سميح القاسم كان بالأمس بيننا يملأ حياتنا أملاً
واستشرافاً بمستقبل يحلم به لفلسطين التي أحب وعشق وهام.. واليوم غادرنا ولمّا يقف
يراعه عن العطاء حتى آخر لحظة من تصاعد أنفاسه.. مبشِّراً بغدٍ مشرقٍ يُطلُ على فلسطين
محررة من يد الغاصبين.. يبدّد دُجى الظلمة التي يلفها!!
سميح القاسم المعلّم الذي استلهمت منه الكثير
وتعلمت منه الكثير.. عرفته بعواطفي ووجداني.. وعشت معه بكل خفقات قلبي؛ فبلاد
الشام تجمعنا وقضية فلسطين توحدنا، فقد تجرعت المرارة من نفس الكأس التي تجرعها،
فلا فرق بين محتل غاشم وجبار ظالم وإن اختلفت التسميات، وكان حلمنا مشتركاً لسنوات
طويلة فحلمه كان تحرير فلسطين من المحتل الصهيوني، وحلمي تحرير سورية من كابوس آل
الأسد الذي يتحكم بالحجر والبشر والشجر.. وحلمه عودة فلسطين إلى كل أهلها الذين هُجّروا
منها قسراً بقرار أممي, وحلمي عودة كريمة إلى الوطن حيث الأهل والعشيرة ومراتع
الصبا.. حلمت معه بعودة تكون فيها قاماتنا منصوبة.. وهاماتنا مرفوعة.
بالأمس غادرنا شاعر الثورة الفلسطينية سميح القاسم
قبل أن تجف أوراقه.. وتتساقط أوراق أشعاره التي كان الصهاينة ترتعد فرائصهم عند
سماعها.
غادرنا سميح القاسم ولا تزال
كلماته أجراساً تدغدغ مسامعنا.. فتشحن نفوسنا مزيداً من النهوض والمثابرة
والإقدام.. دون الالتفات إلى الوراء.. إلاّ بما يزيد من عزيمتنا وإصرارنا على
الكفاح من أجل إعادة الابتسامة لترتسم على شفاه الأيتام والأرامل والثكالى في
فلسطين وسورية من ضحايا الاحتلال الصهيوني لفلسطين وضحايا النظام السادي الذي جاء
به آل الأسد.. من ظلمات القرون الغابرة!!
لم تحل سنابك جيش الاحتلال ولا
تمزيق المدن الفلسطينية ولا جدران الفصل العنصري من أن يخاطب سميح القاسم الشعب
الفلسطيني والمقاومة في قصائد رائعة يستنهض فيها هممهم، ويكون فعل أشعارها أقوى من
رصاص الصهاينة الغاشم، كحال كفاحنا نحن لتمزيق أستار الظلمة عن وجه سورية الحبيبة الأسيرة..
لتعود دمشق الفيحاء كسابق عهدها.. منارة تشع منها الحرية والنور والمدنية والحضارة
والعطاء الإنساني وتكون سنداً للإخوة الفلسطينيين تتقاسم معهم العطاء والجهد
والتضحية والفداء!!
سميح القاسم فارقنا بجسده.. ولم
تفارقنا روحه.. التي ستظل تحلق في سماء قلوبنا.. حتى نلحق به.. فهذا قدر قافلة الكفاح..
يرتفع واحدنا إلى بارئه تلو الآخر.. دون أن تنقطع هذه السلسلة المباركة.. إلى أن
يرث الله الأرض ومن عليها!!
نعاهدك يا سميح القاسم أننا سنظل
على العهد.. عهد الوفاء للقضية التي سقطت من أجلها.. نعاهدك على أن تظل حدقات
عيوننا مصوبة إلى فلسطين مهفى قلوب كل الأحرار والشرفاء في وطننا العربي الكبير..
نقارع الظلم وأهله حتى يحكم الله بيننا.. مهما غلت التضحيات وتوالت الأيام وبعدت
المسافات.. فكما كنت حتى الرمق الأخير من أنفاسك مستلاًّ قلمك.. مشهراً يراعك..
تنافح به عن فلسطين.. وتذود به عن مبادئك وقيمك وأخلاقك.. سنظل على نفس الطريق
سائرين حتى صعود النفس الأخير كما كان حالك.. وحتى نلاقي الله كما لقيته.. أحراراً
منتصبي القامة.. مرفوعي الهامة.. سلاحنا قلمنا.. ومعيننا مدادنا.. الذي لن يجف وفي
عروقنا دم يتدفق.. وبين صدورنا قلب يخفق!!
رحمك الله يا شاعر الثورة
الفلسطينية يا صاحب الصوت الوطني الشامخ وقد كرست حياتك مدافعاً عن القضية
الفلسطينية ومنافحاً عن مقاومة الشعب الفلسطيني وأنت القائل:
"منتصب القامة أمشي .. مرفوع
الهامة أمشي …في كفي قصفة زيتون… وعلى كتفي نعشي، وأنا أمشي وأنا أمشي" ونحن
على خطاك سنظل نمشي...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق