الصفحات

تنويه

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الرابطة والمشرفين عليها.

Translate

2014-08-05

العدوان على غزة والحرب على "الأخوان" – بقلم: فادي شامية

لولا إعلان حرب بعض العرب على "الأخوان المسلمين" وشيطنتهم واعتبارهم إرهاباً ينبغي استئصاله، لما وقعت الحرب على غزة، أقله بهذا الشكل. ولولا تواطؤ وصمت بعض الأنظمة العربية على العدوان، لما استطاعت "إسرائيل" الاستمرار في إجرامها بحق الغزيين، أقله بهذا الشكل. هذه حقائق مرة لا يجوز القفز فوقها في مقاربة التطورات التي تمر بالمنطقة اليوم. 


في العمق؛ فإن بذور العدوان الأخير على غزة ظهرت عربياً مع القرار السعودي-الإماراتي بإسقاط حكم "الأخوان المسلمين" في مصر. حماس كانت في قلب حفلة الجنون والتعبئة الإعلامية المصرية ضد "الأخوان"، وبما أنها حركة مسلحة، فقد زادها "الانقلابيون" من لظاهم وحملوها مسؤولية اختلال الأمن في مصر عموماً، وكل عملية إرهابية لا يُعرف فاعلها خصوصاً. بث الروح العنصرية تجاه الفلسطيني (والسوري أيضاً)، واعتبار "أنفاق الحياة" بين سيناء وغزة أنفاقاً للجريمة والإرهاب، وشيطنة الفكر "الأخواني"؛ دفع بعض غلاة "الانقلابيين" في مصر للدعوة إلى قصف غزة بالطيران المصري!، فليس غريباً – والحال هذه- أن يفرح هؤلاء بقصف غزة بالطيران الإسرائيلي، فعدوهم الأول هم "الأخوان"، وليس الصهاينة، كما يصرحون هم أنفسهم.

 في العمق أكثر؛ فإن ظهور "الأخوان المسلمين" كقوة شعبية هادرة في كل البلدان التي عمها "الربيع العربي"، أخاف بعض الممالك الخليجية. ثمة أمراء ومستشارون آثمون توهموا أخطاراً غير موجودة، أو أنهم ضخموها حتى صار "الأخوان" خطراً قومياً عربياً!. إثم هؤلاء ليس في أنهم حمّلوا "الأخوان" ما ليس فيهم، وإنما في أنهم أعادوا كثيراً من مشاهد الديكتاتورية العربية، وقتلوا كثيراً من أحلام الحرية والكرامة الثورية، وأوهنوا الجسد العربي أمام المشروعات المعادية؛ بما فيها المشروع "الصفوي" الذي يزعمون مواجهته نيابة عن الأمة العربية كلها... وبدل أن يكون "الأخوان" ركناً ركيناً في مواجهة الصهيونية و"الصفوية" باتوا هم العدو بنظر هؤلاء وأفعالهم. هكذا تجرأ الصهاينة على أهل غزة أكثر، وهكذا تجرأت إيران على سوريا والعراق واليمن والخليج العربي أكثر، فيما الصراع الدائر بين "الأخوان" ومناهضيهم يفت في عضد الأمة أكثر. 

اليوم لا يتمايز الناس على دم الغزيين فحسب، وإنما على دم "الأخوان" قبل ذلك، فمناهضو "الأخوان" نشروا رجالهم في الآفاق؛ عبد الفتاح السيسي في مصر، وخليفة حفتر في ليبيا، وصالح هبرة الحوثي في اليمن، والفلسطيني المقيم في الإمارات محمد دحلان، وغلاة العلمانية في تونس... في خلطة تحالفات لا يجمعها إلا القضاء على من لو اتخذوه عضداً لكان أولى في تمكين الأمة من مواجهة المخاطر، ولكنه الجنون بعينه، فـ "الأخوان المسلمون" أمة (بالمفهوم الفكري) وليسوا حزباً عادياً. استئصالهم محال، ليس لأن جذورهم الفكرية ضاربة في الزمن فحسب، وإنما لأن التاريخ والسياسة يقولان إن الإيديولوجيا لا تواجه بالقمع ولا بالدم، بل تزيد المحن حامليها صفاءً وقوة، وهم فوق ذلك؛ كثرة من البشر مندمجون بشدة في مجتمعاتهم؛ التي هم جزء منها، وقد أسهموا في رسم ماضي وواقع ومستقبل شعوبهم سياسياً وفكرياً، على نحو لا يمكن إنكاره.

الأشنع من ذلك؛ أن الشعب في مصر انتخبهم مرات على التوالي، فلا يعقل أن يكون الشعب إرهابياً أو أنه مؤيد لـ "الإرهابيين"، والشعب في البحرين منحهم ثقته فلا يمكن أن يكونوا جماعة إرهابية وهم جزء من النظام السياسي في تلك المملكة، وملوك السعودية بمن فيهم الأوائل استندوا إليهم في مسيرة استنهاض المملكة؛ فلا يجوز أن يكون قرار الآخِرين ناسخاً لما ارتضاه الأولون من حكام المملكة، فيما هم يستندون بشرعيتهم إلى التوارث والسير على نهج الأجداد المؤسسين!.    

ماذا جرّت الحرب على "الأخوان" غير المآسي على الجميع؟ فإذا كان "الأخوان" قد تنازلوا على الحكم في تونس طواعية، وفي مصر رغماً عنهم، ويعاني وجودهم السياسي في غير بلد عربي من هجمة شرسة، فإن مناهضيهم يعيشون أزمات سياسية صعبة، وهم في الحضيض شعبياً – كما لم يكونوا من قبل-، لا سيما عندما أضافوا إلى جيوش حربهم الجيش الإسرائيلي، وإلى سلاحهم سلاحه المجرم. ليس هذا فحسب، فإن الانقسام انتقل إلى دول مجلس التعاون الخليجي على نحو بالغ الوضوح، بل انتقل إلى داخل البيت السعودي على نحو سيكون واضحاً في وقت قريب جداً، ويخطئ بشدة من يعتقد أن العدوان الحالي على غزة –بغض النظر عن نتيجته- سيمر على الواقع السياسي العربي بلا أي ارتدادات.   

بالمقابل؛ فإن "الأخوان" ليسوا جماعة معصومة؛ لا فكرياً ولا سياسياً، والتنظيمات الأخوانية لها وعليها، وحالها الواقعي – بعيداً عن الأدبيات المفرطة في مثاليتها- كحال أية جماعة سياسية، تخطئ وتصيب، ومن حق الناس أن يكوّنوا قناعاتهم تجاهها سلباً أو إيجاباً، ولكن ليس من حق فرد أو جماعة أن يدعو أو أن يمارس الإقصاء السياسي بحق "الأخوان"، فكيف والحال الراهن؛ إعلان الحرب على وجود الجماعة وعلى حق أفرادها في الحياة!

لطالما كانت المبالغة تقلب الشيء إلى ضده. ثمة موتورون بالغوا في نشر ما سوف يخنقهم في أول هزة تعيد ترتيب الأوراق على الخريطة السياسية في المنطقة. التاريخ والواقع السياسي غنيان بنماذج لمن ساعدوا خصمهم فيما كانوا يعتقدون أنهم يحاربونه. جولة على الإعلام المصري البائس في زمن السيسي تؤكد أن طبقة الانقلابيين في مصر ستكون أحدث نموذج لهؤلاء.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق