الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2014-09-14

يا حسرتي مات وما راح لندن – بقلم: محمد فاروق الإمام

أيام الحرب الإيرانية العراقية وبالتحديد عام 1986 وكنت يومها أقيم في العراق منفياً قسرياً من بلدي سورية بحكم القانون رقم 49/1980 الذي أصدره الأسد الأب والذي يحكم على كل منتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين بالموت بأثر رجعي، كحالي اليوم وقد فررت من بلدي سورية بعد أن عدت إليها وقد نازعني الشوق إلى ترابها بعد فراق دام أكثر من 33 سنة بفعل إمطار الأسد الابن لمدننا وبلداتنا وقرانا ومنازلنا ببراميل الموت المتفجرة وصواريخ سكود المدمرة والقنابل الفراغية النازعة للأرواح والرؤوس الكيماوية الخانقة للنفس البشرية، والتي تحصد يومياً المئات من السوريين عامة، بغض النظر عن الانتماء الديني أو العرقي أو الطائفي أو السياسي، فإذا حكم الأسد الأب على جماعة الإخوان المسلمين بالموت وهم يعدون بعشرات الآلاف، فإن الأسد الابن قد حكم على كل السوريين بالموت وهم يعدون بالملايين.


أقول: في تلك الأيام الحزينة التي كانت تعصف بالعراق وتحصد العراقيين كان لنا جار حان وقت تأدية أحد أولاده الخدمة الإلزامية بعد أن أنهى دراسته الأكاديمية، ولكن هذا الابن الجبان آثر الانتحار على أن يذهب إلى الجبهة ليقاتل، وأنهى حياته على طريقته الخاصة، وكان لابد لنا من القيام بالواجب والذهاب للتعزية بحكم الجوار، وعند جلوسنا راحت الأم تندب ولدها المنتحر قائلة: ولدي فدوى لصدام حسين بس يا عيني عليه مات وما راح لندن...

وما دفعني لاستذكار ما سمعته من أم ذاك المنتحر ما وصلني عبر بريدي (النيت) هذه الوثيقة المخيفة والمرعبة أنقلها كما جاءت على ذمة مرسلها:
"نود أن نتقدم بأسمى التبريكات وأطيبها لجلالة الملكة اليزابيث الثانية، ملكة المملكة المتحدة، داعين من المولى العلي القدير أن يوفق جلالتها لما فيه خير العراق وخير رعاياها الذين سيتولون مناصب سيادية في العراق، وهم:
رئيس الجمهورية: فؤاد معصوم// بريطاني الجنسية
نائب رئيس الجمهورية: أياد علاوي//بريطاني الجنسية
رئيس الوزراء: حيدر العبادي//بريطاني الجنسية
نائب رئيس الوزراء: هوشيار زيباري//بريطاني الجنسية
نائب رئيس الوزراء: بهاء الأعرجي//بريطاني الجنسية
وزير الخارجية: إبراهيم الجعفري//بريطاني الجنسية
وزيرة الثقافة: ميسون الدملوجي//بريطانية الجنسية
ملاحظة: تنص المادة 18 من الدستور العراقي: "على من يتولى منصباً سيادياً أو أمنياً رفيعاً، التخلي عن أي جنسية أخرى مكتسبة".

فإذا كان من سيحكم العراق بعد كل تفجير هذه الأنهار من الدماء على أرضه هم من التابعية البريطانية؛ يمكننا أن نلتمس لأمريكا والغرب العذر في تسابقها لنجدة هؤلاء الذين يعتزون بجنسيتهم البريطانية والذين يقدمون الولاء لولية نعمتهم جلالة الملكة إليزابيث الثانية مستنكرين الاعتزاز بهوية الوطن الذي ولدوا ونشؤوا وترعرعوا على أرضه، تحت غطاء مكافحة الإرهاب والتطرف الديني المتمثل بداعش التي استولت في سويعات على مناطق شاسعة من أرض العراق ومدنه وبلداته بعد فرار الجيش الطائفي العراقي أمامها مخلفين أحدث الأسلحة التي زودتهم بها أمريكا وبريطانيا، وكأن الأمر دبر بليل، وهذا يذكرنا بالقرار الذي أصدره وزير الدفاع السوري حافظ الأسد لجنود الجيش السوري في الثامن من حزيران عام 1967 بالانسحاب الكيفي من الجولان وترك ما لديهم من سلاح وعتاد غنيمة للجيش الصهيوني الذي دخل القنيطرة ولم يجد أمامه جندياً سورياً واحداً يوقف زحفه باتجاه دمشق.

نعم.. كما دُبر بليل دخول القوات الصهيونية القنيطرة عام 1967 دون دفع أو مدافعة أو مقاومة، دُبر بليل دخول بضعة آلاف يسمون (داعش) شمال العراق والاستيلاء على المدن الكبرى الموصل وتكريت وكركوك ويصلون إلى مشارف بغداد، دون أن تحرك أمريكا وبريطانيا ساكناً واسطولهما البحري يملأ مياه الخليج العربي!!

ويوم أمس عقد في جدة اجتماع دولي ضم كيري وزير خارجية أمريكا ووزراء خارجية دول الخليج بالإضافة إلى العراق والأردن وتركيا الهدف منه إشغال العرب بعدو مفترض سماه كيري والغرب وإسرائيل "إرهاب داعش" الذي يهدد العالم ومنطقة الشرق الأوسط، بعيداً عن قضيتهم الأولى فلسطين، وبعيداً عما يجري في سورية من مجازر على يد كبير الإرهابيين بشار الأسد وميليشيات الحقد الطائفي القادمة من لبنان والعراق لدعم النظام المتهالك، والمد بعمره كي يتمكن من قتل المزيد من أطفال سورية ونساء سورية ورجال سورية، وتخريب وتدمير المدن والبلدات والقرى، الذي سيستوجب في قابل الأيام الانشغال بإعادة بناء كل هذا التدمير الذي سيأخذ من السوريين عقوداً من الجهد والتعب والمال، لتنعم إسرائيل بمزيد من الأمن والأمان على أرضنا المحتلة في الجولان.

رحم الله إبراهيم اليازجي عندما قال:
تنبهوا واستفيقوا أيها العرب.. فقد طمى الخطب حتى غاصت الركب
فيم التعلل بالآمال تخدعكم.. وأنتم بين راحات الفنا سلب

الله أكبر ما هذا المنام فقد.. شكاكم المهد واشتاقتكم الترب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق