تعريف الخوارج:
كل من خرج على الإمام الحق الذي
اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيا، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة
الراشدين، أو كان بعدهم على التابعين بإحسان، والأئمة في كل زمان.
والخارجي هو الذي خلع طاعة الإمام
الحق، وأعلن عصيانه، وألب عليه، بعد أن يكون له تأويل.
بداية أمر الخوارج:
بعد استشهاد عثمان بن عفان رضي
الله عنه، وهو ثالث الخلفاء الراشدين، بايع الصحابة الموجودون بالمدينة علي بن أبي
طالب رضي الله عنه بالخلافة ما عدا نفرا من الصحابة وهم: "سعد بن أبي وقاص وعبد
الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد" رضي الله عنهم.
وظهرت على الساحة السياسية
الإسلامية بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه فرقتان:
الفرقة الأولى وهي الشيعة
(المتشيعون لعلي على أنه أحق بالخلافة من عثمان)، والفرقة الثانية هي الخوارج،
وهما مذهبان متعارضان. فقد كانت الشيعة تقدس عليا، أما الخوارج فكانوا يكفرونه،
وكان من أصول الشيعة التقية، بينما الخوارج تقول بالخروج على السلطان الجائر في
غير مواربة.
ويطلق على الخوارج اسم المارقة
والشراة، وهم أشد الفرق الإسلامية دفاعا عن اعتقادهم، وحماسة لأفكارهم وشدة في
تدينهم واندفاعا فيما يرونه ويعتقدونه ويدعون إليه.
وطالب الخوارج عليا بالإقرار على
نفسه بالخطأ والكفر لقبوله التحكيم. فرفض علي رضي الله عنه مطلبهم فأعلنوا خروجهم
عليه. واجتمعوا في دار أحدهم وتدارسوا الأمر وقرروا الخروج إلى قرية "حروراء"
وسماهم الناس بالحرورية أو المحكِّمة الذين قالوا: "لا حكم إلا لله".
وهكذا غدت الخوارج فرقة مميزة عن
صفوف المسلمين، وسموا أنفسهم بالشراة، لأنهم - على زعمهم - باعوا أنفسهم لله تعالى
لقوله سبحانه: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله). وكان الخوارج من
الناحية الدينية يمثلون الفئة القليلة المؤمنة التي لا تقبل في الحق مساومة،
وزعماؤهم كانوا من جماعة القراء والفقهاء الحريصين على الالتزام بالكتاب والسنة
دون مواربة أو تأويل.
نتائج التحكيم:
وكان من نتائج التحكيم تباغض
القوم، وقد أقبل بعضهم يتبرأ من بعض، فالأخ يتبرأ من أخيه، والابن يتبرأ من أبيه.
وأمر علي بن أبي طالب رضي الله عنه
القوم بالرحيل، لعلمه باختلاف الكلمة وتفاوت الرأي، وعدم انتظام أمورهم، وما لحقه
من الخلاف بينهم، وكثر التحكيم في الجيش العراقي - شيعة علي وأنصاره - وتضارب
المقاتلون بالمقارع ونعال السيوف، وتسابوا، ولام كل فريق منهم الآخر في رأيه، وسار
علي ميمماً وجهه شطر الكوفة. ولحق معاوية بدمشق من أرض الشام.
ولما دخل علي الكوفة انحاز عنه
اثنا عشر ألفا من القراء وغيرهم فلحقوا بحروراء، وجعلوا عليهم "شبث بن ربعي
التميمي، وعلى صلاتهم عبد الله بن الكواء اليشكري"، فخرج علي إليهم وكانت له
معهم مناظرات، فدخلوا جميعا الكوفة.
وعندما عاد علي إلى الكوفة جعلت
الحرورية تناديه وهو على المنبر "جزعت من البلية، ورضيت القضية، وقبلت
الدنية، لا حكم إلا لله"، فيقول علي رضي الله عنه: "حكم الله انتظر فيكم"،
فيقولون (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من
الخاسرين). فيقول علي رضي الله عنه: (فاصبر إن وعد الله حق، ولا يستخفنك الذين لا
يوقنون).
تعاليم الخوارج:
لقد بدأ الخوارج كلامهم في أمور
تتعلق بالخلافة، فقالوا بصحة خلافة أبي بكر وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما لصحة
انتخابهما. ثم استهوتهم فكرة البراءة من عثمان بن عفان رضي الله عنه وعلي بن أبي
طالب كرم الله وجهه، والحكام الظالمين من بني أمية، حتى سيطرت على إفهامهم واستولت
على مداركهم استيلاءً تاماً، وسدت عليهم كل طريق يتجه بهم للوصول إلى الحق، وأغلقت
أمامهم كل باب ينفذون منه إلى معاني الكلمات التي يرددونها، بل إلى معاني حقائق
الدين في ذاتها. وصاروا لا يضمون إليهم إلا كل من تبرأ من عثمان وعلي والحكام
الظالمين من بني أمية. وعند ذلك فقط يرضون أن يضيفوا اسمه إلى أسمائهم ، متسامحين
مع كل من يقول قولهم في مبادئ أخرى من مبادئهم، وربما كانت أشد أثرا.
وقال فقهاؤهم بصحة خلافة عثمان قبل
أن يغير ويبدل، فلما غير وبدل وجب قتاله والثورة عليه. أما علي فإن سيرته كانت
حسنة حتى نهاية معركة صفين، فقد أقروا بصحة خلافته، ولكنهم قالوا: أخطأ في
التحكيم، وحكموا بعد ذلك بكفره والخروج عليه.
وطعن الخوارج في أصحاب الجمل "طلحة
والزبير" وأباحوا قتالهما وقتال عائشة، وحكموا بكفر "أبي موسى الأشعري
وعمرو بن العاص".
أما رأيهم في معاوية فإنه مغتصب
للخلافة وهو كافر يجب قتاله.
وبعد أن حملت الخوارج عليا على
التحكيم، وحملته على القبول بحكم بعينه، جاءت بعد ذلك واعتبرت التحكيم جريمة
كبيرة، وطلبت إلى علي أن يتوب عما ارتكب، لأنه - على حد زعمهم - قد كفر بقبوله
التحكيم، كما أقروا هم بكفرهم ثم تابوا. وتبعهم على توبتهم هذه عدد من الأعراب،
الذين قال الله فيهم: ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل
الله على رسوله والله عليم حكيم). وصار شعار الخوارج الذي يرددونه بمناسبة وغير
مناسبة: "لا حكم إلا لله" - وهي الكلمة التي وصفت بأنها كلمة حق أريد
بها باطل- وبعد رفض علي لمطالب هذه الفئة الباغية، أعلنوا الخروج عليه، بعد أن
كانوا يجادلونه، ويقطعوا عليه القول.
===
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق