هي
المرأة المثقفة التي تربت في بيت علم وثقافة وأدب ونضال, ودرجت على هذا حتى غدا
النضال رسالة حياة, وغدا العلم راية, ومحبة الأوطان عشقاً, وحرية الإنسان هاجساً
يومياً.
عاشت
ثريا الحافظ شقاوة اليتم بعد أن أعدم جمال باشا السفاح والدها أمين لطفي الحافظ في
السادس من أيار 1916, فتربّت على ذكراه وقصص نضاله وكفاحه مع رفاقه الذين مضوا معه
في درب مقارعة الظلم والاستبداد, والمناداة بتحرير البلاد واستقلالها, وجعلت من
العلم والثقافة سبيلاً للنضال لتحرير الوطن العزيز سورية, والمرأة السورية التي
عانت من وطأة الأمية والتجهيل والاحتباس في البيوت. فكانت في طليعة الفتيات
السوريات اللواتي تخرجن في دور المعلمين, وكانت في طليعة النساء السوريات المناضلات
ضد المحتل الفرنسي, وكيف لا وهي ابنة الوطني المناضل أمين لطفي الحافظ, وزوجة
المناضل الكبير منير الريس شيخ النضال.. وشيخ الصحافة, صاحب المذكرات الشهيرة التي
جاءت تحت عنوان "الكتاب الذهبي", والتي اشتملت على صفحات من تاريخ سورية
النضالي لا تعادلها في القيمة والمعنى صحائف الذهب.
تنابت ثريا
الحافظ على السجن, والمطاردة والسؤال... مع زوجها منير الريس, فكان كلاهما نهباً
للغياب الوطني من أجل الوطن, سجنت, واحتجزت بسبب نضالها ونضال زوجها, وكان سؤال
الغياب مرّاً, تماماً مثلما كان جواب السؤال مرّا.
في حياة
ثريا الحافظ صفحات من النضال والكفاح على دروب عديدة, في طالعها حيازة العلم
والثقافة, ومواجهة المستعمر الفرنسي بكل الوسائل والطرق: المظاهرات, والاعتصامات, والكتابات,
والبيانات, والمناشير, والرشق بالحجارة, وتعليق الدراسة والتدريس, والتواصل مع
الثوار في الغوطتين, وعيادة الجرحى, وكفالة الأيتام, والمؤازرة المادية والمعنوية
لذوي الشهداء, والأحاديث الصحفية, والكتابة الإذاعية...., كما عملت على تأسيس الجمعيات
والروابط النسائية والصالونات الأدبية... ومنها (يقظة المرأة الشامية), و(جمعية
خريجات دور المعلمين), و(دوحة الأدب), و(جامعة نساء العرب القوميات), و(الرابطة
الثقافية النسائية), و(حلقة الزهراء الأدبية), و(منتدى سكينة الأدبي), و(النادي
الأدبي النسائي)... وقد عرفت هذه المنتديات والروابط والأندية والجمعيات نشاطاً
ثقافياً بارزاً في التوعية والتثقيف, والتعريف بالتراث العربي الأصيل, والتراث
الإنساني العظيم, وقد اجتمع على هذه المنتديات خيرة أدباء ومثقفي العربية في سورية
والبلاد العربية. وبعد خروج المستعمر الفرنسي, كانت قضية العروبة, وقضية المرأة,
وقضية فلسطين ثالوث القضايا الذي نذرت ثريا الحافظ نفسها وعلمها وثقافتها
واجتماعيتها من أجل نصرتها, فقد كانت في طليعة المناضلات السوريات من أجل نصرة مصر
العزيزة أثناء العدوان الثلاثي (الفرنسي-الإنجليزي- اليهودي) عام 1956, أما قضية
المرأة فقد أولتها كل جهدها وعنايتها وذلك لقناعتها بأن المرأة هي المربية
والمخططة والباثّة للروح الوطنية في المجتمع, لذلك لم تألُ جهداً من أجل تثقيف
المرأة ونصرتها ومشاركتها في الحياة العامة شأنها في ذلك شأن الرجل, وأما فلسطين,
فقد كانت نكبتها ندبة الحزن التي لا تمحى وقد آل المصير الفلسطيني إلى الشتات
والمنافي والمأساة الفاجعة... فقد كانت واحدة من نساء دمشق اللواتي عملن على تضميد
الجراح الفلسطينية في المخيمات الفلسطينية في ضواحي دمشق, وهي التي أهدت كتابها
(الحافظيات) إلى المجاهدات في سبيل تحرير فلسطين.
ولدت
ثريا الحافظ سنة 1911 في أسرة دمشقية مثقفة, زوجها الصحفي الشهير منير الريس, ودرّست
في مدارس دمشق, وعملت في المقاومة الشعبية, وقادت حركة النضال النسائي في سورية,
لها ريادتها في الانخراط في الانتخابات النيابية ترشيحاً وانتخاباً, مثّلت سورية
في العديد من المؤتمرات والملتقيات الخاصة بالمرأة في البلاد العربية والعالم, كان
صالونها (صالون سكينة الأدبي) أشبه بوزارة للثقافة والتوعية الوطنية والقومية, تركت
لنا كتابيها: (حدث ذات يوم) وهو سيرة ذاتية لكفاحها الوطني, و(الحافظيات) وهو سيرة
الأحداث الوطنية, والاجتماعية التي عاشتها سورية في أثناء كفاحها من أجل نيل أمرين
عزيزين: الاستقلال, والحظوة الوطنية البارزة.
توفيت ثريا الحافظ في دمشق سنة 2000.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق