جاء النداء في سورة النساء موجهاً إلى ثلاثة أنواع
، فقد:
أ- نادى الناس جميعاً ثلاث مرات ، في
أول السورة وآخرها:
1- يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ
الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ
مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ
بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)
2- يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ
بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ
لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (170)
3- يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ
مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (174)
لا بد من تنبيه البشر كلهم إلى الهدف الذي خلقهم
الله تعالى له وإعلامهم بمهمتهم التي سوف يُسألون عن أدائها في اليوم الموعود
،فتُقام عليهم الحُجّة .فكانت الاية الأولى في هذه السورة للناس وكذلك الآية
الأخيرة ( عود على بدء) إنّ الخطاب الإيماني للجميع ، فما خلق الله تعالى الإنس
والجن إلا ليعبدوه.ولا تكون العبادة إلا بتقوى الله الذي خلقنا من آدم وحواء ،
ونبه إلى أن أصلنا واحد ،ينبغي أن تسوده المحبة والوئام ويتجلى ذلك – أولاً – في
صلة الأرحام.
وحدد طريقَ الإيمان الحق الذي جاء به الرسول الكريم
صلى الله عليه وسلم ،فالدين عند الله الإسلام، ومن سلك غيره بعد أن بُعث الرسول
صلى الله عليه وسلم فقد ضل ، وبهذا نبهنا إلى الطريق الذي يجتمع فيه الأمم جميعاً
في توجُّهها إلى الله تعالى : إنه الإسلام ليس غير.
فكان القرآن الكريم ذلك الضياء أنزله الله تعالى
إلى البشرية ليهتدوا به في طريقهم إلى رضا الله وعفوه وغفرانه.
وعلى هذا كان واجبُ المسلمين – وما يزال- دعوةَ
الأمم كلها إلى عبادة الله وحده والعمل بما أمر ولا ينجح الداعية في مهمته إلا إذا
كان فيها القدوةَ الصالحة.
ب- ونادى
أهل الكتاب مرتين :
1- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ
آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ
وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا
أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً (47)
2- يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي
دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ
وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ
انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن
يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى
بِاللّهِ وَكِيلاً (171)
آمن أهل الكتاب بالله تعالى حين أُرسل إليهم
الأنبياء الكرام ، فلما طال عليهم العهد انحرفوا وبدّلوا فلما جاء الإسلام يوحد
البشرية في عبادة الله وحده دعا أهل الكتاب أن يؤمنوا بهذا الدين الذي ينقذهم من
الضلال ويضعهم على الصراط المستقيم ، فما الإسلام إلا امتدادٌ وتأصيلٌ للشرائع
التي سبقته وآمن بها اليهود ثم النصارى ، وكان عليهم – وهم أهل التوحيد – أن
يسارعوا إلى فلاحهم في الدنيا والآخرة ، فلا يعادوه إنما يكونون جنوداً في نشره ،
فإذا تنكّبوا وأبَواعوقبوا أشدّ العقاب جزاءً وفاقاً.
غالى أهل الكتاب في عقائدهم حين جعلوا المسيح عليه
السلام – وهو عبد الله ورسوله – ابناً لله فاتخذوه إلهاً ، وجعلوه ثالث ثلاثة ،
فضلوا ضلالاً بعيداً وكذلك فعل اليهود إذ اتخذوا عُزيراً ابناً لله تعالى ، ويضل
الناس حين يًسقطون على ذات الله صفاتهم البشرية وهو الله الذي لا إله غيره تعالى
عن الشبيه والمثيل والشريك.
وفي متابعة خطاب القرآن للناس جميعاً ولأهل الكتاب
نجده يؤكد على وحدانية الله وإفراده بالألوهية والعبادة .
ج- ونادى المؤمنين
تسع مرات:
1- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ
لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهًا وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ
بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ
شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)
2- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ
تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً
عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ
رَحِيمًا (29)
3- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ
تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ
وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم
مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ
لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا
فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا
(43)
4- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ
تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
(59)
5- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ
حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا (71)
6- يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ
وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا
تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ
كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ
اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)
7- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ
قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ
الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللّهُ
أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ
أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)
8- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ
بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ
الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ
وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا (136)
9- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ
تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن
تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا (144)
في خطاب القرآن للمؤمنين الموحدين نقف على أمور عدة
، منها :
1- الثبات على التوحيد
2- النزاهة في التعامل ، والحفاظ على حقوق الناس
3- طاعة الله ورسوله.
4- الجهاد في سبيل الله ، والحذر في قتال العدو.
5- الإيمان بالرسل كلهم.
6- التنزه عما يعيب المسلم
7- ( اسلوب تربوي مهم)التدرّج في التزام الشرائع
8- ديننا يسر يستوعب أحوال الناس وحاجاتهم.
من ذلك معاملة الزوجة بالحسنى ( استوصوا بالنساء
خيراً ) فلها في الحياة حقوقٌ كما أنّ عليها واجبات .فلا يكرمهنّ إلا كريم ولا
يظلمهنّ إلا لئيم . ولا يجوز إيذاؤهنّ وأكلُ مهورهنّ أو إيلاؤهنّ والتضييقُ عليهنّ
ليتنازلن عن بعض حقوقهنّ.
والمسلم يحفظ حقوق جيرانه وأهله وأقاربه وشركائه
فلا يعتدي على حق أحد منهم أكان مالاً أم عقاراً أم أمانة وغير ذلك . ولا يأكل
الربا ولا مال اليتيم ولا ينتحر أو يستبيح دماء المسلمين وأهل الذمّة. يحافظ على
حرية الآخرين وجمال الحياة في المجتمع.
ولعلنا نجد التدرّج في التزام الشريعة في قصة تحريم
الخمر، وهذا دليل على بناء المجتمع المسلم بشكل صحيح يشد عراهّ ويقوي أساسه. وقد
يُنكر بعضهم التدرّج في عودة إلى الشريعة هذه الأيام بعد أن استقرت الأحكام
،فالجواب انّ مجتمعنا الذي نعيشه جاهلي بعيد عن الدين فنأخذه إليه خطوة خطوة
.منبهين إلى أن المسلم لا يكون مسلماً إلا إذا أسلم امره إلى شرع الله ونبذَ
الكفر.
كما أن ذروة سنام الإسلام الجهادُ في سبيل الله
والدفاع عنه ونشره بالحسنى في أرض الله والعملُ بنشاط ودأب لتحقيق ذلك ، وليس
للمسلم أن يكفِّر المسلمين ويحكم عليهم بالردة
لمجرد أنهم خالفوه في بعض المفاهيم المختلف فيها، وحادثة أسامة بن زيد حين
قَتَل من نطق بالشهادتين دليل على حرمة دم المسلم.
وتدعو هذه الآيات الكريمة إلى الإيمان الكامل بالله
ورسله واليوم الآخر والكتب السماوية كلها والملائكة ولا يتم الإيمان إلا إذا تحققت
فيه كل أركان الإيمان ،
ولاء المسلم لله ورسوله وللمؤمنين فإن تغير الولاء
إلى غيرهم من أهل الكتاب والمشرين سقط صاحبه في بؤرة الضلال وغضب الله عليه ووكله
إلى فساده وضلاله .
هذا بعض ما
أوحت به آيات النداء في سورة النساء ، نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمع القول
فيتبع أحسنه
....إنه سبحانه ينادينا ..فهل سمعنا النداء؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق