يقول
تعالى:
يوم
التغابن : يوم القيامة، فيغبن أهل الجنّة أهلَ النارِ حين يدخلون الجنّة ،ويرثون
خيرات من كانت النار نصيبه ، ويرث الكفارُ في جهنم نصيبَ أهل الجنة في النار ، في هذا اليوم يجمع الله تعالى
الأولين والآخرين في صعيد واحد، قال تعالى " قلْ إن الأوَّلين والآخرين
لمجموعون إلى ميقات يومٍ معلوم " وقوله تعالى ذلك يوم " التغابن "
وقال مقاتل بن حيان لا غُبْنَ أعظمُ من أن يدخل هؤلاء إلى الجنة ويذهب بأولئك إلى
النار . وفي الحديث : ( ما من عبد
يدخل الجنة إلا أُرِيَ مقعده من النار لو أساء ليزداد شكراً ، وما من عبد يدخلُ
النار إلا أرِيَ مقعدَه من الجنة لو أحسَنَ ليزداد حسرة )
وروي
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله تعالى يقيم الرجل والمرأة يوم القيامة بين يديه فيقول الله
تعالى لهما قولا فما أنتما بقائلين ، فيقول الرجل : يا رب أوجبت نفقتها علي
فتعسفتها من حلال وحرام ، وهؤلاء الخصوم يطلبون ذلك ، ولم يبقَ لي ما أوفي به .
فتقول المرأة : يا رب وما عسى أن أقول : اكتسبَه حراما وأكلتُه حلالاً ، وعصاك في
مرضاتي ولم أرضَ له بذلك ، فبُعدا له وسُحقا ، فيقول الله تعالى : قد صدقت . فيؤمر
به إلى النار ويُؤمر بها إلى الجنة ، فتطلع عليه من طبقات الجنة وتقول له : غبنَّاك
غبنَّاك ، سعِدنا بما شقيتَ أنت به " فذلك
يومُ التغابن .
تبدأ
السورة الكريمة بتسبيح الله وحمده فهو الإله العظيم الذي يستحق التسبيح والحمدَ ،
خلقنا وهدانا إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، فآمن السعداء وكفر الأشقياء.
ومن
قدرته أنْ خلق السموات والأرض وصوَّر البشر في في أجمل هيئة ، وعظّمَ الله ذاته
العلية حين ذكر في هذه السورة بعض صفاته ، فهو الله الحميد القديرُ الخالقُ
المُصوِّرُ العليمُ، عالم الشهادة ، العزيزُ الحكيم...
وردّ
على منكري البعث والنشور قصور نظرهم وضعفَ تفكيرهم.ونبّهنا إلى مصارع الأمم
الكافرة ،وأمرنا بالإيمان به وبرسوله صلى الله عليه وسلم ليغفر لنا ويرزقنا رضاه
والجنّة في نعيم أبديٍّ خالد، وهدد الكافرين بالنار وبئس المصير،
ومن أصابته مصيبة فعلم أنها بقضاء الله وقدره
فصبر واحتسب واستسلم لقضاء الله هدى الله قلبَه وعوَّضه عما فاته من الدنيا هدى في
قلبه ويقينا صادقا وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه أو خيرا منه .
ثم
نادانا سبحانه منبهاً إلى :
1-
أن بعض الزوجات والأولاد يُبعدون المرء عن القيام بواجباته في صلة الرحم وطاعة
الله ، إذ يستاثرون به عن وأمه وأبيه وأهله وأقاربه . رُوِيَ أنَّ رجالاً أسلموا
من مكة فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أزواجهم وأولادهم أن
يدَعوهم ، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم – بعدَ لأيٍ - رأوا الناس قد
فقهوا في الدين فَهَمُّوا أن يعاقبوهم لأنهم كانوا السبب في ابتعادهم وتأخرهم ،فأنزل
الله تعالى هذه الآية " وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم"
2-
والحذرُ بمعنى تقديم طاعة الله ورسوله على حب النساء والذرية - وإن كان عليه أن
يسعى في خدمتهم-إلا أنَّ مطالب الاسرة تكثر وتتتابع فيقصر المرء في واجبه نحو دينه
وقد ينسى او يتناسى كثيراً من الواجبات فيخسر الثواب ويستحق العقاب.
3-
قد يؤدي التشاغل في خدمة الأسرة إلى الشحِّ والبخل فتقلُّ الصدقات أو تنعدم ،
ويستغرق الرجل في تأمين مستلزمات الحياة الرغيدة لأسرته وينشغل بها عن كثير من
واجباته الدينية ، فيُستهلك في تنفيذها .
4-
لئن انتبه الرجل إلى خطئه فليتحمّلْ مسؤوليته وحده ، فلا يعاقب غيره لأنه كان صاحب
القرار فتخلّى عنه ، فإن رأى أنهم ضغطوا عليه –وقد يكون- فليَعفُ وليغفر وليتصف
بما أراد الله تعالى له من حِلم وصفح وعفو.
5-
فتنة النساء والأولاد والمال كبيرة لا يتعدّاها إلا أولو العزم الذين ينالون
الثواب الكبير والأجر العظيم.
6-
لا يكلف الله نفساً إلا وسعَها فلنتَّق الله ما استطعنا ، ولنبذُل جهدنا في تقواه
ورضاه سامعين مطيعين متصدّقين ، فإن فعلنا ذلك فزنا بالفضل والقرب ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا
أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم ، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه).
7-
إن الصدقة تطفئ غضب الربِّ ، وهو سبحانه ينمّيها كما ينمّي الرجل فُلُوّه ، فيصير
مثل الجبل، وما يُنفق المرء من شيء فهو –
سبحانه- يخلفه ومهما تصدقنا من شيء فعليه جزاؤه ونزل ذلك منزلة القرض "
فيضاعفه له أضعافا كثيرة " ثم يحوطنا فضله بمغفرته ويكفر عنا السيئات ، فهو
الحليم الشكور.
"يا
أيها الذين آمنوا ؛ إنَّ من أزواجِكم وأولادكم عدوّاً لكم فاحذروهم، وإن تعفوا
وتصفحوا وتغفروا فإنّ الله غفورٌ رحيم ،إنما أموالُكم وأولادُكم فتنة ، والله عنده
أجرٌ عظيمٌ ، فاتقوا اللهَ ما استطعتم ، واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفُسِكم
، ومَنْ يوقَ شُحَّ نفسِه فأولئك هم المفلِحون، إن تُقرِضوا اللهَ قَرضاً حسَناً
يُضاعِفْه لكم ، ويغفِرْ لكم ، والله شكورٌ حليمٌ ، عالمُ الغيبِ والشهادةِ العزيزُ
الحكيمُ"سورة التغابن الآيات 14-18
فهل
سمعنا نداء الملك العليم العلاّم الذي يصفح ويغفر ويستر ويتجاوز عن الذنوب والزلات
والخطايا والسيئات الذي يعلم كل شيء ويرى كل شيء ولا يغيب عنه شيء، إنه عزيز حكيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق