(يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله، ولْتنظر نفسٌ ما قدمَتْ لغد ، واتقوا الله ، إن الله خبير بما تعملون،ولا
تكونوا كالذين نسُوا اللهَ فأنساهم أنفسهم ، أولئك هم الفاسقون،لا يستوي أصحاب
النار وأصحاب الجنّة ، أصحاب الجنة هم الفائزون.) سورة الحشر18-20
جاءت هذه الآيات تتويجاً
للآيات التي سبقتها ، فقد عاقب الله تعالى يهود بني النضير حين أرادوا قتل نبيه
الكريم غيلة بالخوف يغزو قلوبهم ، فأجلاهم عن المدينة وجعل ديارهم للمسلمين ، ثم
مدح المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم جميعاً ،فالمهاجرون تركوا ديارهم للحفاظ على
دينهم ، والأنصار احتضنوهم وقدموهم على أنفسهم. ثم فضح المنافقين وجبنهم ، واليهود
وخوفهم ، ووصف المنافقين -الذين وعدوا اليهود بمنعهم والدفاع عنهم ثم نكولهم
السريع عن ذلك خوف المسلمين -بالشيطان الذي زيّن للمرء الكفر ودعاه إليه ، فلما
وقع فريسة لوسوسته تبرّاَ منه، فهما معاً في جهنّم.
هكذا كان عقاب من نسي الله
تعالى وجاهره بالعداوة ،فكان النداء للذين آمنوا أنْ:
1- يتقوا الله في أنفسهم
قولاً وعملاً.
2- أن يعملوا للآخرة حين
لا ينفع مالٌ ولا بنون، والنجاح فقط لأهل
الإيمان الذين كان خوف الله تعالى وإرضاؤه زادهم إليه.
3- التنبيه إلى علم الله
بما بعمل المرء وما يقول ، فلا يخفى على الله شيء،والإنسان محاسب على كل صغيرة
وكبيرة .
4- من نسي الله وأوامره
ونواهيه ضل وسقط في سعيه، وفُضح أمرُه كما فُضح المنافقون في وعدهم لليهود بمساعدتهم
ضد المسلمين ،فباءوا جميعاً بالخزي والهوان. فمن نسيَ أو تناسى ما كُلّف به عامله
الله بالمثل فتناساه،
5- ومن تعامى عن دين الله وهجَرَه كان فاسقاً ،
والفاسقون من أهل النار، والعياذ بالله .
6- المؤمنون يفوزون برضاء
الله وجنته ، والفاسقون يبوءون بغضب المولى وناره ، وشتان ما بين النهايتين فأصحاب
الجنة أهل النعيم المقيم والحياة الرغيدة الخالدة.
إن القرآن هو الهادي إلى
الخير المحض وما عداه سراب لا حقيقة له:( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر
المؤمنين الذين يعملون الصالحات أنَّ لهم أجراً كبيراً وأن الذين لا يؤمنون
بالآخرة أعتدنا لهم عذاباً أليماً) سورة الإسراء 9 . وفي سورة الحشرهذه نجد المعنى
نفسه يُضاف إليه المثال الذي يُثبت في النفس الفكرة ويؤيدها ( لو أنزلنا هذا
القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، وتلك الأمثال نضربها للناس
لعلّهم يتفكرون) . فإذا كانت الجبال تعي حقيقة كتاب الله وتتمثله فهماً وتطبيقأ ، ومعنىً
ولفظاً فتخشع له، وتكاد صخوره الصمّاء تتشقق وتتهاوى من خشية الله ووعِظَمِ جلاله
سبحانه، أفلا تتطامن نفوس البشر فتعلمَ المهمة الملقاة على عاتقها وتعمل ليوم
تتقلب فيه القلوب والأبصار؟!
لقد ذكر التفكر في القرآن
في صيغ متعددة يأمر بها الناسَ أن يتفكروا في أنفسهم وفيما حولهم زهاء أربع عشرة
مرة ، إن الفرق بين الإنسان والحيوان الأعجم ( التفكر والتدبّر ) ثم العمل السليم
الذي يحقق الهدف ويصل بالمرء إلى شاطئ السلامة
فإذا فكر المرءُ وتدبّر
وصل إلى اليقين بأنّ الله تعالى :
( هو الله الذي لا إله إلا
هو عالم الغيب والشهادة ، هو الرحمن الرحيم،
هو الله الذي لا إله إلا
هو الملكُ القُدّوس السلامُ المهيمنُ العزيزُ الجبارُ المتكبِّرُ ،
سبحان الله عما يُشركون،
هو الله الخالق البارئ
المصوِّرُ ، له الأسماءُ الحُسنى ،
يُسبّح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز
الحكيم)سورة الحشر الآيات 22-24
إنه سبحانه يدعونا إلى
النأي عن وسوسة الإنس والجنّ وإلى التفكر في الحياة وسببها ومآل الإنسان بعد الموت
.. وإلى العمل الصالح .فهل نعي ونتدبر؟ ..
من فعل ذلك كان من الناجين
وفي عِداد الفائزين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق