عادلة بيهم الجزائرية هي من أوائل
الرائدات العربيات في بدايات القرن العشرين، فإنجازاتها بدأت باكراً منذ أن كانت
في سنوات الصبا، وآثار أعمالها بقيت حتى بعد رحيلها.
إنها "عادلة بيهم الجزائري"
التي تطوعت في خدمة المحتاجين، وكتبت للمثقفين، وقادت المتنورات فكانت رائدة
لنضالهن في سبيل الحصول على العلم والمعرفة كشأن الرجال.
تاريخ "عادلة بيهم" النضالي
بدأ باكراً جداً، عندما اندفعت هذه الصبية ذات الستة عشر عاماً كمتطوعة لخدمة
المنكوبين تقدم لهم الغذاء والدواء والكساء، وانخرطت في مجتمع أنهكه الانحطاط
والاستبداد، عبر الجمعيات السرية التي تنادي بالعروبة والاستقلال؛ كان منهجها في
الحياة والتفكير في سنّ مبكرة، الشعور العربي القومي التحرري، وذلك استجابة
تلقائية لعوامل تفاعلت في نفسها وانفعلت لها انفعال البيئة التي تكتنفها والمجتمع
الذي تعيش فيه.
وقعت مقالاتها باسم " الفتاة
العربية" في جريدتي المفيد والفتى العربي، وترأست عام 1916 لجنة تشرف على دار
الصناعة، لتشارك في تقديم وجبات مجانية لحوالي 1800 عاملة يعملن في صناعات عدة،
كالنسيج والغزل والأشغال اليدوية. استعملت اسمها المستعار بعد تأسيس جمعية يقظة
الفتاة العربية بهدف نشر الوعي القومي بين صفوف النساء، وذلك بواسطة نشر العلم بين
أفراد الطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل، سارعت مع قريناتها بين عامي 1918-1920
للتأكيد على المطالبة بالاستقلال ورفض الوصاية والانتداب.
تزوجت "عادلة" وهي ابنة /17/
ربيعاً عام 1922، واستقرت في دمشق؛ إلا أن الارتباط لم يمنعها من المشاركة في
مقاومة الاستعمار الفرنسي فخرجت في المظاهرات المناهضة للاستعمار عام 1925، ودعمت
من خلال الجمعيات السرية حركة المقاومة بكل الأشكال المتاحة، مما دفعها إلى تشكيل
لجنة خاصة بمساعدة أسر الثوار.
ولدت "عادلة بيهم" عام
1900م، ونشأت وتلقت علومها في معهد "الدياكونيز" الألماني، درست علوم
الدين على يد العلامة الشيخ "عبد الله البستاني" صاحب المعجم
الشهير" البستان" وهذا ما منحها لغة عربية أصيلة، أمنت لها النشأة برفقة
الزوج المتفهم أجواءً ساعدتها في المضي في طريق النضال على جبهات عدة.
أسست مع زميلاتها جمعية يقظة المرأة
الشامية عام 1927 التي هدفت إلى تشجيع عمل النساء في الريف وإحياء وتنظيم الصناعات
اليدوية التقليدية، أسهمت عام 1928 في تأسيس جمعية دوحة الأدب، في اجتماع حاشد في
المجمع العلمي العربي، حيث وضعت أهداف هذه الجمعية اللبنة الأولى لإشراك المرأة في
الحياة العامة، وبخاصة في النضال الوطني، وترجمت ذلك بإحداث مدرسة لتنشئة الفتيات
على العلم والمعرفة، ولم يستسغ المستعمر الفرنسي
الفكرة، فامتنع عن الترخيص لها، وفي عام 1933 افتتحت المدرسة أبوابها دون ترخيص.
تداعت عام 1933 ثلاث جمعيات لإطلاق
نواة الاتحاد النسائي العربي السوري؛ وانتخبت السيدة "عادلة بيهم" رئيسة
له، ليكون الثاني في المنطقة بعد الاتحاد النسائي المصري 1923بقيادة "هدى
شعراوي".
استطاعت السيدة بيهم من الانتقال
بالاتحاد النسائي نقلة نوعية من خلال المشاركة في إضراب 1936 وذلك احتجاجاً على
شروط المعاهدة المبرمة بين الحكومتين السورية والفرنسية واعتقال عدد من الوطنيين.
لتأتي الخطوة الأهم وهي مشاركة الاتحاد
النسائي السوري عام 1937 في التنمية عن طريق إطلاق مشروع إنعاش القرى ومكافحة
الأمية في مركز جديدة عرطوز غربي دمشق؛ وبعد مضي عامين حققت السيدة بيهم نقلة أخرى
حين لبت دعوة السيدة هدى شعراوي بحضور ثلاثين عضوا للمشاركة بالمؤتمر النسائي
الفلسطيني الذي عقد في القاهرة عام 1938، وذلك لدراسة الخطر الصهيوني على القضية
العربية والوطن العربي. مما أسهم في تجمع القوى النسائية في العمل العام.
وكللت جهودها بالنجاح عام 1944عند
انضمام عدة جمعيات مهمة إلى الاتحاد النسائي، وعليه ضم الاتحاد كل من الجمعيات
التالية: النادي النسائي الأدبي؛ نقطة الحليب؛ يقظة المرأة الشامية؛ خريجات دور
المعلمين؛ دوحة الأدب؛ الندوة الثقافية النسائية؛ الإسعاف العام النسائي؛ المبرة
النسائية؛ الجمعية الثقافية الاجتماعية، وهو الانضمام الطوعي الأوسع في تاريخ
الحركة النسائية في سورية، ونظراً لجهود السيدة عادلة بيهم الجزائري تم انتخابها
لرئاسة الاتحاد وظلت في هذا المنصب حتى عام 1967.
شاركت السيدة "بيهم
الجزائري" في الاجتماع الذي دعت إليه السيدة "هدى شعراوي" لمناقشة
المستجدات على الساحة العربية؛ وكانت تلك المرة الأولى التي يتم فيها طرح ومناقشة
قضايا المرأة العربية في مؤتمر بهذه المشاركة؛ حيث أعلن عن تأسيس أول اتحاد نسائي
عربي عام؛ وكانت السيدة بيهم الجزائري من الموقعين على وثائق تأسيسه.
لعب الاتحاد النسائي دوراً مهماً عام
1945 في تأمين الغذاء لرجال الشرطة والدرك خلال قصف القوات الفرنسية لمبنى البرلمان،
حيث أمن تجهيز مشفاً ميدانياً لإسعاف مصابي القذف في مدرسة جودت الهاشمي بدمشق؛
الأمر الذي أسهم في تخيف عبء القصف الذي طال الأحياء السكنية وخلف عدداً كبيراً من
القتلى والجرحى.
دفع الشعور القومي بعد الاستقلال
الحركة النسائية في سورية إلى التضامن مع الحركات التحررية بالمظاهرات والتنديد
وجمع التبرعات النقدية والعينية.
استنفذ الاتحاد النسائي برئاسة السيدة
بيهم الجزائري عام 1948 قواه لدعم جيش الإنقاذ، فقدم لباساً كاملاً لثلاثة آلاف
متطوع، وأمن الغذاء والكساء للنازحين الفلسطينيين الذين وصلوا دمشق.
شارك الاتحاد النسائي السوري برئاسة
السيدة بيهم الجزائري عام 1949 في المؤتمر النسائي العربي العام، وفي المؤتمر
النسائي الدولي الذي عقد للمرة الأولى في بيروت، كذلك انتدبت من الاتحاد لتمثيل
سورية في لجنة حقوق المرأة التابعة للأمم المتحدة، كذلك أسهمت في دعم منح المرأة
السورية حق الانتخاب، ليشارك الاتحاد في دعم هذه الخطوة عبر حملة واسعة النطاق في
أحياء دمشق لتشجيع النساء على المشاركة في التصويت.
وما إن صدر مرسوم حق التصويت في انتخاب
عام للجمعية التأسيسية - وهو حق يشترط نيل المرأة للشهادة الابتدائية وما فوق -
حتى انطلقت على رأس الجمعيات النسائية التي شكلتها أو شاركت في تأسيسها تطوف في
أحياء دمشق لحث النساء على ممارسة حقهن في الاقتراع.
ترأست السيدة بيهم الجزائري عام 1956
وفد الاتحاد النسائي السوري في حلقة دراسية أقامتها لجنة حقوق المرأة التابعة
للأمم المتحدة في موسكو؛ انتخبت عام 1960 رئيسة للجنة التحضيرية للمؤتمر النسائي
الأسيوي- الأفريقي الذي انعقد عام 1961.
انتخبت عام 1970 رئيسة فخرية للاتحاد
النسائي في سورية، وفي الثالث من كانون الثاني عام 1975 توفيت السيدة عادلة بيهم
الجزائري عن عمر يناهز الخامسة والسبعين عاماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق