أطنبت وسائل الإعلام في الحديث عما جرى
في عرسال؛ البلدة الحدودية بين سورية ولبنان، وجعلت من الحبة قبة، لصرف النظر عما
يواجه النظام السوري من مأزق في مواجهة الجيش الحر الذي يحقق انتصارات كبيرة في كل
جبهات القتال مع فلول جيش النظام وميليشياته ومرتزقة حزب اللات وأبي الفضل العباس
التي تساند الأسد في جرائمه وبوائقه وآثامه وفظائعه التي يرتكبها ضد الأطفال
والنساء والشيوخ والمدنيين وتدمير المنشآت والبيوت ودور العبادة على رؤوس ساكنيها،
ففي دمشق يتقدم الجيش الحر نحو مطار دمشق للسيطرة على المطار ولمحاصرة بقايا جنود النظام
في قلب العاصمة دمشق، وقد تمكن بالفعل من السيطرة على عدة نقاط قرب مطاحن
الغزلانية بريف دمشق وتدمــير معظم التحصينات العسكرية التابعة لفلول النظام، وتدمير
وإعطاب عدد من آلياته ودباباته، إضافة لـقتل العشرات من عناصر جيشه ومرتزقته.
وفي الشمال في حلب وبعد أن تمكن النظام
من احتلال المنطقة الصناعية في الشيخ نجار وظن أنه بات محاصراً لكتائب الجيش الحر
وأن احتلال كامل حلب بات بالنسبة إليه مسألة وقت فاجأه الجيش الحر بهجوم كاسح
ومدمر، تمكن من خلاله الاستيلاء على مركز الأمن العسكري أحد أهم معاقل النظام في
حلب، والاستيلاء على عدد من العمارات المهمة التي كان من خلالها قناصة مرتزقة النظام
تقنص المارة وتشكل مصدر خوف وقلق للمدنيين والتقدم باتجاه قلعة حلب، وبالتالي بات
شبيحة النظام ومرتزقته محاصرين من قبل فصائل الجيش الحر، ناهيك عن التقدم الكبير
للجيش الحر في محافظة درعا ومحافظة القنيطرة، إضافة إلى إلحاق الجيش الحر هزائم
كبيرة بالشبيحة والمرتزقة في ريف حماة.
ولو رجعنا إلى الحصيلة الأخيرة لقتلى
شبيحة النظام ومرتزقته خلال شهر تموز الفائت التي نشرها المرصد السوري لحقوق
الإنسان لوجدنا أنها أعلى نسبة مئوية منذ اضطرار الثوار للجوء إلى السلاح لإسقاط
النظام، فقد أعلن المرصد أنه وثّق مقتل ومصرع 2013 من عناصر نظام بشار الأسد وميليشياته المقاتلة ضمن
صفوفه وهم يتوزعون على الشكل التالي:
961 عناصر من بقايا فلول
جيش نظام بشار الأسد.
937 عناصر اللجان الشعبية،
وقوات الدفاع الوطني، والمخبرين الموالين للنظام.
28 عناصر من حزب الله
اللبناني.
87 مقاتلون موالون للنظام
من جنسيات غير سورية غالبيتهم من لواء أبي الفضل العباس العراقي.
ولفت المرصد إلى أن “نحو
38 % من الخسائر البشرية، خلال الشهر الفائت، هي من عناصر قوات النظام والمسلحين
الموالين له، وهي أعلى نسبة مئوية شهرية لخسائر النظام، منذ انطلاق الثورة السورية.
إن هذا الضجيج المفتعل في عرسال هو
مسرحية رديئة الإخراج وسخيفة السيناريو من إنتاج وفبركة حزب الله الهدف منها شرعنة
تدخله في الشأن السوري وشد الأنظار عما يتعرض له النظام ومؤيدوه في المناطق
الساخنة من هزائم على يد الجيش الحر الذي استعاد روح المبادرة وبدأ في عملية
مواجهة مع النظام بهدف كسر شوكته وإعادته إلى وضعه الطبيعي وهو الدفاع عن بقايا
مواقع يحتلها ويبسط نفوذه عليها.
لقد ظن البعض أن دخول المسلحين
السوريين كان الهدف منه إجبار عناصر حزب الله على مغادرة الأراضي السورية في مقابل
مغادرة المسلحين السوريين من عرسال، ولكن الحقيقة بانت وانفضح المستور وبانت
اللعبة القذرة التي يلعبها حزب الله في محاولته جر الجيش اللبناني ليكون إلى جانب
النظام، وليجد لنفسه المبرر في دخوله الأراضي السورية والقتال إلى جانب باغي دمشق
ونمرودها دفاعاً عن لبنان واللبنانيين كما يدعي، ودليلنا أن في كل مراحل المفاوضات
التي جرت بين المسلحين الذين دخلوا عرسال واللبنانيين لم يكن هناك أي طلب أو شرط
في خروجهم من عرسال يقترن بخروج عناصر حزب الله من سورية، وقد أشار إلى ذلك الكاتب
اللبناني علي حماده في مقاله الذي يقول فيه: "خطفت عرسال الأضواء هذا الأسبوع
وسلّطت الضوء على الحدود المفتوحة بين لبنان وسوريا
وعلى تحول القلمون وجرود عرسال الى جبهة قتالية واحدة بعدما نأت الدولة اللبنانية
بنفسها عن الأزمة السورية وغضّت الطرف عن مشاركة حزب الله في القتال الى جانب
النظام السوري، الأمر الذي ربط لبنان بحروب
المنطقة وهدّد بانزلاقه الى أتون الصراع. ولعلّ هذا الخطر المتربّص
بالبلد هو الذي دفع قوى 14 آذار الى مطالبة الحكومة اللبنانية بإصدار أوامرها لكل
المؤسسات العسكرية والأمنية للعمل على إغلاق الحدود بين لبنان وسوريا أمام كل مسلح
يأتي من سوريا إلى
لبنان أو يذهب من لبنان إلى سوريا".
وكتب آخر قائلا: " في قضية عرسال لا يختلف اثنان
حول دعم الجيش. ولكن الالتفاف خلف المؤسسة العسكرية، لا يعني أن علينا تغييب أسس
المشكلة التي لا تقتصر على دخول مسلحين سوريين بلدة عرسال واستيلائهم عليها، بقدر
ما تتعلق بالسبب الاول لاستدراج الازمة السورية الى لبنان امنياً وعسكرياً، عنينا
تورط “حزب الله” العلني في قتل السوريين على أرضهم طوال عامين ونيف. واذا كانت من
محاسبة بعد محاسبة المسلحين الذين دخلوا عرسال، فقد وجب توجيهها صوب السياسة الجهنمية
التي يمارسها “حزب الله” في سوريا كما في الداخل اللبناني، كونه استدرج عمليات
تفجير ضد بيئته الحاضنة، مثلما يستدرج اليوم من خلال حروبه “القلمونية” دخول
مسلحين سوريين كان “حزب الله” شن عليهم حرباً على ارضهم في الشهور الماضية. و لذلك
فإن من يتحمل وزر دماء شهداء الجيش، وعذابات عرسال هو “حزب الله” واجندته الخارجية".
ولو أن الدولة
اللبنانية قامت بواجباتها في ضبط حدودها مع سورية، وقامت بنشر الجيش منذ تحول
الصراع في سورية من سلمي إلى عسكري، لما استسهل حزب الله دفع عناصره لاجتياز
الحدود السورية والقتال إلى جانب باغي دمشق، وكان الجيش الحر السوري من المؤكد أنه
سيلتزم باحترام الحدود اللبنانية ويمنع أي من عناصره تخطيها إلى داخل الأراضي
اللبنانية، وبعكس ذلك ولطالما أن الحكومة اللبنانية ستظل تتعامل مع الجميع بمكاييل
ومعاير متعددة غاضة الطرف عن دخول عناصر حزب الله إلى سورية فإن عليها أن تتحمل
النتائج وتداعياتها على لبنان وعلى العلاقات السورية اللبنانية الآنية
والمستقبلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق