قرأت
مقال الأستاذ فايز سارة والذي جاء رداً على استقالة الأستاذ علي صدر الدين
البيانوني التي جاءت على خلفية رسالة التهنئة التي بعث بها رئيس الائتلاف أحمد
الجربا إلى عبد الفتاح السيسي الذي انقلب على الشرعية في مصر ونصب نفسه رئيساً
عليها باعتراف المجتمع الدولي وفي مقدمة هؤلاء الاتحاد الإفريقي الذي رفض الاعتراف
بالانقلاب وبنتائج الانتخابات الرئاسية، ومن حيث المبدأ فإن وصول السيسي إلى سدة
الحكم في مصر لا يختلف كثيراً عن الأسلوب الذي وصل فيه حافظ الأسد إلى الحكم في
دمشق وكذلك وصول ولده من بعده إلى ذلك المنصب، ومن أجل التخلص من مثل هذه
الممارسات غير الشرعية وغير القانونية ثار الشعب السوري وانتفض، ومن المعيب أن
نقفز على جراحنا وندير ظهرنا لمبادئنا بحجة تعاطي البروتكول والسياسة، فهناك مواقف
مبدئية لا يمكن التنازل عنها أو العبث بها أو تجاوزها تحت أي حجة أو غطاء.
لا
أشك للحظة واحدة بوطنية ونضال الأستاذ فايز سارة وقد رافقت مسلسل نضاله واعتقاله
وكنت من أول المباركين لخروجه من أسر النظام الباغي، وأرجو إن اختلفت معه في الرأي
أن لا يكون الاختلاف سبباً لفساد ما بيننا من حب وود واحترام، لأن ما يجمعنا هو
أكثر بكثير مما يمكن أن يفرقنا.
بداية
أحترم وجهة نظر الأستاذ فايز سارة والمسوغات التي ساقها في مقاله اعتراضاً على
موقف البيانوني التي جاءت في بيان استقالته من الائتلاف، والذي استوقفني ملياً هو
تفسيره للسبب الحقيقي الذي يقف وراء الاستقالة عندما قال:
"والأمر
الثالث، أنه لا يجوز رؤية موضوع الرسالة، التي يرى الإخوان أنها ضد «إخوانهم
المصريين» بصورة منفصلة عما يفعله الائتلاف وما فعله أحمد الجربا من أجل تطبيع
حضورهم في الائتلاف الوطني وعلاقاته العربية، وهذه ليست منة من أحد".
هذه الإشارة التي أوردها الأخ سارة عن
أن رؤية الجماعة إلى "أن رسالة الجربا هي "ضد إخوانهم المصريين"
أمر لا أعتقد أنه خطر في بال أي واحد ينتمي إلى تنظيم الجماعة أو حتى من مؤيديهم
أو حتى من المنصفين من مخالفيهم، إن خلافنا مع السيسي هو خلاف مبدأ وليس خلاف
شخصي، لأننا كنا سنتخذ نفس الموقف مهما كان لون الحكم الذي وصل إلى مصر عبر
انتخابات حرة ونزيهة وشفافة كتلك التي حصلت عندما فاز مرسي وفازت جماعة الإخوان
المسلمين، وهذا ينسحب على سورية بعد رحيل النظام الباغي فإن الجماعة ملتزمة بكلمتها
وبميثاق الشرف الذي أعلنته قبل الثورة وأكدت عليه بعد الثورة على أنها ستلتزم بكل
ما تفرزه صناديق الانتخاب لأنها تمثل إرادة الشعب التي علينا جميعاً احترامها
والالتزام بها.
ولقد أصبت عين الحقيقة أخي فايز سارة
عندما استدركت أن وجود الجماعة في الائتلاف وحضورهم فيه وحجمهم وثقلهم في بنيانه
أمر لا يحتاج إلى منّة من أحد، وأن ما لحق الجماعة من ظلم في مصر وغيرها لن ينسحب
على الجماعة السورية بعد رحيل نظام الأسد ومستقبل سورية بعده، لأن للجماعة ثقل
جماهيري وقواعد شعبية حاضنة تفتقدها كثير من التنظيمات المعارضة الأخرى.
وأخيراً أنوه أخي فايز سارة إلى بعض
التناقضات التي جاءت في مقالك فانت تقول:
"ورغم
أن البيانوني موصوف بين أعضاء الائتلاف بأنه في عداد الشخصيات الوطنية، فإن موقفه
تقاطع مباشرة مع مضمون بيان أصدره الإخوان المسلمون بمناسبة الرسالة، عارضوا
عنوانها ومحتواها، ثم أضافوا إلى ما سبق اعتراضهم على سياسات الائتلاف في الكثير
من المجالات، دون أن يذهبوا إلى حد الانفصال عن الائتلاف"، ولما كان انضمام البيانوني إلى الائتلاف كشخصية
وطنية مستقلة فإن مواقفه لا تلزم الجماعة والعكس هو الصحيح، وبالتالي فإن تلميحك
إلى أن استقالة البيانوني رداً على رسالة الجربا لأنها جاءت ضد إخوانهم في مصر
تحليل لا يستقيم لأنه كان الأجدر بأن يكون مثل هذا الموقف الذي تتصوره أن تتخذه
الجماعة وهي جزء أساسي من جسد الائتلاف، وقد وقفت موقفاً عقلانياً ووطنياً عندما
أعلنت رفضها لرسالة الجربا للسيسي واعتراضها على سياسات الائتلاف دون الذهاب إلى
الانفصال عن الائتلاف، لأنها تعرف أن مثل هذه الخطوة ستكون لها نتائج وتداعيات لا
يحمد عقباها.
ختاماً
أخي الحبيب أشاركك الرأي فيما ذهبت إليه عندما قلت:
"خلاصة
القول، إنه آن الأوان لإنهاء مرحلة من مراحل سياسات وممارسات المعارضة (ومنها
الائتلاف) بشخصياتها وتنظيماتها في التركيز على التفاصيل والحيثيات وخاصة ما
تعتبره سلبيا منها وتجاهل الإيجابيات، دون النظر إلى الاستراتيجيات والقضايا
الأساسية التي تحتل مكانة هي الأهم بالنسبة للقضية السورية ومستقبلها، التي هي لا
شك أكبر بكثير من رغبات ومصالح الأشخاص والتنظيمات والتكتلات مهما كانت"، وهذا ينسحب عليكم أخي سارة
كما ينسحب على البيانوني وكل المعارضين سواء من كانوا في
الائتلاف أو خارجه، وأن على الجميع احترام الرأي الآخر سواء وافق مزاج مخالفيه أم
لم يوافقهم!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق