الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2014-09-11

داعش في طريق الانحسار – بقلم: فادي شامية- إسطنبول

المستقبل - الاثنين 8 أيلول 2014 - العدد 5144 - صفحة 15
http://www.almustaqbal.com/v4/Article.aspx?Type=NP&ArticleID=631247
الوضع في سوريا في ثلاجة أصحاب القرار. لا جديداً استراتيجياً متوقعاً، سواء على مستوى موازين القوى على الأرض، أو على المستوى السياسي، ولا حتى على مستوى الاهتمام. وحدها داعش سيدة المشهد الآن، وموضع الاهتمام الدولي.

في الأثناء يحاول النظام السوري تحسين مواقعه على الأرض، وتثبيت أمر واقع في السياسة مفاده أن بشار الأسد باق، وأن التفاوض يجري بما هو دون ذلك. ويراهن النظام السوري على إعادة إنتاج نفسه، من خلال بناء تفاهم جديد؛ قدّم فيه وليد المعلم عرضاً علنياً لأميركا وأوروبا - التي شطبها سابقاً من الخارطة -، للتحالف من أجل القضاء على داعش، وصولاً إلى القضاء على المعارضة المسلحة.


من جهتها؛ تبدو الولايات المتحدة وأروبا وحتى "إسرائيل" غير مستعجلة للقضاء على داعش في سوريا، لأن الإستراتيجية القائمة (الأمريكية–الإسرائيلية تحديداً) تقوم على أساس إبقاء الوضع على ما هو عليه، بحيث يتعب الجميع ويفنى الجميع؛ سواء كانوا إسلاميين سنة أو شيعة، وبذلك يتحقق لـ "إسرائيل" جملة أهداف أهمها؛ تدمير سوريا واستنزاف كل من يرغب بقتالها. وتشكل هذه الأهداف حالياً إستراتيجية الولايات المتحدة في مقاربة الملف السوري القائمة على؛ "تحقيق أهداف "إسرائيل"، وإنهاك القوى المتصارعة لتهيئتها لقبول حل سياسي حالما تُخرِج الظروف فريقاً سورياً يملك نصاباً سياسياً لتثبيت حل؛ ترضى عنه الولايات المتحدة ويحقق مصالحها.

وإلى أن يتحقق ذلك؛ تميز الولايات المتحدة بين داعش في العراق وداعش في سوريا. داعش كفصيل مسلح ينهش في النظام السوري حيناً وفي الثورة السورية أحياناً لا يزعجها، بقدر داعش الذي اتخذ من الموصل عاصمةً لدولته وبما يهدد المصالح الأمريكية؛ سواء بمحاولة تمدده نحو إقليم كردستان، أو من خلال التعدي على أمريكيين، أو مصالح أميركا في العراق.

وعلى هذا الأساس تعتبر الضربات الجوية الأمريكية هي الإستراتيجية المتبعة حالياً لتقليم أظافر داعش، وهي إستراتيجية ستؤدي –إذا ما ترافقت مع قتال بري تتولاه جهة عراقية- إلى اندحار داعش عن العراق وانزياحها إلى سوريا، الأمر الذي سيشكل تأجيجاً للوضع هناك، واضطرار الولايات المتحدة إلى العمل على التدخل ضد داعش في سوريا، كما فعلت في العراق.

وفي مواجهة هذا السيناريو يعمل البيت الأبيض على بلورة إستراتيجية شبيهة لإستراتيجيته في العراق، بحيث يتولى طيران الحلفاء الغارات الجوية، ويتولى مقاتلون سوريون؛ تسلحهم وتدربهم الولايات المتحدة على ضرب داعش وملء الفراغ الذي تتركه في المناطق التي تنهزم فيها.

ومع أن النظام السوري لا يتوقف عن عرض خدماته لـ "الشراكة في مواجهة الإرهاب" والإعلام التابع أو الداعم له يروج أن الغرب يطلب هذه الشراكة، وأن النظام السوري أصبح حاجة دولية، لأن البديل هو داعش؛ فإن الإستراتيجية الأمريكية لا يبدو أنها في هذا الوارد، لأن صلة النظام السوري في خلق بيئة مواتية لداعش أو تركها تنمو أو اختراقها أمور ثابتة، وتالياً فإن إعادة إنتاج النظام السوري لا يعني نهاية الإرهاب؛ أقله مرحلياً، فضلاً عن أن دولاً عربية حليفةً للولايات المتحدة تعارض بشدة إعادة ضخ الحياة للنظام السوري.

وتطلب الولايات المتحدة حالياً من الائتلاف الوطني السوري أن يكون شريكاً في قتال داعش، علماً أن الفصائل المقاتلة على الأرض تمانع حالياً أن تكون وقوداً لهذه الحرب، لأنها قاتلت داعش بالفعل قبل مؤتمر جنيف مطلع العام الحالي، بعد وعود بتسليح واسع، ولما تمكنت من دحر داعش عن مناطق كثيرة لم تحصل من الوعود على شيء.   

لكن الولايات المتحدة عازمة على ما يبدو، على تكوين قوة عسكرية سورية تكون لها اليد الطولى في اختيار وتدريب وتسليح وأمرة عناصرها، لأنه في حال انزاحت داعش إلى سوريا وركزت قوتها هناك، فإنها ستكون أكثر خطراً على المصالح الأمريكية والتوازنات الميدانية في سوريا، وهذا ما تخشاه الإدارة الأمريكية حالياً.

في واقع الحال ثمة عوامل كثيرة على درب نهاية داعش؛ السخط العالمي؛ الشعبي والرسمي على هذه المنظمة، لا سيما بسبب سياسة إعدام الخصوم والأبرياء بوسائل همجية، واضطهادها الأقليات الدينية، وتعرضها للنساء واتخاذ بعضهن سبايا... وذلك كله عجّل في قيام تحالف دولي- أطلسي ضد هذه المنظمة - من شأنه أن يضعفها إلى حد بعيد.

كما يعجل في نهاية داعش استقطابها الأعداء من العالم كله (تهديدها القوقاز مؤخراً على سبيل المثال) وافتقادها الحلفاء، بما في ذلك الذين يحملون المنهج الفكري نفسه، بل قتلها لوجوه بارزة من التنظيمات التي يُفترض أنها حليفة (أبو حسين الديك مهندس الأنفاق في حركة صقور الشام، وأبو المقدام النبشي صائد الدبابات في القلمون، وأبو خالد السوري وأبو سعد الحضرمي ومحمد فارس من قادة أحرار الشام، واللواء محمود شلاش أحد قيادات العمل العسكري في الرقة...)، يضاف إلى ذلك الخسران التدريجي للبيئة التي تعمل فيها داعش، بسبب التشدد المرهق، وفرض الرؤية الواحدة، والمس بالمعتقدات الدينية للمسلمين (تفجير عدد من المساجد لأهل السنة مثلاً...).

لكن الأمر ليس بهذه البساطة؛ إذ ثمة عوامل أخرى تمد في عمر داعش أو بالأحرى تؤخر نهايتها، من بينها؛ وفرة المال والسلاح، واستقطابها الشباب بدعوى أنها تمثل الخلافة الإسلامية وترفع راية الجهاد، وأهم من ذلك كله؛ إشباعها رغبة الغاضبين بالانتقام لدينهم ومقدساتهم جراء الممارسات الإرهابية والطائفية للنظامين السوري والعراقي ومنظمة "حزب الله" خصوصاً، واستفحال خطر المشروع الإيراني في المنطقة عموماً.


من الآن وحتى يحين أوان نهاية داعش – وهو مرهون بتطور الأوضاع في المنطقة- فإن قدر دول الجوار السوري والعراقي أن تتأثر بما يجري؛ ولا سيما لبنان، الذي ينوء بحمل يزيد عن قدرته فيما خص النازحين السوريين – ولاحقاً العراقيين - إضافة إلى احتمال تعرضه مجدداً إلى موجة من العمليات الإرهابية، وأخطر من ذلك كله؛ الوضع القائم منذ مدة والذي باتت بموجبه الدولة اللبنانية منخرطة في حرب مع إرهاب مجنون؛ يستفيد منه وجها التطرف؛ داعش و"حزب الله".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق