يتصف الإباضيون بتمسُّكُهم الشديد
بالدين، وبأداء فروضه، وتجنب منهياته إلى حد يثير الإعجاب ويدعو للاعتبار، وبُغضهم
المفرط لأصحاب الظلم والفساد، وبفضل هاتين الصفتين استطاعوا أن يُحققوا لأنفسهم
عزًّا دينيا ومجدًا سياسيا، خلَّدَ ذكرهما التاريخ.
والواقع أن الاعتدال هو السمة الواضحة
لعقائد الإباضية، إذ إنهم يحرِّمون دماء المسلمين وسَبيَ ذَراريهم وغنيمةَ
أموالهم، كما أنهم اعتبروا دُور مخالِفيهم دارَ توحيد إلاَّ معسكر السلطان فإنه
دار بَغي، وأجازوا مناكحتهم وموارثتهم وغنيمة أموالهم من السلاح والكراع عند
الحرب، وحرَّموا قتلهم وسبيَهم في السرِّ غيلةً إلا بعد نصب القتال وإقامة الحجة.
وقالوا في مرتكبي الكبائر إنهم موحِّدون، وإن كفروا، كفر النعمة لا كفر الملة.
والإباضيون: لا يقولون بأن دار
مخالفيهم دار حرب، ولا يحكمون بالشرك على من خالفهم، ومن ثم لا يجيزون قتال من لم
يقاتلهم، ومن قاتلوهم لا يستبيحون أخذ أموالهم كغنائم، ولا قتل نسائهم وأطفالهم،
ولا سبيهم، ولا يعتبرون الخروج فرضا لازما، بل أباحوا لأفراد جماعتهم العيش في ظل
حكم الطغاة تقية، للضرورة، ويذهبون إلى أن الشَّراء، أو بذلَ النفس أمرٌ طوعي إذا
فرضه الخارجون على أنفسهم.
ورغم تأكيد الإباضية وسعيهم إلى
اعتبارهم مذهباً من المذاهب الإسلامية، لا صلة له بجماعة الخوارج، ورغم أن كثيرا
من كتاب الفرق- قدماء ومحدثين- أقرُّوا بأن الإباضية أكثر الفرق الخارجة اعتدالاً،
وأقربها تفكيرا ورأيا وسلوكا إلى أهل السنة- بالرغم من هذا- فقد نسبت إلى الإباضية
بعض الآراء التي يبدو فيها التطرف، ويحتمل ظاهرها الخروج.. فمما نسب إلى الإباضية
القول بأن مخالفيهم من المسلمين ليسوا مشركين، ولا مؤمنين بل سموهم كفارا،
ويقولون: إنهم كفار نعمة لا كفارا في الاعتقاد.
والإباضية لا يحكمون على مجتمع من
المجتمعات التي يقطنها المسلمون بالكفر، كما أجازوا مناكحة مخالفيهم، وموارثتهم،
وقبول شهادتهم، وحرموا قتلهم في السر غيلة إلا بعد نصب القتال وإقامة الحجة، فإن
قام القتال أباحوا من أموالهم غنيمة الخيل والسلاح.
أما عقائدهم في الإلهيات- أي التوحيد
والتنزيه والصفات وخلق القرآن والعدل الإلهي والقضاء والقدر، أي مسألة الجبر
والاختيار – فهي متطابقة مع عقائد الشيعة والمعتزلة.. وأما فقههم فهو مدرسة فقهية
اجتهادية مستقلة، لكنها لا تبعد في آرائها عن فقه المدارس الفقهية الأربعة لأهل
السنة والجماعة. ويتميز هؤلاء بتمسكهم بتقاليد وتعاليم وآداب المذهب الإباضي في
نظمهم الاجتماعية، ووسائل التربية لأفراد جماعتهم، حيث يسود مجتمعهم نظم اجتماعية،
وآداب توارثوها منذ القرن الخامس الهجري، حينما شعر الإباضية بأنه لم يعد بإمكانهم
إقامة دولة تحمي جماعتهم، فوضعوا هذا النظام حفاظا على أفراد جماعتهم من الانحلال
والذوبان في المجتمعات الأخرى، ويطلق على هذا النظام "نظام العزابة" وهو
عبارة عن مجلس يهتم بشؤون أفراد الجماعة، ويمارس نوعا من الرقابة على سلوكهم،
ويعتمد على التوجيه والمحاسبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويستند إلى مبدأ
الولاية والبراءة للأفراد والجماعات، فمن ارتكب معصية تُبرئ منه، وعُزل عن المجتمع
إلى أن يتوب، فإن تاب تولاَّهُ أفراد المجتمع، وقد أحدث هذا النظام- كما يقول أحد
الإباضية المعاصرين- انضباطا في السلوك، والمحافظة على قيم الدين وواجباته،
والمحافظة على الأخلاق والآداب.. ولكن من ناحية أخرى كان لنظام العزابة سلبياته
المتمثلة في القسوة الشديدة التي فرضها على أتباع المذهب، فحرَمَهم بها من مَتاعِ
الحياة المُباح، كما عزَلَ أتباع المذهب عن بقية إخوانهم من أصحاب المذاهب
الإسلامية، بدعوى السرية والمحافظة على تراثهم، ومن ثم أوجد فجوة بين الإباضية
وبين إخوانهم في الدين، من أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى.
والهيئة محدودة العدد تمثل خيرة أهل
البلد علماً وصلاحا، تقوم بالإشراف الكامل على شؤون المجتمع الإباضي الدينية
والتعليمية والاجتماعية والسياسية، كما تمثل مجلس الشورى في زمن الظهور والدفاع،
أما في زمن الشَّرَاء والكِتمان، فإنها تقوم بعمل الإمام، وتُمثِّله في مهامِّه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق