قال تعالى : " يا أيها الذين
آمنوا لا تتخذوا عدُوّي وعدوَّكم أولياءتُلقون إليهم بالمودّة ، وقد كفروا بما
جاءكم من الحقِّ، يُخرجون الرسول وإياكم أنْ تُؤمنوا بالله ربكم ،إن كنتم خرجتُم
جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي، تُسٍرّون إليهم بالمودّة ، وأنا أعلم بما
أخفيتَم وما أعلنْتُم،ومن يفعلْهُ منكم فقد ضَلَّ سواءَ السبيل " الآية
الأولى سورة الممتحنة
نداء للمؤمنين أن يكونوا حذرين في التعامل مع الأعداء الذين إن رأوا
من المسلمين قوة أظهروا لهم من طرف اللسان حلاوة وهم يمكرون بهم ويعملون جهدهم
للإيقاع بهم،
كان
سبب نزول صدر هذه السورة الكريمة قصة حاطب بن أبي بلتعة فقد كان رجلا من المهاجرين
وكان من أهل بدر أيضا وكان له بمكة أولاد ومال ولم يكن من قريش أنفسهم ،بل كان
حليفا لعثمان فلما عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكة في السنة الثامنة
للهجرة أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال " اللهم
عمِّ عليهم خبرنا " فعمد حاطب هذا فكتب كتابا وبعثه مع امرأة من قريش إلى أهل
مكة يعلمهم بما عزم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوهم ليتخذ بذلك عندهم
يدا ،فأطلع الله تعالى على ذلك رسوله صلى الله عليه وسلم استجابة لدعائه فبعث في
أثر المرأة، فأخذ الكتاب منها قال عليٌّ رضي الله عنه : بعثني رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال " انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها
ظعينة معها كتاب فخذوه منها " فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتى أتينا الروضة
فإذا نحن بالظعينة قلنا أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب .قلنا لتخرجِّن الكتاب أو
لنلقين الثياب. قال فأخرجت الكتاب من عقاصها فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول الله
صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة
يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" يا حاطب ما هذا ؟ " قال لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم
أكن من أنفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون أهليهم بمكة فأحببت إذ
فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا
ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" إنه صدقكم " فقال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم " إنه قد شهد بدرا ما يدريك لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال
اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " فأنزل الله سورة الممتحنة " يا أيها
الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء "
1- فالولاية للذين آمنوا، وأما العدو
فلا ولاية له على المسلمين، بل الحذر والتاهب لما قد يبدر منه.
2- ومن كان عدوّاً لله فهو عدوٌّ
لأولياء الله المسلمين ، قولاً واحداً، فلا ينبغي أن نأمن جانبهم.
3- يمكن أن يعاملوا بحذر أما المودّة
والحب والتآخي فللمؤمنين ليس غير .
4- سبب العداوة الكفرُ بالله ومحادّتُه
ومحادّة أوليائه والغدرُ والإيقاع بهم .
5- ومن الدلائل على كرههم للمسلمين أنهم
عذّبوهم في مكة وحاولوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، فاضطر المسلمون إلى الهجرة
جنوباً ( الحبشة) ثم شمالاً ( المدينة المنوّرة) والحروب التي شنوها على المسلمين
في بدر وأحد والخندق وغيرها رغبة في استئصال الإسلام وأهله. وما يفعلونه بالمسلمين
من حقد وإيذاء على مدى التاريخ وإلى أن تقوم الساعة أكبر دليل على مكرهم بالمسلمين
وغدرهم بهم.
6- والمجاهد في سبيل الله لا يتخذ من
الكفار أصدقاء يُسِر لهم بالمودّة بل يتقرب إلى الله بمحبته وطاعته ومجاهدة الكفار
والمنافقين .
7- والله تعالى بعلمه لما نخفي وما
نعلن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فينبهنا إلى العمل الصالح الذي يرضيه ،
ومن نأى عن ذلك فقد ضل الطريق الصحيح إلى مرضاته سبحانه.
فبِم يتصف هؤلاء الأعداء الذين حذَّرَنا
الله منهم؟ يقول تعالى :
" إن يَثقَفوكم يكونوا لكم أعداءً
، ويَبسُطوا إليكم أيدِيَهم وألسنَتَهم بالسوء ، وودّوا لو تكفرون" الاية 2
الممتحنة
1- إن تمكنوا من المسلمين ففاقوهم قوة
وعدداً أظهروا العداوة التي أضمروها في ضعفهم .
2- وبطشوا بالمسلمين قتلاً وذبحاً
وتنكيلاً فساموهم الذل والإهانة وسبوهم وشتموهم وعابوا دينهم وأظهروا خبيئة أنفسهم
( لا يرقُبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمنة وأولئك هم المعتدون) الأنفال 10.
3- ويودون أن يرتدّ المسلمون عن دينهم
، ويعملون لذلك ليكونوا في الكفر مثلهم.
" لن تنفعَكُم أرحامُكم ولا
أولادُكم، يوم القيامة يَفصِل بينكم ، والله بما تعملون بصير"الآية 3 سورة
الممتحنة
ليس للقرابة والنسب عند الله تعالى قيمة ما لم
يشفعها إيمان وعمل صالح،ومن وافق أهله على الكفر ليرضيهم فقد خاب وخسر وضل عمله ،ولا
ينفعه عند الله قرابته من أحد ولو كان قريبا إلى نبي من الأنبياء . فعن أنس رضي الله عنه أن رجلا قال يا رسول الله
أين أبي ؟ قال " في النار" فلما قفّى دعاه فقال " إن أبي وأباك في
النار" ورواه مسلم وأبو داود.
" يا أيها الذين آمنوا ؛ لا تتولَّوا قوماً
غضب الله عليهم ، قد يئِسوا من الآخرة كما يئس الكفارُ من أصحاب القُبور"
الاية 13 سورة الممتحنة
البَون بين المؤمنين
والكفار واسع ، لا لقاء في الهدف الأصيل ، إنما نلتقي في بعض المصالح الدنيوية
المؤقتة ، ثم يستمر الصراع بين الطرفين ، أحدهما الحقُّ والثاني الباطل ،وكل يسعى
إلى الانتصار على الآخر ويحشد له كل القوى.
وفي هذه الآية الأخيرة من
السورة يأتي النهي واضحاً عن موالاة الكافرين
كما نهى عنها في أولها وليسوا سوى اليهود والنصارى والملاحدة ممن غضب الله عليه
ولعنه واستحق الطرد والإبعاد فكيف يواليهم المسلمون ويتخذونهم أصدقاء وخُلاّناً
وقد جحدوا الآخرة حين أنكروا الحساب والعقاب والثواب !
إن الكفار بإنكارهم يوم الدين اقتنعوا أنهم لن يروا
آباءهم ومن سبقهم إلى الموت ،وأنه لا بعثَ ولا نشور،كما أن الكفار من أصحاب القبور
حين عاينوا الحقيقة ورأوا أنهم من أصحاب النار يئسوا من النجاة منها وايقنوا أنهم
من أهلها .
فما ينبغي للمسلم – إذاً – أن يتولى الكافر فيقدم
مصلحته على المسلمين وإلا كان منهم .
إننا نرى كثيراً ممن يُحسبون على المسلمين والَوا
الكفار وعملوا في خدمتهم واندمجوا فيهم واتخذوهم قدوة وكانوا جنوداً يخدمون
مصالحهم ، هؤلاء على خطر كبير ينزع الإيمان من نفوسهم ويودي بهم في ما لا يُحمد
عقباه من غضب الله ومقته، والعياذ بالله.
إنه سبحانه ينادينا منبهاً ومحذّراً ،
فهل وعينا الأمر واصلحنا أمرَنا وسرنا على هدى
الحكيم الخبير؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق