الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2013-12-25

قصة وطن – بقلم: شام صافي

الوطن هو مصطلح كان مرتبطاً بالنظام ارتباطاً عضوياً لا انفكاك به عنه! .. فإذا مس أحد شخص الرئيس وسابقاً أي صفة في الدولة يعتبر بأنه يمس الوطن وأسهل تهمة جاهزة هي المس بهيبة الدولة لكل من يقارب النقد البناء الذي يحاول فيه التعريف بالفساد أو كشفه أو الإشارة إلى المتلبسين به إن كانوا تحت جناح الدولة أو لهم صفة رسمية .. ثم وبنفس الوقت يستفيدون من هذه التهم كورقة ضغط لإمساك تهم على كل شخص بينهم حال غضبهم من هؤلاء فيستعملونها ضد الصغار بينهم وحتى يبقى الجميع عبيداً لهم ينفذون أوامرهم بلا تردد أو مناقشة...


الوطن لم يكن يوماً هو الأرض التي نريد ونحلم أن نعمرها وأن يكون لنا يد في رعايتها ونهضتها ونبنيها ونحرص عليها ونعمل ونتعلم لأجلها .. ولم يكن الوطن يوماً هو عشق التراب بحق والحنين إليه ورعايته وحفظه والذود عنه في كل ما يسيء إليه ولم تكن مادة التربية القومية أو الوطنية (لم نكن نميز بينهما) هي من هذا المنطلق إنما ارتبطت كلياً بالحزب وبالنشاطات الحزبية وبأشخاص الحزبيين الذين لا علاقة لهم بشيء من الوطنية إلا قلة الأخلاق .. لم يرتبط الوطن يوماً بنموذج وطني حقيقي ولم نر من خلال الوطن أنه يربط بغير صورة للرئيس على الجدار يوضع فيها شخصه أو أبوه أو أخوه .. هذا هو ملخص الوطن .. أن نرى كل يوم صورة شخص على الجدار ليدخل مع الزمن في لب وتلافيف دماغنا ألفة صورته وبقاؤها وتلازمها مع جدران الوطن التي إن هدمت هدمت معها الصورة!
الوطن .. متى سمعناها لم تكن تحرك شيئاً في القلوب بحب الوطن حسب تربيتهم التعليمية .. لم يكن يوماً الاجتماع الحزبي الذي يجب أن يحضره الجميع والذي يلبس الوطن كشعار فارغ لم يكن اجتماعاً ذو معنى أو فائدة تذكر إلا ولاءات لأشخاص متفلتين من القيم حتى الوطنية والإنسانية أحياناً وليس الاجتماعية الممتزجة بلب مجتمعنا فحسب ..
تلك الصور لازالت معلقة على الجدران التي لم تهدم بعد في سورية .. لكنها خرجت من تلافيف وقلوب الجميع رغم ذلك .. أضحت الصور مجرد شعارات فارغة المضمون بعد أن حاولوا خلال عقود تفريغ معنى الوطن ..
لازالت صوره معلقة على كل حبل في شارع أو حاجز ممتلئ بشبيحة تتصنع حماية الوطن بينما هي تذل مواطنيه فما قيمة الوطن إن لم يكن فيه مواطن! بل شيء يدوسونه متى شاؤوا تحت صورته أو فوقها..
الوطن أصبح هو واو الوجع وطاء طيور الحرية ونون نسيمها ..
الوطن اليوم تراب ممزوج بدم أبنائه .. أصبح للسوريين هو الحنين وهو الماضي والحاضر والمستقبل الذي يحلمون به..

الوطن هو العشق حال الغياب عنه وهو طرفة العين في كل لمحة وإن لازلنا فيه .. الوطن لازال هو الحجر المكسور والعمارة المهدومة بصنع من أعطونا دروس الوطنية وفرضوها وفرصوا فيها المصطلحات التي لم نكن نفهمها في يوم من الأيام بل كانت دائماً الواجب الذي لا يمكن هضمه ولا فهم معانيه .. الآن مع الثورة نفهم معاني تلك المصطلحات ونميز غثها من سمينها ونفرز معانيها إلى جيد ورديء وإلى صحيح وفاسد ..

حتى الفساد لم يعد مصطلحاً يتوجه إلى ذويه .. بل أصبح يلبّس إلى من يخالف أوامر النظام ورؤوسه فقط .. وليس من يفسد الوطن والمواطنين من خلال إعلانات تفسد عليهم أخلاقهم أو مراكز وخمارات تبيح كل شيء .. بل كان يمولها ويفتتحها من يدعي أنه الوطن وتحت جناح الوطن ..
أما المواطن .. لم يكن يوماً موجوداً .. المواطن هو كلمة للاستهزاء فقط حين كنا نقول: "أخي المواطن" ليكون بعدها نكتة مضحكة مع دموع وغصة في حلوقنا .. ومع حلقات فكاهية تبث في رمضان لتمضية الوقت إلى حين الإفطار وتناول الطعام! .. "أخي المواطن" لم أسمعها في يوم من الأيام بصيغة احترام .. لم تطرح يوماً على أسماعنا على أنها فعلاً "أخي"  وفعلاً هو "مواطن" ... المواطن لم يكن موجوداً لأن الوطن أصلاً كان مسلوباً منه وغير موجود على الخارطة الذهنية لهذا "المواطن" الخيالي .. المسؤولون هم فقط زعماء يستأجرون الناس ويسيرونهم كيفما يريدون تاركين لهم الفتات لتمضية أمورهم فحسب حتى يعيشوا فقط حياة البهائم .. طعام وشراب وهواء ولو استطاع أفراد النظام المعدودين من الرؤوس تقنين الهواء لما قصروا في هذا ولما قصروا في حرمان المواطن منه كل فينة وأخرى كتربية مستمرة على عدم الدلال والرفاه ..
الوطن لم يكن يوماً هو من يلهمنا العمل بل الصالح الشخصي فقط حسب ما ساد بعد ذلك .. لم يكن الوطن وطناً بأيديهم غير الأمينة.

لم نكن نشعر أبداً بأننا مدعومون لأجله بل مدعومون لأجل رؤوس النظام .. كلما كان هناك شارع يبنى يسمى باسم أحد أفراد العائلة السالبة لهذا الوطن أو كلما أقاموا مهرجاناً كبيراً أو معرضاً مهماً افتتحوه باسم أحد أفراد العائلة أو وضعوا صورته ..

ولما أحسسنا أنه "الوطن" وأننا نريد أن نبنيه وأنه لنا أمعنوا فيه الخراب لأنه ليس وطنهم .. لا يشعرون بأن لهم وطناً اسمه سورية .. عاشوا في المغترب ويدرسون أبناءهم هناك ويضعون أموالهم أيضاً في بنوكهم .. لم يكن الوطن يوماً وطنهم لأنهم لم يعملوا يوماً له ولأجله ..

كانوا هم ملخص الوطن ولم يكن في ذهننا إلا صورتهم حين يأتي ذكر الوطن أو الوطنية!! ..
ولهذا كنا مسلوبي الوطن وأردنا أن نحرره ونعيده لنا بثورة شعبية ترد لنا حقنا .. ولن يعود إلا برحيلهم وعودة الوطن إلى المواطنين وأن يخلق مصطلح "المواطن" فعلاً بعدما غابت حقيقته لعقود في غياهب إجرام ضد الإنسانية قام بها عائلة الأسد.

شام صافي

24-12-2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق