الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2014-08-03

من مهاد الذكرى - بقلم: أ. د. عبد العزيز الحاج مصطفى

كان يوم خروجي من منغ الخميس 15/1/ 1981م. وكان انتهائي من بناء هذه القصيدة في ذمار اليمن في السبت 15 /1 /2011م. وعدد أبياتها مئة وثلاثة وثلاثون بيتا، وهي إطلالة على ثلاثين عاما مرت، إنها (الملحمة الوطنية الكبرى في سورية المعاصرة) وهي تحكي حال الإخوان بعامة؛ رؤيتهم ومواقفهم وما آل إليه أمرهم بعد خروجهم من الوطن وانسياحهم في أرجاء المعمورة وتعرضهم للملاحقة تعرضا أدى إلى ما هم فيه من ابتلاء عريض وإيذاء كبير.
ثم جد جديدها واشتعلت الثورة ضد النظام الطاغية فأتبعناها بسبعين بيتا تتحدث جميعها عن الثورة وترصد أحداثها بصدق وموضوعية فاكتمل بناؤها من وجهة نظرنا المتواضعة وقد بلغت مئتين وخمسة أبيات. وهذه التتمة بعضها كتبناها في المملكة العربية السعودية، وبعضها في ليبية وبعضها الآخر في اليمن؛ في المحويت، أو في المحروسة صنعاء، وقد انتهيت من كتابتها في الحادي عشر من شوال لسنة ألف وأربع مئة وثلاثة وثلاثين خلت من الهجرة، الموافق التاسع والعشرين من آب \ أغسطس لسنة ألفين واثنتي عشرة خلت من الميلاد.
(الملحمة الوطنية الكبرى في سورية المعاصرة) أو (من مهاد الذكرى)، مهداة إلى السوريين بعامة، وإلى الإخوان منهم بخاصة. إلى أخ منهم؛ شاطرني الهمّ ردحاً من الزمن، ثم شعثت الأيام فتباعدنا. فإلى روحه الطيبة أهدي هذه الأبيات، لعلها تكون الشفيع، بعد انقطاع طويل.


ذكرتُكَ في سِري ذكرتٌكَ في جَهري***ذَكَرْتُكَ والأيامُ منْ خلفنا تَجْري
ذكرتُ أمانيِّ ذكرتُ مَواقفي***ذكرتُ رَفِيفَ الوجدِ يخفُقُ في صدري
ذكرتُ زمانا والهوى بعدُ لاعِجٌ***بأفئدةٍ حَرّى تكابِدُ من حَرِّ
غداةً كأنَّ الدمعَ يحجُزُ بيننا***وقد قَذَفَتْ بالآلِ في مَهْمَهٍ وَعْرِ
وقد أزِمَتْ فيها اللياليُّ وانبرتْ***تكيلُ لنا بالصاعِ عَشْرا إلى عَشْرِ
ذَكَرْتُ إخائي والإخاءُ عقيدةٌ***وآصِرَةٌ تَقْوَى على الكيدِ والإصْرِ
ذَكًرْتُ(مَسِيري)و(اغْترابي)و(مَوقفي)***وما أنا فيه مِنْ يَسَارٍ ومِنْ عُسْرِ
زمانا وقد كُناَ كمحتلب رجا***بماعونِهِ والدَّرُّ يَشْرَقُ بالدَّرِّ
يقولُ صِحابُ الدربِ حَلحِلْ صِعابَها***وقد أزِمَتْ والقلبُ يُشْوَى على الجَمْرِ
فقلتُ صِحابَ الدربِ إنّ صِعابَها***مقاديرُ لا تَنْزاحُ بالرَأْيِ والفِكْرِ
مواقيتُها تقديرُ ربٍّ بأمرِهِ***تعِزُّ حياةً أو تَؤولَ إلى خُسْرِ
مواقيتُها عُرْسُ الشهيدِ وعودةُ ال***شَّرِيدِ وإيذانٌ بِمُنْبلَجِ الفَجْرِ
ذَكَرْتُ الحِمى حيثُ الحبالُ تَقَطَّعَتْ***وحيثُ حشاشاتُ القلوبِ على إثري
وحيثُ الصَّباحاتُ المُرَجّى شُروقُها***وحيثَ المواعيدُ المحلاةُ بالنَّصْرِ
وقد مازجَتْنا والرِّياحُ عَواصفٌ***مشاعِرُ شَتى مِنْ بَدِيٍّ ومِنْ سرّي
فقلتُ سَلامُ اللهِ أهلا وإخوةً***ومَعْشَرَ صِدْقٍ مِنْ مُقِيمٍ ومِنْ سَفرِ
رِضاءً وتسليماً بما كانَ أو جَرى***بما أنْزَلَ الرحمنُ في سورةِ العَصْر
ذكرتُ ومَهْدُ الشَّمسِ ساحاً وَملْعَباً***لإخْوَانَ سَبَّاقينَ في عالمٍ نَضْرِ
رِجالٌ تَدَاعَوْ من هُمامٍ وماجِد***كريمٍ ومقدامٍ ومن فارسٍ حُرّ
صَحائِفُهُمْ بيضٌ وفي قَسماتِهِمْ***شمائلُ كَمْ حَدَّثْنَ عنْ حَاليَ الذّكْرِ
قضَوْا دونَ بابِ المجدِ أسدا بواسلا***رجالا فكانوا في الورى غُرّةَ الدَّهْر
هُمُ آذنوا الطُّغيانَ مِنْ قَبْلُ ثورةً***وصَالوا عليهِم صَوْلةَ الليثِ والصَّقْرِ
مَشَاهيرُ صاروا كالنُّجومِ أهِلَّةً***وكالكوكبِ الدُرّيّ أو رائقِ الدُّرِ
أميرُهُمُ لا يعرفُ الحَيْفَ سَيّدٌ***وسيَّدُهم شيخٌ له حِنْكَةُ الَحَبْرِ
وإنسانُهم أُترُجّةُ الدهرِ نَفْحُهُ***تما زَجَ مِنْ طيبٍ يَدُلّ ومن طُهْرِ
بَهَاليلُ فُرسانٌ حكى الدَّهْرُ صِدْقُهُمْ***وقد أَزَمَتْ والدهرُ شاهدُها العَصْري
وقد عَلِمَتْ عليا الشآم بِأَنهّمُ***همُ الثلَّةُ العرباءُ في الموقفِ الوَعْرِ
شَبابٌ رِزانٌ في الأمورِ أولو نُهى***عليهم وَقَارٌ لا يُنَهْنَهُ بالزَجْر
صِحابٌ مَيامينٌ لَهُمْ سُدَرُ العُلى***هُمُ خَطَبُوها بالمثقفةِ السُّمْرِ
هُمُ كَرُمُوا في العالمينَ مناقباً***وهُمْ نَبَهُوا والقومُ صَرْعى مِنَ الَخَدْرِ
لَهًمْ بَيْنَ قَلبي والشّغافِ مَنَازلٌ***فَخَفْقَةُ قلبي مِنْ حِراكِهِمُ الثوري
عَلِقْتُ بهِمْ أهلاً كراماً وإخوةً***وأرغَبُ منهم أن أكون َعلى إثْرِ
سلوا تدمُرَ الحمراء عنهم فإنهم***صَريخٌ تَأَبّى أنْ ينامَ على وِتْرِ
سَلوُا حلبَ الشهباءَ عنهم فإنهم***شموسٌ أضاءتْ أو عناوينُ من فَخْرِ
سَلُوا حاضِرَ الأحرارِ عنهم فإنهم***أحاديثُ تُرْوى للأنامِ مدى الدهر
سَلوُا إدْلِباً عنهم فهم جَحْفَلُ الفِدا***إذا ما انْتَخوَا بينَ المَعرَّةِ والجسْر
سَلوُا الديَرْ َعنهم والميادينُ سُوحُهم***فهُم ثُلّةُ الإقدامِ طلاعَةُ الثَّغر
سَلوا مِنْغِي عنهم فهُم نَفْحَةُ الُهدى***وهُمْ بَارِقُ الآمالِ والليلَ إذْ يَسْرِ
هُمُ الشَّعبُ ثَاروا قَصْدَ فَكِّ وَثَاقِهم***وهُمْ أقدموا إقدامَ رِئبالِها الُحرِّ
وَهُمْ عَرَّفوا الدنيا بأقْدارِ أمّة***لها سَجَدَ التاريخُ في سالفِ الدَّهْرِ
سَلُوا الشامَ كُلَّ الشامِ إنَّ شبابَها***حماةُ دِيارٍ بل عرانينُ من كِبر
بِعُهدَتِهِم أرضُ الشآمِ وشعْبِها***فهم يمنعون الشامَ طُرَّا مِنَ الغَدْر
بِمُقْلتِهم هذي البلادُ بِأسْرِها***من الشرقِ من أقصى التُّخُومِ إلى البَحْرِ
بلادٌ بها العُمَّارُ أَكْثَرُهُم تُقَى***وأكثرُهُمْ عنْدَ المواقيتِ في النَّشْرِ
سَلوُني أنا عنهم فهم عَزْمَةُ الإبَا***وهم صيحةُ الإقدامِ في وجْهِ مُسْتَشْرِ
هُمُ لَقَّنُوا الأجيالَ درسا مِنَ الفِدا***وزادوا على الأمجادِ سِفْراً إلى سِفْرِ
وهُمْ فَتَحُوا الأبْوابَ للثورةِ التي***يُطَاحُ بٍرَأسِ الشَّرّ فيها وبالَجذْرِ
كَأَني بِهم والشرُّ كَشَّرَ نابَهُ***لَهَازِمُ شقّتْ بالفِدا مُهْجَةَ الشَّرِ
همُ القومُ وُرّاثُ الشجاعةِ والنَّدى***قوافِلُهُمْ تَتْرى وتَتْرى إلى الحَشْرِ
إذا ما مضى جيلٌ وآفلَ نجمُهُ***أجَدّ بها جِيلٌ يُؤَذّنُ بالنَّشرِ
كذاكَ صَباحاتُ الحيا ةِ ونَشْرُها***على قّدَرٍ تأتي وتمضي على قَدْرِ
إذا ذكّرَ تنْيهِمْ لياليُّ غُربَتي***تَهَلْلَ مني الوجْدُ بالطيّبِ العطري
بَنُو العملِ المسَتحَسَنُ اليومَ رسمُهُ***وقد رسموا الدربَ المؤدي إلى النَّصر
وقد نَضَّرَ اللهُ الوجوهَ بموقِفٍ***لبوسهُمُ فيهِ سرابيلُ مِنْ طْهْرِ
وقد ضربوا الأمثالَ في العُسْرِ للوَرى***كما ضَربوا الأمثالَ في موَقِفِ اليُسْرِ
ذكرتُ وأنتَ اليومَ سِرٌّ لِمَنْ رَأى***تُغَادي الرُّؤى ما بين (يَدري ولا يَدري)
ذكرتُكَ تَروي للأنامِ حقيقةً***وتَعلُو عُلُوَّ الشمسِ والأنجُمِ الزُّهْرِ
ذكرتُكَ إنساناً ذكرتُكَ صاحباً***ذكرتكَ فَهّاماً تحاوِرُ عن خُبر
تبُشّرُ بالحُسنى بمستقبلٍ لهُ***ملامِحُ تُزْهَى بالأطاييبِ والبُشْرِ
تقولُ وبعضُ القولِ آيٌ مُرَجَّعٌ***وسُبْحانَ ربي آيُهُ ليس بالحَصْر
ألا إنّما الإسلامُ في الأرضِ دعوةٌ***خَلاصٌ بها تَشْفى النفوسُ من الَهزْر
ذكرتُ الأمانيَّ العذابَ وقد بَدَتْ***مآذنَ خُضْرٍ في بساتينها الُخضْر
حقائقُ كانت كالشقائقِ لوُنها***تبوحُ بمكْنونٍ عنِ الموقفِ النَّضْر
عنِ الواقِعِ الملتاثِ عن شعبٍنا الذي***بَدا اليومَ توّاقاً إلى مَطْلِعِ الفَجْرِ
حشاشاتُ رُوحٍ يا أميرُ لِذَوْبِها***صَرِيخٌ وقد تاهَتْ بِعالمَهِا القَفْر
معالِمُ أينَ اليومَ حَطَّتْ رِحالَها؟***وكيفَ تخَلَّتْ عن ثوابِتِها الغُرِّ؟
وكيفَ غَدَتْ جَبَّاءَ يُفْزِعُ حالُها؟***مروّعةً مِنْ فِعْلِ زيدٍ ومِنْ عَمْرو؟
ذَكَرْتُ أُصَيْحابي الجميعَ ومَنْ لهم***مُشَاركةٌ في الهمِّ والهاجِسِ الثَّوري
فقلتُ سلامُ اللهِ مِنْ مَعْشَرِ ابْتِلا***تأذَّنَهُ العُدْوانُ بالخُبْثِ والغَدْرِ
لياليَّ شَطَّ الحِلمُ فيها وشَطَّتِ***فباتَ خَلِيُّ النَّفسِ مُنْقَبِضَ الصَّدْر
على الضِفَّةِ اليُسْرى ونحن جماعةٌ***تناءتْ عن الأوطانِ في بلدِ الغَيْرِ
وقد صابَها لَغَبُ الحياةِ فَأَعْجَمَتْ***وناءت بعدوان تسلح بالمكر
تأذَّنَها بالشَّرّ والشَّرُّ مَلْمَحٌ***لذي تِرَةٍ لازالَ يَلْهَجُ بالشَّرِّ
وَحَاوَطَها كالوحشِ يبغي اغتيالَها***وإيذاءَها بالنابِ طَورا وبِالظِفْرِ
وما وَفَّرَتْ أَحْشَاهُ كيدا لِمُسْلِمٍ***ولا سَلِمَتْ منه الحشاشاتُ في القَبْرِ
وحالُ الرَّعِيلِ الفَذِّ حالٌ مُنَهنَهٌ***من القَهْرِ لا يَدْري المساءَ مِنَ الظُّهْر
بأقْصى ثَنِيّاتِ الضياعِ مُضيّع***فلا هُوَ مَطْويٌّ ولا هو في نَشرِ
ولا هُوَ مأخوذٌ ولا هُوَ آخِذٌ***ولا هُوَمن ينجو بأسمالِهِ الغُبرِ
وقد دَهدهَتهُ الريحُ نحو وقيعةٍ***لِيَلعَقَ فيها المُرَّ مِن واقع مُرِ
وقد طَوَتِ الأيام ُمنهُ بيارقاً***وجفت ينَاَبِيعٌ وأُعسِرَ في العُسر
وباتَ أخوهُ في المهامِهِ دابُهُ***لُقيماتُ قد (تُمري عليهِ ولا تُمرِي)
أسير اغتراب بينَ نابٍ وَمِخْلَبٍ***تَخَبَّطَ لا يَدري الخلاصَ من الأسْر
فَتَى الموقفِ الرِّبّيّ سُبْحانَ ربِّهِ***إذا ما ادْلَهَمَّ الأمرُ أو زِيدَ في الأَمْرِ
صبورا حليما لا يضارِعُهُ النَّدى***يحَلْحِلُها بالحِلْمِ حينا وبالصَّبْرِ
إذا سَاوَرَتْهُ النائباتُ رأيتَهُ***تبَسَمَ يَلْقَاها بِمُتَّسَعِ الصًّدْر
كَأنِّي وقد أمضى الثلاثينَ غُدْوَةً***يُهَلّي بها لا يَعْبأُ الدَّهْرَ بالسَيْرِ
يُصَاوِلُ في زنزانةِ الرُعبِ سِيدَها***وَيَصْمُدُ لا يَخْشى الثعابينَ في الجُحْرِ
ويَعْلُو على السِّفْلِ اللئيمِ بحكمةٍ***ويَشْمَخُ في دُنيا الكرامة ِ والفخرِ
وقد لَقِنَتْ منه الحياةُ سَجِيَّةً***تَباهى بها والكوْنُ يَلْهَجُ بالطُهْرِ
تَراهُ بِسُوحِ الموتِ يَغْرزُ نَصْلَهُ***ويُعْلِنُ أنَّ الموتَ محبوبُهُ العُذْري
(مُنَاضِلُ)في أثوابِهِ العزُّ صاحبٌ***إذا ما انتْخَى يوما بساحاتِها الحُمْرِ
(مُكَافِحُ) ما بالى بقوةِ جَارِمٍ***ولا هانَ في خَصْمِ الجريمةِ والعُهْرِ
(مُقَاوِمُ) للطغيانِ ِابْنُ كريهةٍ***وفارسُها إنْ جَدَّ جَدٌّ من الأمْرِ
(مُجَاهِدُ) صلَّى اللهُ من عَلَمِ الفِدا***عليه وحَيّا من رَفيقٍ ومن ظِئْرِ
هُمُ القومُ حُرَّاسُ الحياةِ عزيزةً***وطُلاُبها من مُقْلةِ الصَّقرْ والنسَّرِ
تَآخَوْا مع الجُلَى وعاشُوا لِمِثْلِها***وكانوا وإيّاها كَقَرْنَيْنِ في القَدْرِ
بِهِمْ يستظِلُّ الركبُ مِنْ وَهْجِ حَرِّها***وَيَأمَنُ مِنْ دَهْمِ المَكَارِهِ والغَدْرِ
وَيْقَوى على رَيْبِ الزمانِ وكيدِهِ***بجَمْعٍ ولمٍّ أوبِشَدٍّ مِنَ الأزْرِ
بموقفِ صدقٍ لا يرامُ جنَابُهُ***وإن سُلِّحَتْ (رَعْناءُ) باللؤمِ والغَدْرِ
مِثَالاً ِلَمْن رامَ الحياةَ كريمةً***بهم يَهْتَدي التيّاهُ في التِيْهِ والحيرْ
وقد عَرَفُوا أنَّ الحياةَ كريمةً***مُمَنّعْةَ ليستْ كَمَهْتُوكَةِ السِّتْرِ
فَزادوا وما بالَوا بحجمِ جراحِهم***وإن كانْ حَجْمُ الُجرحِ في الدفقِ كالنَّهْرِ
تَمَثَّلَهُمْ قلبي ورُوحي لأَنَّهم***مِنَ القلبِ بل والروحِ.بَعْضٌ من الفِكْر
عَلَيهم صلاةُ اللهِ ثم سلامُهُ***وأكرِمْ بِهِمْ أكرمْ بأجْوازِها الغُبْرِ
ذكرتُ وأنتَ اليومَ سِرُّ موشحٌّ***بأخيلةٍ خضراءَ تَعبَقُ بالطٌهرِ
على أي دربٍ قد تَخِذتَ مسارهاً***وفي ايِّ حينٍ قد تعودُ إلى الوكرِ
فأنتَ شبيهُ النَّسرِ عزاً ورفعةً***وأنتَ وريثُ النسرِ في وُكَنِ النَّسرِ
وأنت إذا ما الدهرُ آذن أَهلَهُ***بِجَائِحَةٍ خَضَّدتَ جائحةَ الدهرِ
إذا قيلَ عبدُاللهِ أو لاحت الرؤى***تَغَشّى الرُّؤى مني جَهَامٌ مِنَ الفِكْر
ذكرتُكَ والأيّامُ يَخضَلُّ دَمعُهاُ***وقد حَشْرَجَتْ والآهُ جَمْرٌ على جَمرِ
سنينَ خَلَتْ والدهرُ عَرَّسَ سيدُهُ***بِمُنعَطَفٍ خالٍ من العَطْفِ واليُسْرِ
بوادي الغَضَا والليلُ يرخي سُدُولَهُ***وذئبُ الغضَا في الليلِ أشرسُ من ِنْمرِ
ونحن بأبوابِ المُنى نَرْقُبُ المنى***نفيقُ على أمرٍ ونغفو على أمرِ
بباديةِ الضجرانِ حيثُ الذرائعُ***وحيثُ الهوى المعسولُ يمزجُ بالصَّبْرِ
تحوطُ الرؤى مِنّا ادكاراً نجلُّهُ***ودون ادِّكارِ الأمسِ (ضارٍ ومُسْتَضْر)
من القومِ مِمَّنْ جَمَّعتْهُمْ مَكارهٌ***وصاغت حُمَيّاهُمْ أفانينُ مِنْ قهرِ
فنغدو كَمَنْ قد آذنتْهُ بصرفِها***سليَمْى وألقته بمنعرجٍ قَفْرِ
يذوقُ مِنَ الوَيلاتِ ما ذاقَ يوسُفٌ***ويلقى الذي لاقى السِنِمّارُ من ضُرِّ
وقد شاءَ رَبّي أنْ يكونَ عزيزَها***وأن تخلُصَ الأحوالُ فيها إلى خيْرِ
أفاويقُ كم طابتْ وكم طاب شُرْبُها***وكمْ طَفَحَتْ منها الأساريرُ بالبِشْرِ
وما عكّرَ الأطيابَ إلا أخو هوى***وإلا هَوى لازال يَخْلُجُ في السِرِّ
ألاعيبُ باتتْ ناشِطاتٍ وفِعْلُها***حكومٌ وعُقْباها (أمرُّ مِن المُرّ)
إذا أَرْسَلَ الرأيَ الحكيمُ بصَرْفِها***تَراءى له فيها جَهَامٌ من الذُّعْرِ
فباتَ على الأعْقَابِ يندُبُ حَظَهُ***ويأسفُ ممّا كانَ من حالهِ المُزريِ
أشَلَّ الرُؤى في التِيهِ يَحْرُكُ قاعِدا***يكفكفُ دمعاً سَحَّ من مُقْلَةِ العُمْرِ
وقد نازَعُوهُ حَقهُ فتبدَّدتْ***رؤاهُ ووافَتْهُ ريُوبٌ مِنَ الدَّهْرِ
فإنْ شِئْتَ أنْ تبَكي رُؤَاهُ وَحَقَّهُ***وإن شئت فادعُ الله مندوحة تُبْري
وإنْ شئتَ خُذْ بالأزْرِ إنّكَ صاحبي***لمنتصرٌ إن كنتَ تأخُذُ بالأَزْرِ
وإلا فَإنَّ اللهَ أمرُهُ نافِذٌ***وعُقْبَى الأنامِ المُفْرِطِينَ إلى خُسْرِ
بُكائي على آلي وإخْوانِ مَوْقِفي***وآهي مِنَ الُجلّى وقاصمةِ الظَّهْرِ
وَدَمْعِي وقد أمْسَى كَسَيْلٍ وعَبَرِتي***وقد لازمَتْني في الشَّهيقِ وفي الزَّفْرِ
تُحَدّثُ عني للأنامِ حَدَيثها***أنا الصاحبُ المصحوبِ بالهَضْمِ والقَهْر
عليكَ سلامُ اللهِ عَدْلاً ومُنْصِفاً***ويَحْفَظُكَ الرحمنُ فيهاْ من الجَوْرِ
ذَكَرْتُكَ والأيامُ جَدَّ جَديدُها***وعادتْ رِياحُ الوجْدِ تَخْفُقُ في إثْري
وقد لاحَ منها في الحياةِ بَيَارِقٌ***وآذنها الرحمنُ ضَربا مِنَ النَّشْرِ
وشَبَّ شبابٌ مُنْتًمُونَ وفُتِّقَت***بَراعِمُ كانَتْ قَبْلُ في عالَمِ الذَّرِ
فكان أذانا للفلاحِ وموعِدا***لِفَجْرٍ يُهَلّي بِالصَّباحاتِ والبِشْرِ
وقد خُطَّ دربٌ للخلاصِ بثورةٍ***بِحَنْجَرَةِ القَاشُوشِ تَصْدَحُ بالنَّصْرِ
وطَارَ شُعاعٌ في الشآمِ جَميعِها***يُبَشِّرُ بالدربِ المُؤدّي إلى الفَجْرِ
وكان لدرعا أن تكونَ طليعةً***وأنْ تزحمَ الدنيا بموقِفها الثوري
وأنْ توقِظَ الأمواتَ في رُمَمِ البِلى***وتَجبهَ طاغوتَ البلادِ بما يَجْري
وقد خرجَ الأبناءُ للسوحِ وانتهتْ***إليهم مقاليدُ الرياسةِ في الأَمرِ
ولم يَعُدِ الحَابوسُ يحجزُ بينَهم***وقد أصبحَ الحابوسُ مُزْدَلفاً قَسْري
لبيضِ وُجُوه منْ صحابٍ وإخوةٍ***خُروجُهُمُ الميقاتُ في عالم النَشْرِ
فكانوا بِدرعا مَدّها ونفيرَها***وكانوا بِحِمْصَ الزرعَ يَنْبُتُ في الصَّخْرِ
وكانوا وقد صاروا بإدلبَ مَعْلْما***تَصَدّرَهُ الهَرْمُوش بالقلبِ والصَّدْرِ
بِمَوقفِ عزّ لا يُحَطِّمُهُ البِلى***ولا يَنْتهي ما طالَ طَوْلٌ مِنَ الدَّهْر
لعَمْرُكَ إنَّ الخالديةَ مَوقِفٌ***له شَهِدتْ دُنيا الأحبةِ بالقَدْرِ
كَذاكَ وبابا عمرو صِنْوُ نِضالِها***وقد ضَرَبوا الأمثالَ للناسِ بالصَّبْرِ
وما هَمَّهُم أنْ يَهْدِمَ البغيُ بيتَهُم***ولا أنْ يُطالوا بالجريمَةِ والغَدْرِ
وقد عَرَفُوا أنَّ الحياةَ مصونةً***أجَلُ وأسمى من مُهتّكةِ الستر
كأنَّ الشبابَ في  الميادينِ غُدوةً***يُعيدُوَن  للأذهانِ ما كانَ مِنْ أمرِ
ومِنْ وَثْبَةِ الإخوانِ في سُوحِ عِزِّهِم***غَداةَ تَحَدَّوا سُلطةَ العَسْفِ والقَهْر
فكانوا صَريخَ المؤمنين وصَيحَةً***أفاقتْ لها سُوريةُ النبْلِ والطُّهْر
وقد خرجتْ تَبْغي الحياةَ كَريمةً***بأبنائها الأَبْرارِ والمَعْشَرِ الغُرِّ
هُمُ اليومَ في سُوحِ المعرَّةِ مَعْلَمٌ***وفي إدلبَ الأحْرارِ أُهْزُوجَةُ النَّصْر
وقد وقَفُوا في اللاذقيةِ موقفاً***على وَقْعِهِ ثارتْ دِمَشْقٌ على الجَوْرِ
وقد صَدَمُوا طُغيانَ بَشَّارَ صَدْمةً***صَداها تبَدَّى بينَ إدْلبَ والدَّيْر
وقد بانَ منه في الميادينِ مَعْلَمٌ***كما بانَ في البيضاءِ قبلا وفي الجِسْر
لَعَمْرُكَ إنْ ألْوى بِشَهْباءَ أَدْهَمٌ***وكانَ الذي ما كانَ منها من القَصْر
لقد وقفتْ أَرْيافُها الخُضْرِ مَوْقِفا***أعادتْ به ما كانَ مِنْ سالِفٍ نَضْر
وقد عَلِمَتْ عُليا الشآمِ بِأَنَّها***هِيَ الفَيْصَلُ المخبوءُ للْحَسْمِ والبَتْر
هِيَ الفَيْصَلُ المخبوءُ للموقِفِ الذي***به اجتِثَاثُ الشرِّ طُرا مِنَ الجَذْرِ
وقد عَلِمَ الباغونَ أنَّ مصيرَهُم***بأيدي رجالٍ عاهدوا اللهَ في السِرّ
بأنْ يثأروا مِنْ ظالميهم ومَنْ بَغَوْا***عليهم ومَنْ كانوا أسَاطِينَ مِنْ عُهْر
فكانتْ مَلاحِمُ حيث كانتْ وصَيْحةٌ***أصابتْ حَشَا الباغينَ بالخوفِ والذُّعْر
فكانَ جَديدٌ يا أخيّ وموقِفٌ***له شَخَصَتْ منّا المشاعِرُ بالشِّعْر
ولاحَ بِأُفْقِ الشامِ فَجْرٌ مُبَشِّرٌ***بِمَقْدِمِهِ الميمونِ يَطْفَحُ بالبِشْرّ
فكانَ لزاما أنْ نُقَدَّمَ صَفَّهُ***وأنْ نَعْضُدَ الثوارَ بالموقِفِ الثَّوْري
وقد أَزِفَ الميقاتُ مِنْ بَعْدِ فترةٍ***وآنَ أوانُ الردِّ والأخْذِ بالأزْر
وما عادَ يُجْدي حَذْفُ رَقْمٍ لغايةٍ***ولا أنْ يكونَ الرَّقْمُ في مَهْمَهٍ قَفْر
ولا أنْ نُرى في الدربِ نمشي بلا هُدى***بِمُغْتَرَبِ الأيام نَظْلَعُ في الأمرِ
وإخوانُنا عادَ الصَّريخُ يَزُفُّهُم***قتيلا قتيلا أو مُجَدَّلَ في الأَسْرِ
فللهِ شعبٌ يُبْتَلى بِمَكارِهٍ***وللهِ شَعْبٌ يَرْسُفُ اليومَ بالقَهْرِ
وللهِ أَرْضٌ قد تَأَبَّدَ غُولُها***وصارتْ ظَلاماتُ الرجالِ بلا حَصْر
وللهِ مِنْ دارٍ بِمِنَّغَ قفرةٍ***بِمُنْعَطَفِ الأحداثِ تَشْخَصُ في وِتْرِ
وقد هَدَّمَ الباغون جُلَّ بنائِها***ومُزِّقَ منها الِّسْتُر واغتِيلَ ذو حِجْرِ
فصارتْ صَرِيخا للرجالِ ودعوةً***لردِّ طَغَامِ الحقدِ عَنْ دارةِ الخَيْرِ
وللهِ مِنْ قَبْرٍ بِمِنَّغَ شاخصٍ***يُحَدِّثُ عَنْ آل الحجازيّ والبَكري
وعَنْ آل ناصيفٍ وقد أَنْصَفوا المُنى***وعن آل إسماعيل ذي الأوجه الزهر
وعن آل دك والدكادك عصبة***وآل حميدو حيث يكرم في النشر
رجال تداعوا للجهاد فأبدعوا***وأعطوا عطاء المكثرين من البر
ودرِّ الرجالِ الْمُصطَفَيْنَ ومنْ لهم***أيادٍ بهذا الزَّخْمِ والثورةِ البِكْرِ
وقد أَشْعَلوا فيها قناديلَ مِنْ هُدى***وقد أَسْرَجُوا فيها خيولا مِنَ الطُّهْر
فكانوا مِثَالا لِلشَّجَاعَةِ والنَّدى***بِهِمْ يَهْتدي الضُّلالُ في العُسْرِ واليُسْر
وللهِ مِنْ أُمٍّ تَفَطَّرَ كِبْدُها***وقد تَرَكُوها شِبْهَ عمياءَ في قَفْر
تَدُبُ بِمِنْساةٍ وتَلْعَنُ حَافظا***وَتَدْعو عليه اللهَ دعوةَ مُضْطَرِّ
وللهِ دَرِّي حِيْنَ أَتْرُكُ طَائعا***بَنِيِّ وأهلي للمعاناةِ والقَهْر
ودَرِّ السنينَ وقد ترامَتْ بِظِلِّها***وصارتْ مَعَ الأيام ِبَعْضاً مِنَ الذِكْر
ودرّ بغاة الظالمين ومن عتوا***عتوّ زنيم الطبع أولع بالغدر
ودَرُّ غُزاةٍ مُفْسِدينَ أُولي هَوى***يثورُ بأحشاهُم قديمٌ مِنَ السُّعْر
ودَرِّ مَنْ ساموا بِهَضْمٍ رجالَهُمْ***وقَد تَرَكُوهُم أُمَّعَاتٍ مِنَ الخَتْرِ
صَغيرٌ مِنَ الأبناءِ يَقْدُمُ صَفَّهُم***وليثٌ هِزَبْرٌ يحبسُ اليومَ في وَكْر
وقد صارَ هَضْمٌ القومِ طَبْعاً مُبَرْمَجاً***يُبَرْمِجُهُ العُصْفورُ للباشِقِ النَّسْر
وصارت حُظوظُ النفْسُ هَمَّاً لِصاحِبٍ***وقد أثْقلت والنفسُ حُبْلى مِنَ الذُّعْر
فَصُرنا وصارتْ دارُنا-وهي حُرَّة***تَهَتَّكَها العُدوانُ-مَفْسَدةَ الدهْر
وقد صار ربُّ الدارِ نَفَّاخَ كِيرِها***له نَفْخَةٌ في الشَرِّ أقوى من الشَّرِّ
فصُرْنا وأقْدارُ الحياةِ كما ترى***نُباعُ ونُشرى بالرخيصِ مِنَ السِعْر
غنائمُ للطاغينَ طَوْرا وتارةً***لِفارسِها المقْدامِ والمُلْهَمِ الصقْر
وللهِ دَرِّي حينَ ألتَحِفُ المُنى***وأَمْكُثُ لا أدري الصباحَ مِنَ الظُهْر
وقد أَزِمَتْ دَهْياءُ واشتدَّ كربُها***وبالَ حِمارٌ فوقَ ناصيةِ المهْر
ألفّتُ يبكيني حنيني وموقف***ويُدمي فؤادي عَجْزُ روحي عن النَّشْر
وقد لاحَ في الأُفْقِ البعيدِ نذيرُها***وحَصْحَصَتِ الأيامُ عَنْ واقعٍ مُرّ
فقلتُ وبعضُ القولِ آهٌ مُبَرِّحٌ***له خَلَجٌ في القلبِ يَحْرِقُ كالجَمْر
عليكَ سلامُ اللهِ شعبا مُجاهدا***ويَنْصُرُكَ الرحمنُ ربي على الغَدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق