الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2014-11-14

الخوارج تاريخ وعقيدة، الحلقة (11) الجلندي بن مسعود أول الخارجين على الدولة العباسية بقلم: محمد فاروق الإمام

رأينا سابقا كيف أن الخوارج منذ أن فارقوا علي بن أي طالب رضي الله عنه أخذوا في تضخيم السخط على مخالفيهم والحث الشديد على محاربتهم وتضخيم خطاياهم، في كل مسألة ينادون بأعلى أصواتهم: لا حكم إلا لله لا لعلي ولا لبني أمية ولا لبني العباس ولا لأحد، الحرب، الحرب، لهذا فقلما يجتمع منهم جماعة إلا وسارعوا وأعلنوها حربا شعواء لا يمكن أن تنتهي إلا بمنتصر ومهزوم. 
فقد خاضوا مع بني أمية كما تقدم حرباً لا هوادة فيها كلفوا أنفسهم خسائر ضخمة، وكلفوا الخلافة من الأنفس والأموال ما لو أنفق في الجهاد والفتوح لدان لهم أهل الأرض!


كما هو حالنا اليوم مع داعش التي أزهقت مئات الأرواح من شباب الجيش الحر في حربها عليهم لأنهم، في زعمها، مرتدون كفرة، إضافة لإزهاق أرواح المئات من عناصرها في تلك الحرب المجنونة من الأبرياء الذين جاؤوا لنصرة إخوانهم في سورية، ولو أن هؤلاء الدواعش آزروا الجيش الحر على المجرم بشار الأسد لما رأينا أنهار الدماء تجري في كل بقعة من الأرض السورية، ولما شاهدنا الخراب والدمار الذي حل بالمدن والبلدات والقرى السورية، ولما شاهدنا الملايين من المهجرين والنازحين السوريين!!
 استمر الخوارج طوال عهد الدولة الأموية وهم في صراع حاد معها فأوهنوا قوتها وأوهنت قوتهم، وكانوا كالحسكة في حلق كل خليفة لا يخف ألمه إلا ليبدأ من جديد، وهكذا إلى أن غير الله الحال وانتهت الدولة الأموية برأسها؛ وخلفتها الدولة العباسية وما زال مرجل الخوارج يغلي ولكنه يغلي على بقية جمر كاد أن يصير رمادا، واختلف الخوارج أيام الدولة الأموية عن خوارج الدولة العباسية، فالخوارج  على بني أمية كانوا أكثر جمعا وأشد بأسا، أما الخوارج  على بني العباس فكانوا كما وصفهم أحمد أمين بقوله: "كان الخوارج في حالة الاحتضار وحركاتهم التي أتوا بها في العهد العباسي تشبه حركة المذبوح".
ومن هنا توالت عليهم الهزائم فلا يخرجون على خليفة إلا ورماهم بكل ما لديه من ثقل إلى أن أصبحوا  في وضع لا يمكنهم فيه أن يلفتوا إليهم نظرا، فلا يخشى بأسهم ولا يحسب لقوتهم مثل ما كان لأسلافهم.
وكانت هذه الهزائم المتوالية للخوارج سببا في ضعف أمرهم وقلة شأنهم؛ فلم يعد لهم من القوة والقتال أثر في التاريخ كبير.
ولنبدأ الآن بذكر أشهر الخارجين على الدولة العباسية، وأول الخارجين كان الجلندي الذي خرج على أبي العباس السفاح، ويسمى الجلندي بن مسعود بن جيفر الأزدي، فقد أراد هو وأصحابه من أهل عُمان صد جيش الخلافة عن دخول بلادهم، وكان قائد جيش الخليفة أبي العباس السفاح، رجلا يسمى خازم بن خزيمة فالتقوا في الصحراء فاقتتلوا قتالا شديدا يوما كاملا، ثم استأنفوا القتال في اليوم الثاني في معركة لا تقل عن اليوم الأول، ثم هدأت الأمور قليلا ولكنهم استأنفوها على أشدها.
وقد فكر خازم في حيلة أشار بها عليه رجل من أهل الصغد وهي أن يجعل كل جندي على طرف سنانه مشاقة، وهي ما خلص من القطن والكتان والشعر، ويرووها بالنفط ثم يشعلوا فيها النيران ثم يقذفوها على بيوت الجلندي وأصحابه، وتمت هذه الفكرة بنجاح فاشتعلت النار في البيوت وكانت من خشب فاشتغل أصحاب الجلندي بإخراج أهلهم وأموالهم عن النار، وعندها مال عليهم جيش خازم يقتلونهم كيف شاءوا وانتهت المعركة بقتل عشرة آلاف منهم، ثم أخذت رؤوسهم وبعث بها إلى البصرة فمكثت أياما ثم بعث بها إلى الكوفة إلى أبي العباس.
وخرج بعد ذلك ملبد بن حرملة الشيباني على المنصور بناحية الجزيرة بالعراق، وكان فيه شجاعة شبيب ودهاؤه وخبرته بالحرب وأنواعها.
خرج إليه  في أول الأمر ألف فارس من المرابطين  في الجزيرة فهزمهم، ثم تتابعت الجيوش بعد ذلك على حربه فسارت إليه روابط الموصل فهزمهم، ثم سار إليه يزيد بن حاتم المهلبي فهزمه، وعجز الناس عنه فبعث إليه أبو جعفر المنصور مولاه المهلهل بن صفوان  في ألفين من نخبة الجند فهزمهم، ثم وجه إليه آنذاك آخر خراسانيا يسمى نزارا فهزمهم، ثم وجه إليه صالح بن مشكان فهزمهم، ثم وجه إليه صالح بن صبيح فانهزم أيضا، ثم سار إليه حميد بن قحطبة فهزمه هو الآخر.
فأرهب الناس وأهمهم أمره، ثم وجه إليه أبو جعفر عبد العزيز بن عبد الرحمن وضم إليه زياد بن مشكان فانهزما أيضا، فبعث إليه المنصور خازم بن خزيمة  في ثمانية آلف فدارت بينهم معركة قتل في نهايتها ملبد وأكثر جيشه وهرب من بقي منهم متسللين بأنفسهم.
وقد خرج على المنصور أيضا أهل المغرب بقيادة أبي حاتم الإباضي. ويسمى يعقوب بن حبيب، وكان عامل تلك الجهة، وهي طرابلس، يسمى الجنيد بن بشار فكتب إلى عمر بن حفص القائد العام لإفريقية يستمده فأمده بعسكر التقى مع الإباضية في معركة فانهزموا أمام أبي حاتم إلى قابس، فلحقهم وحاصرهم فيها، ثم حاصر القيروان وكثر أتباعه وضيق عليها الحصار مدة ثمانية أشهر حتى أكلوا دوابهم وكلابهم.
وفي هذه الأثناء جاءهم الخبر بوصول عمر بن حفص فاستبشروا وجاء عمر حتى نزل مكانا يسمى الهريش، فلما علم أبو حاتم ترك حصار القيروان وحول جمعه لملاقاة عمر، فلما علم بهم عمر، وكان في سبعمائة فارس ذهب إلى تونس فتبعه البربر فعاد إلى القيروان مسرعا وأدخل إليها كل ما يلزم من دواب وطعام وغير ذلك، فجاء أبو حاتم إلى القيروان وحاصرها كحصار المرة الأولى حتى أجهدها وكانوا في أثناء الحصار تحصل بينهم مناوشات غير مجدية، وهنا عزم عمر على منازلتهم كيفما كانت النتيجة ثم التحم معهم في معركة قتل فيها، فقام بالأمر بعده أخوه لأمه حميد بن صخر فوادع الثائرين ريثما يجيء مدد الخليفة المكون من ستين ألفا على رأسهم يزيد بن حاتم بن قتيبة بن المهلب، ثم حصلت حروب عدة قضي فيها على تلك الحركات جميعها في معارك بلغت 375 معركة فيما قيل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق