في سورة الأعراف ينادي الله سبحانه بني آدم مبيناً
فضله عليهم، داعياً إياهم إلى التقوى ، ويحذرهم من الشيطان وأحابيله ،ويأمرهم بالتزام
آداب زيارته في بيوته، وأنه سبحانه لم يكن ليتركهم يعيشون الحياة الدنيا دون توجيه
وتربية وتعليم فأرسل إليهم أنبياءه الكرام.
ثم ينبه الناس على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم إلى
الإيمان به وطاعة نبيه ليكونوا من المهتدين .
ليس في هذه السورة نداء خاص للمؤمنين إنما هو نداء
للناس جميعاً دون استثناء أن يكونوا عباده الصالحين ، فهو سبحانه يريد الخير لهم
في الدنيا والآخرة وسيجزيهم – إن لبّوا وأطاعوا خير الدنيا والآخرة.
وفي هذه السورة الكريمة أربعة نداءات لبني آدم
ونداء واحد للناس كلهم .
يا بني آدم:
1- يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ
لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ
ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) الأعراف
إن
الله تعالى يمُنُّ على عباده بما جعل لهم من لباس يسترعوراتهم من ضرورات الحياة
وزينتها.
لبس أبو أمامة ثوبا جديدا فلما بلغ ترقوته قال
الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في حياتي ، ثم قال سمعت عمر بن
الخطاب يقول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من استجَدَّ ثوبا
فلبسه فقال حين يبلغ ترقوته الحمد لله الذي كساني ما أواري به عورتي وأتجمل به في
حياتي ثم عمد إلى الثوب الخلق فتصدق به كان في ذمة الله وفي جوار الله وفي كنف
الله حيا وميتا ". إلاّ أن لباس التقوى والإيمان أعظم ما يتزين المرء به وبه
يتجمّل ويُعرف.
وما
أروع ما رواه عثمانُ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في لباس التقوى " والذي نفس محمد بيده ما أسرَّ أحد سريرة
إلا ألبسه الله رداءها علانية إن خيرا فخير وإن شرا فشر " فمهما أراد الإنسان
أن يتزيا بما ليس فيه فضحه الله وعرّاه. ثم قرأ هذه الآية " وريشا ولباس
التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله "
فقد
جمّلنا المولى بالثياب المادية على اجسادنا وجمّلنا بالأخلاق والأعمال الحسنة التي
تكتب في صحائفنا وتتجلّى في حركاتنا وسكناتنا إن كنّا صالحين عاملين بما نقول .
2- يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ
الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا
لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ
مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء
لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ (27) الأعراف
قال
ابن كثير رحمه الله : يحذر تعالى بني آدم من إبليس وقبيله مبينا لهم عداوته
القديمة لأبي البشر آدم عليه السلام في سعيه في إخراجه من الجنة التي هي دار
النعيم إلى دار التعب والعناء والتسبب في هتك عورته بعدما كانت مستورة عنه وما هذا
إلا عن عداوة أكيدة وهذا كقوله تعالى " أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم
لكم عدو بئس للظالمين بدلا " .وقال تعالى " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه
عدوّاً"كما أن الشيطان نفسه قال موضحاً ما في نفسه من عداوة لبني البشر :
"فبعزتك لاُعوينّهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلَصين" الحجر (الآية
40)وإذا كان الشيطان عدوَّنا الأول مصرحاً وملمحاً أفلالا ينبغي الحذر منه والناي عنه؟.ولئن
استطاع أبليس أن ينزع عن أبوينا لباسهما فتظهر سوءاتهما إنه في الارض ينزع الإيمان
والشرف زالمروءة والطهر والعفاف من قلوب البشر وعقولهم وصدورهم.ومما يساعده على
تنفيذ مهمّته العدائية أنه يرانا ولا نراه فهو يوسوس لنا إذ يجري في ابن آدم مجرى
العروق من الدم. ويلتقم قلوب اتباعه ويخدّر عقولهم ويجثم على صدورهم أعاذنا الله
من إبليس وذريته وأتباعه.
3- يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ
كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ
الْمُسْرِفِينَ (31) الأعراف.
هي
دعوة لعمارة المساجد أولاً والحفاظ على نظافتها الظاهرة ثانياً مع التنبّه إلى
نظافة القلوب والافئدة مما يسيء إلى الأهل الإيمان ، فلا غلّ ولا كراهية ولا حقد
ولا حسد. يدخلها المسلم بثياب نظيفة متعطّراً لا يشم أخوه منه غير الرائحة الطيبة ،
والثياب زينة وستر، والتجمل في الصلاة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا سيما
يوم الجمعة ويوم العيد والطيب لأنه من الزينة والسواك لأنه من تمام ذلك ومن أفضل
اللباس البياض
كان
المشركون يطوفون بالبيت عراة :الرجال نهاراً والنساء ليلاً وكانت المرأة تقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم
،وكفنوا فيها موتاكم ،وإن خير أكحالكم الإثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر "
قال
بعض السلف جمع الله الطب كله في نصف آية " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا "
وقال البخاري قال ابن عباس : كل ما شئت والبس شئت ما أخطأتك خصلتان سرف ومخيلة وقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كلوا واشربوا والبسوا وتصدقوا من غير
مخيلة ولا سرف فإن الله يحب أن يرى نعمته على عبده "
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن من السرف أن تأكل كل ما اشتهيت" .
ولعلنا نقع في هذا كثيراً غذ نهتم بالمأكل والمشرب اكثر مما ينبغي.
4- يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ
مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ
عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (35) الأعراف
لا
يُترك البشر يعيشون على غير هدى ، يقودهم الشيطان وتدفعهم الشهوات إلى المهالك،
فبعث إليهم رسلا يقصون عليهم آياته، ورغَّب
وحذَّر، وعلّم وبيّن كيلا يكون لهم حجة يوم القيامة .
والناجح
في سعيه من كان تقياً (عَلِم وعمل )وأصلح ما كان أخطأ فيه فإن فعل ذلك نجى من
العقوبة وفاز بالثواب فكان من أهل الجنة يعيشون أبد الدهر في أمن وأمان وسعادة
ورخاء.
دعوة
النبي صلى الله عليه وسلم:
قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ
إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ
إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ
الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ (158)الأعراف.
1- لا بد
من التصريح بدعوة الله ، وهذا ما فعله الحبيب المصطفى إذ أمره المولى سبحانه أن
يدعو إلى عبادة الله وحده وطاعته.
2- وهو – صلى الله عليه وسلم- رسول الله إلى البشر
كافّة، وهذا من شرفه وعظمته صلى الله عليه وسلم وهو خاتم النبيين.
3- يستحق الله تعالى العبادة لان الأمر كله بيده ،
فهو الخالق المحيي ، وهو القابض المميت ، بيده الحياة والرزق ، والنفع والضرّ
4- والرسول أو الداعية قدوة يؤمن بما يدعو إليه
وكلما كان الداعية مخلصاً لله كان قريباً إليه أثيراً لديه.
5- إن اتباع القدوة الصالحة طريق معبّدة إلى الله
تأخذ بيده على هدى مستقيم إلى الغاية والهدف .
وعلى هذا نسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : "
والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا
دخل النار" .
6- ولما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس
عامّة عرّف بالله تعالى فقال: " إن الذي أرسلني هو خالق كل شيء وربه ومليكه
الذي بيده الملك والإحياء والإماتة وله الحكم " فإذا عرف الإنسان الغاية
وفهمهما ، وتعرّف إلى ربه سبحانه أحبّه وأطاعه ..اللهم اتجعلنا من عبادك هؤلاء.
إنه سبحانه ينادينا ، ويأخذ بايدينا إلى مرضاته
لنكون من السعداء الناجين ...فهل سمعنا النداء؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق