الشيخ الفاضل أسامة الرفاعي, حياكم الله, وبارك الله فيكم, والحمد لله على
سلامتكم, ونسأل الله لك الشفاء العاجل, والصحة الوفيرة, والعافية الدائمة,
ولا بأس عليكم, وطهور إن شاء الله, غفران ذنوب, ورفع درجات, بإذن الله
تبارك وتعالى.
المؤمن في هذه الحياة الدنيا مبتلى, والله تعالى يختبر عباده الصالحين,
ليميز الخبيث من الطيب, والصالح من الطالح, والعامل من غير العامل, الصابر من
الجزع, والثابت من المنهزم, والشجاع من الجبان, والمجاهد من المؤثر الحياة الدنيا,
والركون إليها. قال تعالى: ( ولنبلونّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين) [
سورة محمد].
إنه قدر الله تعالى, في كشف حقائق
خبايا النفس البشرية, وتظهر المعادن على حقيقتها, وتبرز قيم المباديء في حامليها,
إن صدقاً, وإن كذباً, فيرفع بهذا أقواماً, ويضع آخرين, وفي هذه المعمعة, تظهر
عجائب الأمور, من المدهشات المذهلات.
وأنت أيها الشيخ الجليل, ممن فرزته المحنة, في صف الربانيين, الذين انحازوا
للحق, يقولونه لايخشون في الله لومة لائم, نحسبك كذلك, والله حسيبك.
قلت كلمة الحق, في وجه سلطان جائر, ورضيت أن
تكون إلى جانب المظلومين المقهورين, وأنت تعلم علم اليقين, أن هذا الموقف له
كلفته, وله ضريبته, ولسان حالك يقول: سأقولها, ولو كلفني هذا الموقف ما كلفني, لأن
هذا من الأمر بالبيان الذي ألقاه الله, أمانة في أعناق العلماء, يبلغونه, يخشون
الله, ولا يخشون سواه.
فلك الأجر والثواب, وللظالمين الخزي والعار,
في هذه الدنيا, وفي الأخرى, ستسطر مواقفكم هذه بصحائف من نور, وتكتب بماء الذهب,
أما جلاّدوك ومدموك وضاربوك, والمعتدون عليك بغير حق, فسيكونون في مزبلة التاريخ,
مع إخونهم من الظلمة والمجرمين والفاسدين, وقاتلي الشعوب, ومنتهكي الحرمات,
والمعتدين على الثوابت.
مواقفكم تذكرنا بالأبرار من علماء هذه الأمة, من الآمرين بالمعروف,
والناهين عن المنكر, من المجاهدين بالكلمة والفتوى, وكانوا أمثلة تقتدى, ونباريس
هداية, وأمثلة حية في تحويل المثل والأحلام, إلى واقع وعمل, برهاناً على واقعية
هذا الدين, والعلماء من أبرز حملته.
وبالمقابل هذا يذكرنا, بعلماء السوء, الذين لاهمّ لهم إلاّ كيف يحصل على
شهواته؛ ويلبي طموحاته, ويلهث وراء مصالحه, مؤثراً الدنيا ولعاعاتها متعلقاً بها,
يعمل كل شيء من أجلها, ولو كان ذلك على حساب الدين, وبيان الحق.
تراه يلوي أعناق النصوص, لينحاز
إلى صف الظالم, ويساند الباطل, يداهن ويذل نفسه, إيثاراً للسلامة, وخوفاً على
مقامه المصون, من أن يضرب, أو يسجن, أو يخصم راتبه, أو تفوته وحلة من أوحال
الدنيا, التي طالما عمل لها, وقدمها على كل شيء.
هذا الصنف هالك, وإن ظن أن النجاة
بهذا الذي يفعله, والفوز بهذا الذي يصنعه, لأن المقاييس عنده منحرفة, والموازين
لديه مختلة, فلا تؤخذ منه فتيا, ولا يعتمد عليه في قول, ولا يعول عليه في موقف,
وهذا هو الذي أضله الله على علم, وطبع على قلبه.
كيف سيلقى الله وهو على هذا الذنب
الفظيع, والكبيرة العظيمة؟؟ ياويله يوم يلقى الله وهو في صف الطغاة الظالمين,
والقتلة المعتدين, والفجرة المجرمين!!!!
هذا الصنف ضائع, وإن تظاهر
بالحكمة, ولاك جميل الكلام, وحاول أن يحرف العربة عن مسارها, بذكر آية أو سوق
حديث,( كلمة حق يراد بها باطل) لاعلاقة لهما بالحدث أو الواقعة, بل في غالب
الأحيان يكون الدليل الذي يسوقه حجة عليه لا له, ويظن أن الناس مغفلون, أو أن
العلماء لايتابعون, وإذا لم تستح فاصنع ما شئت.
هذا الصنف سارق, وإن تصور
أنه يسرق من غير حرز, ويستغل أوقات غفلة الناس, وما هم بغافلين, ونسي أن الله
رقيبه, وأنه عليم بكل شيء, وأنه يعلم السّر وأخفي, يعلم خائنة الأعين, وما تخفي
الصدور, وأن ملائكة الله تسجل عليه كل شيء, ويوم يلقى الله سيرى هذا أمامه, فيسود
وجهه, ويكون من المخذولين. واتق دعوة المظلوم, فإنه ليس بينها وبين الله حجاب,
وربما دعا بعض الناس على هذا الصنف, أكثر من دعائه على جلاده, لأن مصيبته أعظم,
وكارثته أكبر, فهو المروج للباطل, والمسوق له, والداعم لأصحابه.
يقول الشيخ عبد القادر- رحمه
الله- في كتابه, الفتح الرباني ص5: مثّل الله العالم الذي لا يعمل بعلمه بالحمار,
فقال: ( كمثل الحمار يحمل أسفاراً) [ الجمعة] الأسفار: هي كتب العلم, هل ينتفع
الحمار بكتب العلم؟ ما يقع بيده منها, سوى التعب والنصب, من ازداد علمه, ينبغي أن
يزداد خوفه من ربه, وطواعيته له).
يا فضيلة الشيخ: هذا اصطفاء لك, إذ سخرت لهذا العمل الجليل, وأنتم تعلمون-
أيها الشيخ الجليل- أن العلماء نصوا, على أن الإستقامة عين الكرامة, فأعظم كرامة
للمرء, أن يوفقه الله لطاعته.
ومقارعة الباطل, وقولة الحق, وإغاثة الملهوفين, والأمر بالمعروف, والنهي عن
المنكر, ونصرة المقهورين المعذبين, والأخذ على يد الظالم, وتأييد المطالب المحقة,
والوقوف إلى جانب المظلومين, من أعظم القربات إلى الله تعالى.
وما يترتب على ذلك, من أذى في سبيل الله, هو من الخير, بل من الكرامات
للمسلم, وإن كان المسلم لا يطلب البلاء, بل يسأل الله العافية, ولكن إن وقع ذلك,
فهي إرادة الخير من الله لهذا البتلى.
قال تعالى: ( ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس
والثمرات وبشر الصابرين) [ البقرة]
وفي الحديث المتفق عليه, من حديث ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: كأني أنظر
إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحكي نبياً من الأنبياء, صلوات الله وسلامه
عليهم, ضربه قومه فأدموه, وهو يمسح الدم عن وجهه) .
وفي البخاري, من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال سول الله- صلى
الله عليه وسلم- : من يرد الله به خيراً يصب منه).
فهذا هو الفائز, وهذا هو الناجي, ولو كان بالألم, والتعب والنصب, وليس من
آثر السلامة, وعمل على الإنكفاء على ذاته, وترك الجهاد في سبيل الله, هو الفائز.
يا فضيلة الشيخ: بأمثالك من العلماء, تضيء الحياة, وتنير الدنيا, ويطمئن
الناس, وتستقر الدنيا, من هنا يستغفر للعالم كل شيء, حتى النملة في جحرها, والحوت
في بطن الماء, فأنتم ورثة الأنبياء, وخلفاء الخلفاء, وملح البلد, فما يصلح الملح
إذا الملح فسد.
إن دليل الخير وجود أمثالك من أهل العلم, والدنيا لا تنقطع من أمثالكم, رغم
وجود بعض حملة العلم, من الذين ظهروا, بصور مزرية ومخجلة ومؤسفة.
وهذا هو الطريق, طريق الجهاد, طريق
البذل, طريق الطاعة لله, طريق العمل, طريق الدعوة, طريق الخير, فيفوز من يفوز,
وعليه يتساقط من يتساقط, ويفضح من يفضح, والأيام حبالى يلدن كل عجيب.
فضيلة الشيخ: أسأل الله أن يرفع قدرك, ويعلي شأنك, ويقوي عزيمتك, ويشد من
أزرك, ويحميك من كل سوء ومكروه, كما أسأله تعالى أن يعجل في زوال هذا النظام, وأن
يهدم أركانه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق