الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2014-06-02

ثم لتسألن يومئذ عن النعيم - بقلم: د. عثمان قدري مكانسي

قال عبد الله بن الزبير لخالته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما: يا خالة هل كانت بيوتكم في أول حياتكم في المدينة المنورة عامرة بما لذَّ وطاب.
قالت: لا والله يا بني، إن كنا لننتظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقِد في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم  نارٌ قط.
قال: يا خالة إذا لم تكونوا تطبخون فما كان طعامُكم؟
قالت: الأسودان، التمر والماء.
قال: والخبز وما يطبخ من القمح؟
قالت: يا ابن أختي ما شبع آلُ محمد صلى الله عليه وسلم  من خبز شعير يومين متتاليين حتى لحق بالرفيق الأعلى، فما نقول في خبز القمح؟
قال: سبحان الله إنْ كانت حياتكم لحياة شظف وجهد.


قالت: ولقد كان لنا جيران من الأنصار – أكرمهم الله وأثابهم – يرسلون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم  ألبان الإبل فيسقينا.
وانطلق عبد الله متأثراً مما عرف عن حياة بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ، فرآه أنسٌ رضي الله عنه فسأل عما به، فقص عليه عبد الله ما جرى من حوار بينه وبين خالته أم المؤمنين.
فقال: صدقت الصدِّيقة بنت الصدِّيق، وقد كنت خادمه صلى الله عليه وسلم  فما رأيته أكل خبزاً مرققاً حتى مات.
قال عبد الله: إذنْ كان طعام آل محمد قوتاً (بما يقيم أوده ويسدُّ رمقه).
قال أنس: صدقت يا عبد الله، ولا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم  شاة صغيرة يسمط شعرها وتشوى، فهذا يفعله المرفهون الأغنياء، وهنا دخل النعمان بن بشير رضي الله عنهما وسمع الحديث فأدلى بدلوه قائلاً:
لقد رأيت نبيكم صلى الله عليه وسلم  وما يجد من التمر الرديء ما يملأ به بطنه.
قال أبو هريرة رضي الله عنه، وقد سمع ما قاله النعمان فانضم إليهم، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم  ذات يوم قائظ على غير عادته بعد صلاة الظهر فرأى أبا بكر رضي الله عنه خارجاً من بيته، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ما الذي أخرجك من بيتك في هذه الساعة يا أبا بكر)).
قال الصدّيق: خرجت للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم  والنظر في وجهه، والسلام عليه ولا أكتمك يا رسول الله أن الجوع منعني من النوم فخرجت على وجهي، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم  ولم يزد.
ثم جاء عمر رضي الله عنه، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم  وسأله: ((ما الذي أخرجك من بيتك في هذه الساعة يا عمر؟)).
قال عمر وقد نظر إليهما: الجوع أخرجني يا رسول الله ومنع عينيَّ الرقاد، فقلت: أسلي نفسي بالمسير والسلام على المسلمين، فحظيت بك يا رسول الله وبصاحبك الصدِّيق، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم  ثم قال: ((أتدرون ما الذي أخرجني؟)).
قالا: الله ورسوله أعلم.
قال: ((والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما)).
ثم قال: ((قوما)) فقاما معه فانطلق بهما إلى بيت رجل من الأنصار، فسلموا عليه، فلم يجب، فخرجت امرأته فلما رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم  وصاحبيه قالت: أهلاً وسهلاً ومرحباً برسول الله صلى اله عليه وسلم وصاحبيه الكريمين.
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ((فأين زوجك؟)).
قالت: ذهب يستعذب لنا الماء، وقد حان مجيئه، فهلم يا رسول الله فادخلوا، فما أسعدنا اليوم بزيارتكم.
وما إن أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه مكانهم حتى دخل الأنصاري فسلم عليهم، ورحب بهم وقال: الحمد لله ،ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني، وانطلق فجاءهم "بعذقٍ" (غصن نخيل) فيه "بُسْرٌ" و"رُطَبٌ" و"تَمْرٌ"، فالأول حلوه قليل، والثاني حلوٌ وهو جديد، والثالث حلو وهو يابس، وقال: اختاروا يا أكرم ضِيفان أتَوني أيَّ نوع من التمر، وكلوه هنيئاً مريئاً.
ثم أخذ مُديته (سكينه) يريد ذبح شاةٍ يَقري بها أضيافه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم  ناصحاً: ((اختر شاة لا لبن لها واذبحها، وإياك والحلوب فلا تقربنَّها)).
فلما أكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشبعوا وشربوا من الماء وارتَوَوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمضيفه أبي التيهان الأنصاري: ((بارك الله لك في مالك، وزاد في رزقك ووهبك الجنة))، ثم التفت إلى أبي بكر وعمر فقال: ((والذي نفسي بيده لتُسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوعُ، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم)).
رياض الصالحين: باب الجوع وخشونة العيش


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق