهب الشعب
بل وصل الأمر إلى استخدام الدبابات والزوارق البحرية والطائرات الحربية
والمتابع لسير الأحداث وطريقة التعامل مع
المظاهرات يجعله يعتقد أن النظام يدفع الناس دفعا لاستخدام السلاح في انتفاضته
الشعبية حتى يحقق آماله في إظهار الانتفاضة بانها عصابة مسلحة هدفها التخريب
والاعتداءعلى المصالح الخاصة والعامة وحياة المواطنين وبالتالي يصبح لدى النظام الحق
القانوني في قمع الثورة بكل الوسائل المتاحة من غير نكير من لجان حقوق
الانسان أو المنظمات الدولية أو المجتمع الدولي الذي ينادي بالديمقراطية ويرفض
الاعتداء على حقوق الانسان و من المؤشرات القوية على حرص النظام إلى دفع
الثوار إلى حمل السلاح :
1- قمع
الناس واهانتهم بطريقة وحشية همجية تقشعر منها النفوس كضرب المقيدين وهم ملقون على
الأرض بأحذيتهم وتناوب بضع عناصر الأمن على الضرب بالعصي والكابلات ؟ و إطلاق
الرصاص على الشهيد بعد وفاته إلى غير ذلك من الفظائع، وتصوير تلك المقاطع وإيصالها
إلى الإعلام والقنوات الفضائية مع العلم بأنه لا يتصور في مثل هذه المواقف وجود أي
عنصر آخر لا ينتمي إلى عناصر الأمن أو الجيش.
2- قصف
المآذن بالدبابات وانتهاك حرمة المساجد وتخريب محتوياتها وتدنيس القرآن الكريم،
ومنع الأذان في المساجد واستبدالها بأغاني ماجنة في أوقات الأذان، والاعتداء على
أئمة المساجد من العلماء و اهانتهم أمام المصلين وإغلاق المساجد وتعطيل صلوات
الجمعة والجماعة فيها.
3-
إصرار القيادات الأمنية العليا في دمشق على رفض أي اتفاق تتوصل إليه القيادات الأمنية
و العسكرية في المحافظات مع الوجهاء والعلماء بقصد إنهاء المواجهات وتخفيف التوتر.
4- سعى
النظام إلى أن يضع الثوار أمام أفق منسد وطرق موصدة ليس في نهايته أي بريق
أمل أو بصيص من نور بعد مرور ما يقرب من ستة أشهر على بداية الانتفاضة.
ولعل
هذه الأسباب وغيرها تجعل النظام يطمح إلى ان تتجه الثورة الشعبية إلى عسكرة الانتفاضة
واللجوء إلى السلاح كوسيلة للدفاع عن الكرامة والمقدسات والأعراض وعندئذ يضع
النظام المبرر الذي سعى منذ بداية الانتفاضة إلى صنعه حتى يقمع الثورة بكل أشكال
العنف والقمع، ويعلن أمام المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية أن من واجب الدولة حفظ أمن وسلامة مواطنيها
وحماية الممتلكات العامة والخاصة من هجمات العصابات المسلحة والعناصر الارهابية.
لذلك أقول : إن سلمية الثورة سبب لاستمرارها
والتحول نحو العسكرة مبرر لقمعها والحكم بإعدامها مع ملاحظة أن السلاح الذي يتوفر
بيد الثوار لا يوازن بحال مع ما تحت يد سلطة النظام من ترسانة أسلحة، وجيوش عسكرية
مدربة، إضافة لسبعة عشر جهازاً أمنيا لم يكن هدف إنشائها مواجهة العدو الاسرائيلي
بل مواجهة الشعب عندما ينتفض ويثور على النظام الظالم المستبد.
فحذاري من التحول نحو العسكرة - رغم بريقها
الجذاب - و الاستمرار في سلميتها وهذا ما يحرج النظام , وهذا ما يكسب
الانتفاضة السورية التأييد والتعاطف في الداخل والخارج.
د. أحمد عبدالعال
عضو رابطة علماء سوريا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق