إن كنت ثائراً في يوم من الأيام لا
بد وأنك أكثر من تعبت وأنهكت وربما مللت بل وربما شارفت على اليأس أو يئست .. خاصة
بعدما تحالفت دول العالم على قضيتك وتراها في تعقد متعاقد مع التعقيد .. وخاصة بعد
أن رأيت من فقدان الكثير من الثوار لبوصلتهم وسقوط كثيرين وانحرافهم، وموت كثير من
المخلصين والتخلص منهم بكافة الأشكال .. لا بد وأن هناك من يطرق مسامعك كل حين أن تسافر
أو تهاجر فلا أمل من سورية التي كنت تعرف.. أو التي كنت تأمل أن تكون .. لا بد وأن
الصورة التي رسمتها في مخيلتك حين قمت بالثورة لا تمت لصورة سورية اليوم بأي صلة مطلقاً.
اختلفت عليك النتائج التي لم تكن تتوقعها،
لربما أنت تؤثر اليوم الهجرة في البحر خائضاً خطراً يمثل ما يقارب 50% على حياتك أو
ترى من يفعلون ذلك فيزيد يأسك بالمستقبل ..
لا بد وأنك قد تساءلت يوماً .. لماذا
نحن (على دورنا) خربت الدنيا وانكشفت سوءة العرب وصرنا في ذل لا ثاني معه! تساؤلات
وتساؤلات مما يخطر على البال.
من يهاجر اليوم هم قسمان، مضطرون أخرجوا
مكرهين وفاقت حاجتهم للهجرة قدرتهم على البقاء حيثما هم .. قلوبهم معلقة بالوطن أو
مضطرون فهؤلاء سيتعلمون مما في خارج صندوق عاداتهم وتقاليدهم وتفكيرهم المحدود إلى
عالم أوسع من تبادل ثقافي وإن كان بطريقة تفاوت بالمراتب ولكنهم مع الزمن سيتعلمون
ما ينقصنا من حياة مجتمع ناجح ويقارنون إن كانت قوة محاكماتهم صحيحة فسيعودون إلى الوطن
حاملين معهم فكراً جديداً يتمازج مع أصولهم فيبنون وتتغير العقليات التي نعاني منها
اليوم نحو الأفضل .. هناك صنف آخر من المهاجرين خرجوا ابتغاء الدنيا فهجرتهم إلى ما
هاجروا إليه وقد نسوا أوطانهم وأصولهم وفضلوا الانسجام مع الغرب والغرق فيهم وبالتالي
فضلوا الانفصال عن جذورهم وهؤلاء لن يضرنا خسرانهم كبناة للوطن ما دام هناك من يؤمن
به ولكنهم يؤلموننا لأننا لا نريد لأحد أن يضيع عن وطنيته فضلاً عن جذوره ومسؤوليته
تجاههما.
يا من تشاءمت حتى يئست، ربما صدماتك
المتلاحقة في كل مرحلة من مراحل الثورة كفيلة بإيصالك لما وصلت إليه .. ولكن .. مهلاً
.. ترى هل كل توقع يجب أن يكون في محله وخاصة في حالة مثل حالتنا "تغيير عربي
شامل جذري" يمثل تحدياً لدول العالم التي تعاونت على وقف وإيقاف إرادة شعب تحدى
حتى أدهش.
ربما لا تذكر من أحداث التاريخ أن
كل فئة ثارت أو رفضت ظلماً أو عدواناً من قوي أو جبار يملك مفاتيح القوة لم يستطيعوا
عليه، وكانت النهاية من عند الله إحقاقاً لحق ضعيف، لا أظن أن شتات أمرنا قوة وكيف
لشعب أن يلملم شتات أمره بعد أن تربى وتكون وتهيكل على غير ذلك ... طبعاً ليس من السهولة
ولكن المحاولات عليها ألا تنتهي لأنها تولد هي بذاتها تغييراً جذرياً في منظومة عشنا
وترعرعنا عليها حتى مازجت عظامنا ودماءنا، وفي النهاية لا أظن أن تلك المحاولات إلا
هي تكوين للتغيير في منظومات شتى ومتعددة الاتجاهات بدءاً من طرائق التفكير إلى طرائق
التعامل إلى الحياة وأنماطها .. لا تحزن إن كانت سورية اليوم مختلفة عن التي عرفتها
فهذا طبيعي طبعاً ولا يعني بالضرورة الإشارة للخراب فقط بل إن التغيير يشمل أكثر من
ذلك خراب وبناء في ذؤات الوقت وإن كان العمران كله إلى خراب ولكن ثمة ألطاف خفية تنمو
كبذور تنتش في بيئة تترعرع على تربة أخرى وتسقى من مياة أخرى.
مثلاً لا مكن للجيل الحالي أن يتقبل
ما كان يتقبله السابق من التربية البعثية وتمجيد وتقديس هادم البلاد، طبعاً ليس كالجيل
السابق الذي يقوم بالثورة.. والذي يقوم بالثورة لا يمكن أن يكون في تعامله مع الآخرين
كما كان سابقه خروفاً مطيعاً لأوامر الحزب الأوحد والقائد الفذ الذي خرب البلاد بقيادته
الحكيمة.. التغييرات في الذوات كبيرة وانقلابات شرسة تجري تجعل من الداخل زلزالاً مضطرباً
لا يستقر حتى يرضى المضطربون .. لا الخارجون عن دائرة الاضطراب.
هذا تغيير إيجابي يعيد الأمل ولو بعد
حين ولكن الأمل موجود فماذا سيكون منك يا من فقدت الأمل للأبد.. تذكر كيف مات فرعون
وكيف مات قارون وكيف مات ومات ومات .. بمن لا طاقة لمن كانوا مع كل أحد منهم عليه
.. لم يقتله الناس! إنما قدرة الله .. تذكر جبابرة الماضي وستجد قاعدة في ذلك أن الضعفاء
الثائرين لم يتمكنوا ولكن يد الله وسننه أقدر وهي القادرة فالإنسان مهما قوي هو ضعيف
أمام قدرة الله.. بقي أنت أين ستكون؟
ما موقفك وأين أنت من كل ذلك؟
أنت في امتحان فهل ستنجح أم ستفعل
فعله النبي يونس التقمه الحوت حينما قرر السفر والهجرة من قومه الذي أيس منهم.
أمر آخر .. هل ستنتظر الجيل القادم
حتى يحقق ما بدأه هذا الجيل .. من العار أن ننتظر جيلاً ،، فسيدنا يونس لم ينتظر
.. علمه الله تعالى أن فعله خاطء حتى استغفر وعاد فكانت النتيجة كما أحب وحاول ولم
يفلح رغم طول السنين .. لماذا نأمل ونكثر الأمل في الأجيال التالية لماذا لا نصنع نحن
النصر ،، لا أظن أن هناك إخفاقاً أكثر مما حصل مع سيدنا يونس سنوات عديدة حتى تمالكه
اليأس وانصرف عن قومه وغاب عنهم فكانت النتيجة إلهية وإيمانهم في غيابه .. لم تكن نتيجة
فرعون وموته وهلاكه من صنع موسى بل من صنع الله فأغرقه في البحر بعد أن علمهم خوض البحر
وأوصلهم ربهم لهذا الامتحان .. لم تكن نهاية قارون على أيدي ضعفاء الإيمان في الافتتان
بقارون وملكه بل في آية من آياته لم تغن عنه مفاتحه التي تنوء بالعصبة أولي القوة شيئاً.
أنت وأنا لا نملك النتائج ، نحن مأمورون
بالعمل للوصول لتلك النتائج وإن كان فارق القوة هائلاً كما هو اليوم .. تحالف دولي
عالمي ضد إرادة شعب باسم وبحجة داعش حين أحسنت أمريكا بمكرها حشد الحشود لضرب من تشاء
كيفما تريد دون مساءلات وبدعوى الخطأ .
كل قادر وقوي يوجد أقوى منه ، يكفي
النظام ذلاً أن هزأته أمريكا عندما طالب بالمشاركة إذاً قد هزم وجوده وتنحى حتى في
نظر الشعب كله وإعلامياً أمام العالم .. بقي أن ينتصر الشعب ويستلم إرادته ويحققها
وهذا لا يكون حتى يمر بتجرارب تربية كما مر بها بنو إسرائيل بخوض البحر وكما مر بها
سيدنا يونس حينما ابتلعه الحوت .. هي فترة امتحان فطوبى لمن ينجح بشقها القاسي ويصل
إلى تملك زمام الأمور فينجح في الشق الثاني من الامتحان الذي قد يعتبره الآخرون أهون
وهو الأصعب ونرى صعوبته من خلال تجارب صغيرة جربناها هنا وهناك.
إذاً لا تيأس فالدنيا امتحان ونحن
نخوض امتحان أمة عملي تغييري وفرصة نادرة بين الشعوب فضلاً عن الأزمنة .. قد اختارنا
الله لهذا.
شام صافي
5-10-2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق