قال عثمان: يا أبت إنّ ذكر الله في كلِّ الأمور أمر رائع، وسمةٌ من سمات المسلمين يجب أن تلازمهم، ولكنني أراك تحرص على ذكر اسم الله تعالى في أمرين اثنين أكثر من غيرهما.
قال الأب: ذكر الله يا بني
تجعلك في ذمته ورعايته، وهذا دأب المسلمين، وعنوان المؤمنين، ولكن ما الأمران
اللذان تقصدهما يا عثمان؟
قال عثمان: أقصد ذكر الله
تعالى حين تدخل البيتَ وحين تتناول الطعام.
قال الأب: أحسنت يا ولدي
في ملاحظتك هذه، فالرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يحضّنا على ذلك، فقد روى جابر
بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:
((إذا دخل الرجل بيته،
فذكر الله تعالى عند دخوله، وعند طعامه، قال الشيطان لأصحابه لا مبيت لكم ولا
عَشاء، وإذا دخل، فلم يذكر الله تعالى عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا
لم يذكر الله تعالى عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء)) فهل عرفت يا عثمان
لماذا أذكر اسم الله في الدخول إلى البيت وتناولِ الطعام؟
قال عثمان: نعم يا والدي،
حفظك الله مربياً ومرشداً.
قال الأب: سأقص عليك يا
ولدي موقفين اثنين للنبي صلى الله عليه وسلم يوضحان ما يجب أن تفعله إذا أكلت.
قال عثمان: أشكرك على ذلك
يا أبتِ سلفاً فما هما؟
قال الأب: روى حذيفة بن
اليمان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان قد حضر مع رسول الله طعاماً، ولا يجوز – كما تعلم – أن يبدأ أحد
الطعام إلا إذا بدأه الكبير فيهم، والوجيهُ بينهم، وهذا نوع من أنواع الأدب، فلم
يمدَّ أحدٌ يده، فهم ينتظرون الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يضع يده،
فيفعلوا ذلك بعده، وقبل أن يمد الرسول صلى اللهُ عليه وسلم يده امتدت إلى الطعام
يد فتاة صغيرة فلم تذكر اسم الله، فأخذ رسول الله يدها فأبعدها عنه.
ودفع أعرابي يده إلى
الطعام مسرعاً دون أن يسمّي الله، فلتقّفها الرسول الكريم مانعاً يده أن تصل إليه،
فلما نظرا إليه مستنكرين ما فعله قال النبي صلى الله عليه وسلم إذ ذاك: ((إن الشيطان يستحل الطعام أنْ لا
يُذكرَ اسم الله تعالى عليه، وإن هذه الجارية حين مدَّت يدها مدَّ يده معها، وإن
هذا الأعرابي حين مدَّ يده مدّ الشيطان يده مع يده، وقد منعت شيطانيهما أن يأكلا
حين رددت يديهما، فالآن اذكروا اسم الله تعالى وكلوا)). ففعلنا.
قال عثمان: ألا يكفي أن
يسمي واحد ممن يجلسون إلى الطعام، فتهرب الشياطين؟
قال الأب: ينبغي أن يسمّي
كل واحدٍ، فإن لكلٍّ شيطاناً.
أما الموقف الثاني يا ولدي
فإذا نسيت أن تذكر الله تعالى أوّل الطعام، فاذكره متى تذكرتَه، فقد روى أمية بن
مخشِيٍّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك ذات مرة، فقال له أصحابه: ما الذي أضحكك يا
رسول الله؟ قال:
((ألا ترون إلى هذا الرجل
الذي يأكل الآن؟ لم يذكر اسم الله تعالى فشاركه الشيطان طعامه، حتى لم يبق من
طعامه إلا لقمة، فتذكر فقال: بسم الله أوله وآخره ورفع اللقمة إلى فمه، فلما سمع
الشيطان ذكر الله استقاء ما في بطنه)).
يا بُنيَّ ؛احمدِ الله على
رزقه وفضله تكن على خطا رسولنا الكريم ، فقد كان يقول حين ترفع
إليه مائدته: ((الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه))، وكان يقول: ((من أكل
طعاماً فقال: الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حولٍ مني ولا قوةٍ غفر له
ما تقدم من ذنبه)).
رياض الصالحين
كتاب آداب الطام: باب
التسمية في أوله والحمد في آخره
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق