بدأت
ثورة الكرامة في سورية الحبيبة بتقدير إلهيّ، ولم يتوقع بدايتها ومجرياتِها أحد
على الإطلاق، بينما توقع الكثيرون انطلاق الثورة في بعض البلدان بعد ارهاصات
ومؤشرات تدل عليها.
وكان يتساءل المتابعون للمشهد السوري عن
إمكانية قيام ثورة مشابهة على أرض الشام – المباركة‑ ، وعن قدرة هذا الشعب الذي
ذاق صنوفاً من الذل والهوان لعقود عديدة أن ينطلق من عقاله، وأن ينتفض في وجه
جلاده ليقول له: كفاك شرباً من دمائنا، وخوضاً في أعراضنا، ونهباً لأموالناً،
وامتهاناً لحريتنا وكرامتنا.
وترقب المتفائلون الشرارة الأولى وقد توجهت
أنظارهم صوب حماة وحلب –الغاليتين‑ ينتظرون
البداية، لما أصاب كلا الشقيقتين من
ظلم وضيم وفتك وقتل على يدِ المافيا الحاكمة – في الثمانينات من القرن الماضي‑،
فكانت حماة مأساة العصر بلا ريب، وتعجز الكلمات والخطابات والبيانات عن وصفها
والإحاطة بها.
ولكن إرادة الله سبقت كل تفكير وتدبير،
فكانت البداية في درع الثورة درعا المباركة، وكانت بأمر الله وتقديره، وبدون تخطيط
أو ترتيب بشريّ، عندما تورط زبانية النظام بسجن وتعذيب أطفال لم يبلغوا الحلم،
واقتبسوا من شياطينهم أفانين الإيذاء والإيلام في حق أجسادٍ غضةٍ بريئةٍ طاهرةٍ،
قال تعالى: (( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ
يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)).
ثم سارت الثورة بهدي الله وتسديده بخطوات
ثابتة واثقة، وكل يوم يزداد رُوَّادُها، ويتسع مداها، حتى اتسع الخرق على النظام
الأخرق.
وأذكر في هذا المقام مقدم رسول الله صلى
الله عليه من قباء متجهاً إلى المدينة وكان الأنصار يحيطون به عن يمينه وشماله،
وسار رسول الله في موكب مهيب، وكلما مرّ على دار من دور الأنصار، دعاه أهلها للنزول
عندهم، وأخذوا بزمام ناقته فيقول لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها
مأمورة فإنما أنزل حيث أنزلني الله".
وكذلك أقول للمتدخلين في شؤون هذه الثورة
المباركة، ولكل من يحاول الأخذ بزمامها لينحرف بها عن مسارها: (( دعوها
فإنها مأمورة))، ونصر الله آت قريباً بإذن الله، قال تعالى: ((
أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ
خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى
يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ
اللّهِ قَرِيبٌ)).
2
رمضان 1432هـ، الموافق: 2- 8- 2011م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق