الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2014-06-18

لكل سجين قصة تفوق الخيال – بقلم: محمد فاروق الإمام

بداية أهنئ الفارس عدنان قصار على فك أسره وتنسمه الحرية بعد 21 عام وأتمنى له البدء بحياة كريمة بين أهله وإخوانه وأصحابه وطي صفحة الماضي وسوداويتها فهكذا فعلنا نحن وفعلها كل من تحرر قبله من أسر هذا النظام السادي المجرم.

لم أفاجأ بقصة الفارس عدنان قصار وبالأسباب التي رمته في ظلمة السجن وقسوته كل هذه السنين الطويلة، فقد حدث مثل ذلك قبل 1400 سنة عندما لطم ابن عمرو بن العاص القبطي الذي فاز عليه في سباق الخيل وهو ابن والي مصر وابن الأكرمين، والفارق بين الفارس عدنان قصار والفارس القبطي وقوع الحادثتين المتشابهتين في ظل حكمين مختلفين؛ حكم عادل يقوده الفاروق عمر بن الخطاب وحكم ظالم متجبر يقوده حافظ الأسد وشتان بين العدل والجور والظلم.


ففي ظل العدل نال القبطي حقه من ابن الأكرمين، وفي ظل الجور والظلم عوقب الفارس عدنان قصار بقسوة عندما تجرأ وسبق ابن الظالم المتجبر.

وفي هذا السياق أجدني أسوق قصتي مع هذا النظام التي هي أغرب من قصة أخي الفارس عدنان قصار، فقصتي مع هذا النظام الذي يدعي المقاومة والصمود والتصدي، والذي تتقاطر ميليشيات الحقد في الضاحية الجنوبية نصرة له في هذه الأيام بحجة الدفاع عن نظام مقاوم، وأتمنى على فتيان الضاحية الجنوبية وأهل وأسر هؤلاء الفتيان أن يطلعوا على حقيقة هذا النظام المقاوم في وسائل الإعلام والورق، ويجنبوا أبناءهم مقاتلة إخوانهم في سورية الذين ثاروا من أجل نيل الحرية والكرامة، وهذه قصتي أسردها كما حدثت لأخفف عن أخي الفارس عدنان قصار وقع ما حدث له:
في 20/7/1963 استدعيت للخدمة العسكرية، أي بعد انقلاب البعث بنحو خمسة أشهر، وبعد خضوعي لدورة دامت أحد عشر شهراً وثلاثة أيام وكان ترتيبي الأول (ماجور الدورة) تم فرزي إلى الجولان المحتل حالياً، وكان هذا الفرز محل استغراب من قائد المدارس في قطنا العقيد "حسين زيدان" (قتله رفاقه فيما بعد)، ولكنه بعد معرفته أنني لست بعثياً تمتم قائلاً: صير بعثي وخليك عندنا!!
التحقت بقطعتي العسكرية الجديدة في "تل زعورة" في القطاع الشمالي من الجولان وتكيفت بوضعي الجديد وتأقلمت بالحياة فيه رغم قسوته ونذالة بعض من فيه ومن يشرف على قيادته، وفي يوم 3/11/1964 وبالساعة الرابعة عصراً قام الطيران الإسرائيلي بقصف كافة المواقع في الجبهة لأكثر من ثلاثين دقيقة، وكان من جملة قنابله التي قصف بها الجبهة "قنابل نابالم" الحارقة، ومن هنا بدأت القصة التي ستذهل كل من يقرأها أو يطلع عليها.
كان قائد الموقع ملازم أول احتياط علوي، ويؤسفني أن أقول ذلك، لا يفقه من أمور العسكرية إلا الكفر والسباب والتخوين، قد آثر اللجوء إلى "البلوكوس" ليحتمي به من وقع القنابل، في حين توجهت أنا والمفرزة التي كنت أقودها "مفرزة م/ط" إلى مواقعنا وكنت أشاهد الطيار وهو ينقض بطائرته على موقعنا والمواقع من حولنا، وكلما طلبت الإذن من قائد النقطة بالتصدي للطائرات العدوة المغيرة كان جوابه: "ولاك خاين بدك تكشفنا حتى يقتلنا اليهود" وتكرر ذلك مرات.
لم أعد أستطيع الصبر وتحمل كل هذا الذل والهوان من هذا القائد الجبان فاتخذت قراري بمواجهة أي طائرة تحلق فوق موقعي أو تقترب من سمائه، وبالفعل قمت بإطلاق النار على أول طائرة اقتربت من موقعنا وأجبرتها على الفرار وتكرر ذلك ثلاث مرات، وفي كل مرة كان قائد النقطة يوجه لي أقذع السباب والشتائم والنعوت، ولم تعد أي طائرة تجرأ على الاقتراب من موقعنا حتى توقف القصف.
بعد توقف القصف دعا قائد النقطة إلى اجتماع عاجل خصصه لتوجيه الكفريات والمسبات والنعوت البذيئة التي يأنف أي إنسان عن التلفظ بها، وهددني بالعقاب الصارم الذي أستحقه على مخالفتي الأوامر، في حين تسابق الإخوة، بعد انفضاض الاجتماع، لشكري وتحيتي على ما قمت به.
بعد أيام استدعاني قائد الجبهة، اللواء "فهد الشاعر" للتحقيق معي على ضوء التقرير الذي رفعه إليه قائد النقطة، وعند مثولي بين يديه، وكان التقرير أمامه على الطاولة، شعرت بارتياح لأنني لم أواجه لا بكفر ولا شتيمة ولا تخوين، فطلب مني رواية ما حدث، ففعلت ورويت له كل ما قمت به وفعلته، فما كان منه إلا قام وتقدم إلي باسطاً يده بالتحية قائلاً: أهنئ جيشنا على أنك من أفراده، وأوعز إلى رئيس الديوان بتقديم كتاب شكر باسمه ومنحي إجازة 12 يوم وودعني حتى باب غرفته.
وعدت إلى نقطتي أحمل كتاب الشكر وأمر منحي الإجازة وهذا أغاظ قائد النقطة إغاظة شديدة وأفرح الكثيرين من زملائي، وغادرت النقطة لقضاء الإجازة بين أهلي وأصدقائي، ولكن فرحتي لم تكتمل فبعد يومين جاءني طراق الليل واقتادوني إلى مبنى فرع المخابرات بحلب، وكان عبارة عن قبو تحت الأرض؛ لأنال قسطاً كبيراً من ألوان التعذيب لنحو ثلاثة أشهر، ومن ثم توقيعي على تقرير اعترافاتي التي كتبها المحققون كما أرادوا، وتم سوقي إلى سجن المزة في دمشق لأبقى فيه نحو سنة، وفي سجن المزة تعرفت على العشرات من نزلائه بين وزراء وضباط ومفكرين وعلماء واساتذة وفدائيين فلسطينيين وحزبيين ومن كل المشارب والأطياف لدرجة أنك تشك في جنسية ولون من يحكم البلد!!

هذه قصتي مع هذا النظام أخي عدنان قصار، وقد يكون هناك العشرات بل المئات من القصص التي تفوق الخيال، أتمنى على كل الذين يقولون بعد انطلاق الثورة على هذا النظام الباغي "كنا عايشين ومبسوطين" أن يشعروا بالخجل مما يقولون، وأتمنى على الذين يتقاطرون لحمايته ودعمه بحجة أنه نظام مقاوم أن يخجلوا من أنفسهم ويؤبوا إلى رشدهم!!   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق