تزداد قناعة الشُّعوب
العربيَّة المقهورة في أنَّ من يتصدَّى لرعاية شؤونها، وقيادة أمور دولتها إنَّما هي
عصابات «مافيويَّة»، سواء أأظهرت هذه الشُّعوب تعبيرها عن هذا
القهر، بمظاهرات سلميَّة، أو مقاومة مسلَّحة، أم أخفتْ قهرها خوفًا من القتل
والتَّمثيل، فانقادت مذلولة للتَّصويت لزعيمٍ من زعماء هذه «العصابات».
لكنَّ الأمور في
حقيقتها لا تشير إلى أنَّ هؤلاء «الزُّعماء» هم أصحاب القرار في
انتصارهم، أو في هزيمتهم، ولا كلمة لهم، إنَّما هم أدوات تنفيذيَّة لما تقرِّره «الأحزاب
والتَّكتُّلات الإقليميَّة»، التَّابعة إلى قيادات خارجيَّة، فما نراه من
أحزاب سياسيَّة داخليَّة في بعض الدُّول العربيَّة، وإن كانت «وطنيَّة»
في ظاهرها، إلا أنَّها لا تملك من أمرها انتخاب صوت لعضوٍ فيها.
تجلَّت هذه التَّبعيَّة، في مظهرين من مظاهر «الدّيمقراطيَّة»
على زعمهم:
الأولى:
«الانتخابات المصريَّة»، والمحاولات الحثيثة لإظهارها على أنَّها «عرسٌ»
وطنيّ نادر، سينقل الشَّعب من حالة اللاوجود إلى حالة الرَّفاهية المطلقة، وهي
دعوى وهْمٍ وخيال، ولا دليل عليها، أو إشارات تؤكِّد حدوث بعضها؛ لأنَّها حقيقتها
تطغى على مزاعمها، فهي «ثورة مضادَّة» و«انقلاب» على «الثَّورة
المصريَّة» التي قامت في أساسها من أجل تحقيق إنسانية «الفرد
المصريّ»، وليس فقط من أجل تغيير «نظام سياسيّ»، واستبدال «رئيس»
مكان آخر.
الثّانية:
«الانتخابات السُّوريَّة» في أقسى ظروف الحياة التي يعاني منها
الإنسان في العصر الحديث، وعلى مرآى من «المجتمع الدُّوليّ» الذي
طالما تغنَّى بدفاعه عن حقوق الإنسان، لكنَّهم يعنون الإنسان الذي يعود تقرير
مصيره إليهم، وليس الإنسان بمعناه المطلق في أيِّ زمان أو مكان.
وكلا الانتخابات
أعلنت فوزها بنسبة ساحقة، ظنَّا منها أنَّ الشَّرعيَّة تُستمَدُّ من هذه النِّسبة،
متناسين أنَّهم إن حكموا فسيحكمون شعبًا يتطلَّع أن يقضي عليهم بين عشيَّة أو
ضحاها، في حالة من التَّرقُّب والتَّأهُّب.
ولا نغفل الدَّور
الإعلامي الكبير الذي يدعمهما، فتكاد تكون «قناة الجزيرة» النَّاطق
الرَّسميِّ الرَّافض للأولى، في حين نرى «قناة العربيَّة» المحامي
الرَّسمي عنها، أمَّا الثَّانية فمرتبطة بالثَّنتين معًا تبعًا لسُلطة «المعارضة
السُّوريَّة» المنبثقة عنها، بين أخذ وشدٍّ «قطريٍّ سعوديّ»،
وإن كان الجانب «السُّعوديّ» أكثر سيطرة حتى هذه اللِّحظات.
وأرى أنَّ الأمر
برمَّته ينعكس على الشُّعوب العربيَّة حتى في الدُّول التي تدعم إحدى هذه
الانتخابات، في حالة من الاحتقان السِّياسيّ والاجتماعيّ والدِّيني التي ستظهر
نتائجها على المدى القريب جدًّا، على الرَّغم من محاولة هذه الدُّول إخفاءها.
بل إنَّ من أهم نتائج
هذه الحالة «الاحتقانيَّة» ظهور جيل من الشَّعب لا يرى إلا «التَّطرُّف» و«التَّشدُّد»
سبيلا للخروج منها، وهو ما يؤسِّس قاعدة لـ«لإرهاب» في منطقة «الشَّرق
الأوسط»، وهو أمر طالما سعت دول «المنطقة» أن تبقى بمنأى
عنه، أو الاقتراب من حمِاه، لكنَّها بسياستها التَّعسفيَّة أصبحت المنتج والدَّاعم
الأوَّل له.
ولا أستبعد ظهور
ثورات ستُسَجلَّ تحت ظاهرة «الرَّبيع العربيّ» في بعض دول «الخليج»
قريبًا، وإن لم تكن في حقيقتها ثورة شعبيَّة تهدف إلى تغيير أو إسقاط «النِّظام
الِّسياسيِّ» فيها؛ لأنَّها من وجهة نظري ستكون ظاهرة فريدةً في استئصال النِّفاق
السِّياسيّ والدِّينيّ الذي أصبح جزءًا من الحياة الاجتماعيَّة فيها، وتغيير
روَّادها الذين يروون في هؤلاء الحكَّام «خليفة الله» في الأرض.
د. محمد عناد سليمان
5 / 6 / 2014م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق