سورة ( المنافقون) فضيحة
كبرى لهم فقد شهد المولى سبحانه أنهم كاذبون في دعواهم (الإيمان)، فهم يعترفون
للرسول صلى الله عليه وسلم بالنبوّة لساناً ، وقلوبهم منكرة لذلك ،فوصفهم الله
تعالى بالكذب
" إذا جاءك المنافقون
قالوا : نشهد إنك لرسول الله ، والله يعلم إنك لرسوله ، والله يشهد إن المنافقين
لكاذبون" سورة المنافقون الآية -1.
وما أكثر الذين يكذبون
فيحلفون الأَيمان الغليظة إنهم لعلى حق ، يُظهرون الموافقة بلسان عسليٍّ ينقط منه
سمُّ الأفاعي القاتل.
ولكِن نتساءل : هل دخل
الإيمان إلى قلوبهم ثم ارتدّوا أو ظلوا – ابتداءً من الكافرين؟ والجواب صريح في
هذه السورة ( ذلك بانهم آمنوا ثم كفروا ، فطُبع على قلوبهم فهم لا يفقهون) ،فقد
دخل الإيمان قلوبهم فترة ،ثم انقلبوا على أعقابهم كافرين ، فكانت قلوبهم أظلم من
قلوب الكفار الذين لم يؤمنوا أبداً . هؤلاء عرفوا الحقيقة وأنار الإسلامُ قلوبهم ،ثم
انقطع النور فجأة فعاشوا في ظلام أشد مما كانوا عليه قبل إسلامهم.
من صفات هؤلاء المنافقين
في هذه السورة الفاضحة:
1- أنهم كاذبون ، يستمرئون
الكذب ليُضلوا الناس عن الحق.
2- قلوبهم – بسبب ارتدادهم
مُربَدَّة سوداءُ، موسومة بوسم الجهل وسوء التصرّف.
3- حبهم للحياة – أيّةِ
حياة – يخافون الموت ويفرون من المعركة
4- منظرهم غير مخبرهم ،
يعجبك منظرهم وحديثهم ،ويفضحهم جبنهم وخوفهم.
5- يستكبرون على الإيمان ويكرهون
النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين .
6- يدْعون عملياً إلى
مقاطعة المسلمين والتضييق عليهم مادياً ومعنوياً لصرفهم عن الدين.
7- يصرحون في فلتات
ألسنتهم بالكره العميق للإسلام واهله ، ويودون للمسلمين الذلة والانكسار.
يأتي النداء الإلهي - بعد
فضح المنافين :
"يا أيها الذين آمنوا
لا تُلهكُم أموالكُم ولا أولادُكم عن ذكر الله ، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون
، وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتيَ أحدَكُم الموتُ فيقولَ : ربِّ لولا أخرتني
إلى أجل قريب فأصَّدّق وأكنْ من الصالحين ، ولن يؤَخِّرَ الله نفساً إذا جاء
أجلُها ، والله خبير بما تعملون"
يحض المؤمنين على :
1- ذكر الله تعالى الدائم
، بل ينبغي أن يكون من أولويات الحياة الدنيا . ولن ينفع المرءَ ولدُه ولا ماله إن
قصر في عبادته لله تعالى
2- الإنفاق في سبيل الله
علامة الإيمان به سبحانه فالله تعالى هو الرزاق ، والمال فضلٌ منه وخير ، وما يكون
شكر الله إلا بالإنفاق في سبيل الله "يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم
من قبل أن يأتي يوم لا بيعٌ فيه ولا خُلّةٌ ولا شفاعةٌ ، والكافرون هم الظالمون
" البقرة 254 ، وعند الموت ولقاء الله يُحس المسلم أنه كان بخيلاً شحيحاً
ويتمنّى لو كان كريماً ، ويسأل الله أن يُعيده للحياة ليكون من أهل البرّ والجود ،
وهيهات هيهات .كان ما كان وأتى ما هو آتٍ
وتابعْ معي هذه الصورة متدبراً حال الكفار يستجْدون
العودة إلى الدنيا ليؤمنوا ويُصلحوا ما كان ، " وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول
الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من
قبل ما لكم من زوال " وتأمل الصورة الأخرى المشابهة في قوله تعالى : "
حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعملُ صالحا فيما تركت. كلا إنها كلمة
هو قائلها ،ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون " .
فهل يستجيب الله لهم ، حاشا وكلاّ، لقد سبق السيفُ
العذلَ،
فهل وعينا نهايتنا فعملنا لما يُنجينا .. اللهم
أعنّا على ذكرك وشكرك وحُسْن عبادتك.
ملاحظة نحويّة توضح المعنى:
قوله
تعالى: " ربِّ لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصَّدّق وأكنْ من
الصالحين"
المقصود : ربِّ: لولا
أخّرتني إلى أجل قريب فأصَّدَّقَ، فإنْ أصَّدَّقْ أفُزْ وأكن من الصالحين.
أكُن معطوفة على جواب شرط
محذوف ( أفُز) أمّا (المصدر المؤول من أنْ و أصَّدَّق الأولى فمعطوفة على مصدر
متصيد من أخّرتني) وكأنك تقول: ( هلاّ تأخيرٌ فتَصَدُّق ) ... والله أعلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق