يروق لبعض الأشقياء، الذين يهرفون
بما لا يعرفون، ممن اعتادوا على خلط الأوراق، والاصطياد بالماء العكر، أن يصفوا الإسلام
والمسلمين، والدعاة الإسلاميين، وأبناء الحركات الإسلامية، والذين يمارسون العمل الإسلامي،
بأنهم ظلاميون، إقصائيون، تهميشيون، دعاة كراهية، ومثيرو أحقاد، ومهددون للسلم الاجتماعي،
ومحاربون للأقليات، على اختلاف تكويناتها، وخطر على الحراك السياسي، وبطريقة فنية مذهلة،
بواسطة آلة إعلامية استثنائية، وكتاب باعوا أقلامهم للشيطان، يعملون على إرعاب الأقليات
من الإسلاميين، وبأنهم لو كانت لهم مكنة، فسيذبحونكم، ويأخذون أموالكم، ويقلبون الدنيا
فوق رؤوسكم، وستظلم الحياة في وجوهكم.
وهذه المفتريات تعودناها من أثرم الفكر،
وأعور التصور، ممن يحملون أجندات الدفع نحو العداوة للإسلاميين، والأنكى منهم أولئك
الببغاوات الذين يرددون كلامهم بلا وعي ولا فهم؛ "وفيكم سماعون لهم".
ويمكن مناقشة الفكرة، من خلال النقاط
الآتية:
1- التنوع أمر قدري، من الله تبارك
وتعالى، فالناس مختلفون، في ألوانهم وألسنتهم وقومياتهم وأفكارهم وأديانهم ومذاهبهم،
وهي سُنة كونية من سنن الله تعالى، قال تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ
أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {118} إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ
وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ {119}) (هود)، وقال: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ
كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ
{99})(يونس)، وقال: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن
شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا
وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ
وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً {29}) )الكهف)، ولا يفر من هذه الحقيقة، إلاَ من تنازل عن عقله،
أمام الأدلة الناصعة، التي لا شبهة في ثبوتها.
2- وهناك حقيقة ثانية، تؤصل لهذا المعنى
وتكمله، وهي أنه ليس من لازم التعايش، ذوبان
كل المكونات في بوتقة واحدة، فهذا لا يمكن، بل يلغي فكرة التعايش، وينسفها من أصلها،
من هنا كان المنهج الإلهي: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ {6}) (الكافرون)، وفي وثيقة
المدينة: "لليهود دينهم وللمسلمين دينهم".
3- (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا
خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
{13}) (الحجرات)؛ ففي هذا ثلاث حقائق؛ الأولى: وجود الاختلاف والتنوع، وأنه أمر واقع،
ولو في صورة من صوره، وهيئة من هيئاته، ويجل من تجلياته، ولا بد من التعامل معه، بفقه
حضاري، يتناسب مع إنسانية الإنسان، محققاً السلم الاجتماعي، الذي يسوق نحو أمن شامل،
الثانية: التعايش والتعارف والتعاون، الثالثة: ميزان التفاضل التقوى، والمواطن الصالح،
وتقديم الأكفأ.
4- ولقد ضرب المسلمون أروع الأمثلة،
في التاريخ القديم، والواقع المعاصر، في تحقيق هذا القانون، المتوازن، الذي أثبتت الوقائع
الحياتية، حضارة المسلمين، في التعامل، ليس المسلم مع المسلم فقط، بل المسلم مع غير
المسلم (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ
وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ {8}) (الممتحنة).
5- ومن ذلك عدم الإكراه في الدين،
بل بقيت المعابد والكنائس، من ذلك الوقت، إلى يومنا هذا، فلو كانوا يمارسون الإقصاء،
والسحق للمخالف لما بقي أثر في بلاد المسلمين، لكل ما هو غير إسلامي، بل ضمن الحكم
الرشيد، لهم حقوقهم، حتى علم القبطي ذلك في عدل أمير المؤمنين سيدنا عمر – رضي الله
عنه – فسافر من مصر إلى المدينة، راجياً هذا، ولو علم غير هذا لما أتعب نفسه، لكن انتشار
عبق العدل والحرية، والتعايش مع الآخرين، في حفظ حقوقهم، وعدم جواز وقوع الحيف والظلم
عليهم، هو الذي دفعه لهذا، حتى كانت كلمة أمير المؤمنين، الرائدة الرائعة المثال:
"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ".
6- وكان من ثمار ذلك – لما رأوا أخلاق
المسلمين في التعامل – أن دخلوا في دين الله أفواجاً، وأدركوا قيمة البعد الإنساني
في المبادئ التي يحملها المسلمون، كما حدث ذلك في بلاد فارس، وفي بلاد جنوب شرق آسيا،
وكثير من البلدان التي وصلها المسلمون.
7- والذين يتباكون على حقوق الأقليات،
ويخوّفون غير المسلمين، من الإسلاميين، نقول لهم: راجعوا فقه الإسلام في هذا، وافهموه
جيداً، وتابعوا مسيرة المسلمين في هذا، عبر التاريخ، ستجدون غير هذا الذي يخوفونكم
منه، وانظروا بعمق إلى مقررات الحركة الإسلامية المعاصرة، واسبروا غور سلوكها، ستجدون
الأمر على غير الصورة المصطنعة، التي رسمت في ذهن الآخرين، عن جماعات العمل الإسلامي،
وأبناء الحركة الإسلامية، والدعاة إلى الله، والنبي القدوة – صلى الله عليه وآله وصحبه
وسلم – انتقل إلى الرفيق الأعلى، ودرعه مرهونة عند يهودي.
فلم هذا التضليل الذي تكتبون؟ وفي
مصلحة من هذا الذي تنشرونه من ذعر في أوساط المسلمين وغير المسلمين؟ وهنا يدرك كل عاقل،
حقيقة الفتنة، وما الهدف منها، ومن وراءها، وفي هذا ليعتبر المعبرون.
أعتقد، أن من يتابع سيرة المفكرين
الكبار، والعلماء الأعلام، من قادة الحركة الإسلامية المعاصرة، من أمثال الإمام البنا،
والسباعي، والمودودي، والندوي، والنورسي، ومالك بن نبي، والصواف، وابن باديس، والعودة،
والغنوشي، وأربكان.. وأضرابهم؛ سيزداد يقيناً، بأن هذا التخويف كذب وزور، وبهتان وتضليل..
وسيدرك البعد الحضاري لدى هؤلاء، من خلال قيم الحوار، واحترام مفهوم العيش المشترك،
قولاً وعملاً.
بات الأمر واضحاً، والحقيقة جلية،
إن هو إلاّ بث لروح الكراهية، لحملة الإسلام والداعين إليه، يتخذون مثل هذه القضايا
ذرائع لضرب الحركة الإسلامية وأبنائها، وتشويه سمعتها، والحث على استئصالها، والتحريض
على العداوة لها، فعلى العقلاء أن يدركوا هذه الحقيقة، ويسارعوا، إلى تفويت الفرصة،
من خلال تفاهمات واضحة، تؤكد المعنى الذي ندندن حوله.
يعاجلنا بعضهم فيقول: لكن الغلاة المتطرفين
في المكان الفلاني، فعلوا ما فعلوا، بغير المسلمين، نقول لهم: هؤلاء لا يمثلون فقه
الإسلام، ولا هم من أبناء الحركة الإسلامية، المعروفة بوسطيتها، وفكرها المعتدل، فليسوا
حجة على أحد، لأنهم يمثلون غلوهم وتطرفهم، الذي لم يسلم منه المسلمون، ولا سلمت الحركة
الإسلامية منه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق