لم تكن «الثَّورة
السُّوريَّة» بِدْعًا من بقيَّة «الثَّورات» التي سبقتها في بعض الدُّول العربيَّة
الأخرى، إذ قامت من أجل الحصول على مكتسبات «اجتماعيَّة» و«أخلاقيَّة» و«إنسانيَّة»
أصبحت حالةً من التَّرف الحياتيّ في بعض الدُّول «الغربيَّة»، في حين تنزف
الشُّعوب العربيَّة دمها في سبيل الوصول إلى بعضها.
لكنَّها كانت مميَّزة
من حيث موقعها، وموقفها، والنَّتائج التي ستترتَّب في حال انتصارها، فلم يكن بدٌّ
من استنفار «سياسيّ» و«استخباراتيّ» دوليّ من أجل احتوائها، وإنهائها، بما يحقِّق
المصالح، ولَيِّ الذِّراع «السِّياسيّ» لبعض دول منطقة «الشَّرق الأوسط».
وقد انتهجوا في تحقيق
ذلك طرقًا وسبُلاً مختلفة ضمن «إستراتيجيَّة» واضحة المعالم، ومحدَّدة الأهداف، وبقي
بعض هذه الطُّرق محصورًا في مناطق «الصِّراع» نفسها، وبعضها الآخر تجاوزها ليجعلوا
من «الصِّراع» نفسه «أفيونًا» يهدِّدُ بالموت كلَّ من يتعاطاه، أو يقترب من
متعاطيه.
وفي مقدِّمتها «تسليح»
الشَّعب عبر فتح الحدود وتسهيل إدخال «الأسلحة» بأنواعها كافَّة، حيث يصعب
السَّيطرة عليها فيما بعد، وإن كانت هذه العمليَّة مراقبة أشدَّ المراقبة، وضمن
خطَّة موضوعة مسبقًا تحول دون وصول «السِّلاح النَّوعيّ»؛ الذي من الممكن أن
يغيِّر في المعادلة شيئًا قد يؤدِّي في مرحلة ما إلى خروج «الصِّراع» عن النَّهج
المعدّ له، أو إحداث عنصر مفاجئ قد يلعبُ دورًا في تغيير «الإستراتيجيَّة»
الدُّوليَّة.
ولعلَّ من أهمِّها
كما أراه «أسلمة الصِّراع» إن جاز لنا التَّعبير في محاولة خطيرة من حيث تصويره
على أنَّه «إرهاب» يجب محاربته، وإيجاد «تحالف» دوليٍّ من أجل تحقيق ذلك، وهو ما
نراه واقعًا ملموسًا، في كلٍّ من «سوريا» و«العراق»، من خلال بثِّ الفكر «الدَّاعشيّ»
على أنَّه الصُّورة الحقيقيَّة لـ«الإسلام»، وحشد رأي إعلاميٍّ غربيٍّ في إيصال
هذه الصُّورة، وهي صورة مشوَّهة بلا شكّ.
وما يثير الدَّهشة
حقًّا عزوف كثير من الدَّارسين والباحثين عن التَّصَّدي لهذا التَّشويه والتَّزييف
الذي يصل العقلَ «الغربيّ»؛ بل إنَّ بعض العلماء يحاول أن يبرِّر هذا التَّشويه، و
أن يجدَ مخرجًا له، جريًا على عادتهم في تخريج ما لا يتقبَّله عقلهم، وقد يكون هو
الصَّواب عينه، وما أرى صنيعهم هذا إلا جهلاً بـ«التَّاريخ»، واعتمادًا على
التَّحريف «الدِّينيّ» الذي وصل مشبوهًا عبر مرحلة زمنيَّة ليست بالقليلة.
ولا ننكر هنا أنَّ
الفكر «الدَّاعشيّ» لم يكن ليحدثَ لولا سكوت كثير من أهل العلم والمعرفة على الإرث
«التَّاريخيّ» و«الدِّينيّ» المزخرف والبعيد عن جوهر «الدِّين»؛ بل أكاد أجزم
أنَّه لا يمتُّ لـ«الدين» بصلة، وما هو في حقيقته إلا منتوج «سياسيِّ» جعلَ من «الدِّين»
وسيلة لتحقيق أهدافه ومطالبه.
ولا يخفى على أحدٍ
حالة الاحتقان الفكريّ «الطَّائفيّ» بين «السُّنَّة» و«الشِّيعة» والذي تحوَّل إلى
«اقتتال جسديِّ» يغذِّيه فكرٌ متأصِّلٍ يعتمد على الفرقة «النَّاجية» والأخرى «الضَّالَّة
الكافرة»، بعدما تمكَّن من مقاليد الحكم في بعض الدُّول، وإيجاد الدَّعم «السِّياسيّ»
و«اللوجستي» له، حتى أصبحنا نرى حالة من قطع «الرُّؤوس» و«التَّكبير» عليها، على
أنَّها قربة من «الله»، ورفع «الرَّايات» التي تحمل اسم «الله».
كما لا ننسى دور «الاستخبارات»
الدُّوليَّة في إنماء هذا الفكر، إضافة إلى استقطاب كلِّ من يحمل الفكر «الجهاديّ»
في دولهم، وزجِّه في منطقة «الصِّراع»، وهو «صراع» سيطول أمدُه ما لم يقمْ أهل
الحكمة والرَّأي والمشورة في الدُّول «العربيَّة» والدُّول «الغربيَّة» على حدٍّ
سواء، مع تأمين الدَّعم اللازم لهم «سياسيًّا» و«إعلاميًّا» من أجل إنهاء «الصِّراع
الفكريّ الموروث» كخطوة أولى لمحاولة إيقاف «الاقتتال الجسديّ» القائم، وهي خطوة
لا أظنُّ أنَّها ستلقى القَبول في المرحلة الرَّاهنة؛ لعدم وجود «إرادة دوليَّة»
لذلك.
د. محمد عناد سليمان
16 / 10 / 2014م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق