وفي عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز سنة 100هـ خرج بسطام
اليشكري ويعرف بشوذب وهو رجل من بني يشكر خرج بالعراق، وكان الوالي على العراق عبد
الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب. خرج بسطام في مكان يسمى جوخى ومعه ثمانون
فارسا أغلبهم من ربيعة، ولما بلغ أمرهم إلى عمر كتب إلى عبد الحميد أن يبعث إليهم
رجلا حازما وألا يحركهم بشيء إلا أن يسفكوا دما أو يفسدوا في الأرض ، فبعث
إليهم عبد الحميد محمد بن جرير في ألفي رجل من أهل الكوفة وأمره بما قال عمر.
ثم كتب عمر إلى بسطام يدعوه إلى الطاعة ويسأله عن سبب خروجه
ويطلب إليه أن يبعث من قبله من يناظره لتظهر الحجة على أحدهما، فكتب بسطام
إلى عمر قد أنصفت ثم بعث وفدا من قبله إلى عمر فتناظرا فظهرت الحجة لعمر ولكن
وجهوا إلى عمر سؤالا محرجا قائلين له: "أخبرنا عن يزيد لم تقره خليفة
بعدك؟ فاعتذر بأنه لم يوله هو وإنما ولاه غيره"، ولكن هذا الجواب لم يكن
كافيا عندهم في هذه المسألة فقال له الخوارج: "أفرأيت لو وليت مالا
لغيرك ثم وكلته إلى غير مأمون عليه أتراك كنت أديت الأمانة إلى من
ائتمنك؟ "، فقال لمن تولى المحاورة وكانا اثنين: أنظراني ثلاثا، فخرجا
من عنده. وحين علم بنو أمية بهذا خافوا خروج الخلافة عنهم فيقال إنهم دسوا له سما
فتوفي في تلك الأيام الثلاثة، ومناظرتهم مشهورة في كتب التاريخ.
وبعد وفاة عمر أمر عبد الحميد محمد بن جرير بمناجزتهم قبل
أن يبلغ الخوارج موت عمر وقبل أن يرجع وفدهم فعلموا حينذاك أن حدثا قد حدث في
الخليفة وأنه قد مات، فحملت الخوارج على محمد بن جرير فهزموه شر هزيمة فأرسل لهم
يزيد، تميم بن الحباب في ألفين ولما التقوا قال لهم تميم: إن يزيد لا يفارقكم على
ما فارقكم عليه عمر، فلعنوه ولعنوا يزيد معه، ونشبت المعركة فانهزم تميم وجيشه،
فوجه إليهم يزيد جيشا آخر بقيادة الشحاج بن وداع في ألفين فكان مصيره مصير من
سبقه، وهكذا وقفوا كأنهم القدر المحتوم لا يستطيع أحد أن ينال منهم مطلبا إلى أن
جاء مسلمة بن عبد الملك الكوفة فشكا أهلها إليه ما لاقوه من شوذب وخوفوا مسلمة
منه، فأرسل مسلمة حينذاك قائدا شجاعا هو سعيد بن عمرو الحرشي في عشرة آلاف فارس،
فالتقوا في معركة حامية الوطيس كانت فيها نهاية الخوارج؛ فقد أفنوهم عن آخرهم
وانتهى بسطام وانتهت حركته.
وفي سنة 105هـ, خرج عقفان ومعه ثمانون رجلا في خلافة يزيد
بن عبد الملك فأشير على يزيد أن لا يرسل جيشا لمحاربته بل يرسل إلى كل رجل مع
عقفان رجلا من أقاربه حتى يرده عن الخروج بالاستعطاف والتلطف إليه، وفعلا نجحت هذه
الخطة حتى بقي عقفان وحده فأرسل إليه يزيد أخاه فاستعطفه فرده عن الخروج، وانتهت
فتنة كادت أن لا تنتهي إلا بضحايا كثيرة.
فلما توفي يزيد وتولى هشام بن عبد الملك ولاه أمر العصاة
فاشتد حتى أنه لم يرحم ولده الذي جاء من خراسان غاضبا على الخليفة فقد قبض عليه
عقفان وأرسله إلى هشام مقيدا، فقال هشام: لو خاننا عقفان لكتم أمر ابنه ثم عفا عنه
لأبيه وولى عقفان أمر الصدقة.
ثم خرج مسعود العبدي سنة 105هـ أيضا.
هذا الخارجي يسمى مسعود بن أبي زينب العبدي ومكان خروجه
البحرين، وقد أخذ في التوسع إلى أن بلغ اليمامة فخرج إليه عاملها سفيان بن عمرو العقيلي
فالتقوا بالخضرمة واقتتلوا قتالا شديدا، وقتل مسعود فتولى بعده رجل يسمى هلال بن
مدلج، واستمرت المعركة يوما آخر كاملا إلى أن جاء المساء فتفرق الخوارج منهزمين
حتى بقي هلال ومعه جماعة قليلة تحصن بحصن كان هناك، ولكن لم يدم بقاؤه فيه فقد
نصبت السلالم عليه وأخذ هلال فقتل واستأمن من بقي منهم.
وفي نفس السنة خرج مصعب بن محمد الوالبي، خرج هو ومن
معه إلى أن وصلوا إلى مكان يسمى حزة من مقاطعة الموصل فأرسل لهم هشام جيشا فالتقوا
هناك في معركة انتهت بقتل مصعب وكثير من الخوارج.
ثم خرج الصحاري بن شبيب سنة 119هـ.
جاء هذا الرجل إلى خالد بن عبد الله والي العراق من قبل
هشام بن عبد الملك يسأله الفريضة مع أهل الشرف فهزئ به خالد وقال: وما يصنع ابن
شبيب بالفريضة؟، فلم يظهر الصحاري أي تغير ثم ودع خالدا وخرج، ولكن ذلك الخروج قد
هز ضمير خالد فخاف أن يفتق عليه أمرا يكرهه فأرسل في طلبه من يرده فقال لهم: أنا
كنت عنده آنفا فأبوا أن يتركوه فجرد سيفه عليهم فتركوه فذهب مستخفيا بنفسه إلى أن
وصل إلى مكان يسمى جبل كما يقول الطبري، أو حبل كما يقول ابن الأثير، ينزله ناس من
بني تيم اللات من ثعلبة فاستمالهم إليه فقبل منه بعضهم، وتوقف آخرون، وأبى غيرهم
وقالوا: نحن في عافية، فخرج الصحاري بمن أطاعه وكانوا ثلاثين فارسا حتى أتى
المناذر، وحين بلغ أمره خالدا قال: قد كنت خفتها منه فأرسل إليهم جيشا التحم معهم
في معركة انتهت بالقضاء على الصحاري ومن معه جميعا.
وفي هذه السنة أيضا خرج كثارة؛ ويسمى بهلول بن بشر ويلقب
كثارة، كان عابدا مجتهدا وكان على جانب عظيم من الشجاعة والخبرة الحربية، وعقد
العزم على الخروج ولكنه أخفى ذلك حتى يتم حجه، فذهب إلى مكة وفيها قابل بعض
أصدقائه والذين يرون رأيه فعزموا على الخروج معه وتحت إمرته وتواعدوا مكانا سموه
من نواحي الموصل، فلما اجتمعوا في تلك القرية أجمع رأيهم على أن لا يمروا بأحد إلا
قالوا له بأنهم راجعون من عند الخليفة هشام وأنهم ذاهبون إلى خالد لتولي بعض
الأعمال وكانوا يأخذون في طريقهم دواب البريد إلى أن وصلوا تلك القرية التي اشترى
فيها الخل. قال بهلول: نبدأ بهذا العامل فنقتله، وقال أصحابه: إن الغرض الأهم هو
قتل خالد. فقال كثارة له: إني لأرجو أن أقتل هذا وخالدا فبدأ وقتله وبلغت أخبارهم
خالدا فحذرهم الناس، ثم خرج خالد إلى الحيرة ومنها أرسل لهم ثمانمائة رجل، وعندما
بدأت الحرب بينهم انهزموا أمام الخوارج.
فلما وصلت أخبارهم خالدا بعث إليهم جيشا آخر يقوده رجل من
بني شيبان وحين لقيهم بهلول شد عليهم فقال له ذلك القائد: نشدتك بالرحم فإني جانح
مستجير فكف عنه. وانهزم أصحابه ثم طمحت نفس كثارة إلى قتل الخليفة هشام نفسه ما
دام كثارة قد خرج لله، ثم عزم على السير لقتل هشام ولكن عمال هشام خافوا إن وصل
كثارة إلى الشام أن ينتقم منهم الخليفة، فجند له خالد جندا من أهل العراق ومثله
عامل الجزيرة، ووجه إليه هشام أيضا جندا من أهل الشام لاستغاثة عامل الموصل به،
فبلغت الأمداد عشرين ألفا يقابلهم الخوارج وهم سبعون رجلا، كما ذكر المؤرخون، فنشبت
معركة بينهم حامية قتل فيها كثارة وتفرق من بقي من أتباعه منهزمين إلى الكوفة، حيث
رماهم أهلها بالحجارة حتى قتلوا عن آخرهم.
ثم خرج الضحاك بن قيس سنة 127هـ، وقتل سنة 128هـ.
خرج الضحاك بالعراق وكثر أتباعه حتى بلغوا مائة وعشرون ألفا
فاستولى على عدة مناطق، وكان ذلك في زمن مروان بن محمد بن محمد ولم يستطع أحد من
قواد مروان إيقافه، وأخيرا قرر الضحاك الذهاب لملاقاة مروان فاجتمعوا في مكان من
كفر نوثا يسمى الغز فدارت معركة قتل فيها الضحاك.
فولى الخوارج عليهم رجلا يسمى الخبيري صبيحة الليلة التي قتل فيها الضحاك، وبدأت معركة بين الخبيري وجند الخلافة وفيهم مروان نفسه، فانتصر الخبيري على القلب من جيش مروان حتى دخل فيهم ووصل إلى حجرة مروان، فانهزم مروان حتى خرج عن العسكر بستة أميال منهزما وكانت ميمنة مروان وميسرته ثابتة، فاقتحم بعض جيش مروان على الخبيري ومن معه فقتل الخبيري، وأخبر بذلك مروان فرجع.
فولى الخوارج عليهم رجلا يسمى الخبيري صبيحة الليلة التي قتل فيها الضحاك، وبدأت معركة بين الخبيري وجند الخلافة وفيهم مروان نفسه، فانتصر الخبيري على القلب من جيش مروان حتى دخل فيهم ووصل إلى حجرة مروان، فانهزم مروان حتى خرج عن العسكر بستة أميال منهزما وكانت ميمنة مروان وميسرته ثابتة، فاقتحم بعض جيش مروان على الخبيري ومن معه فقتل الخبيري، وأخبر بذلك مروان فرجع.
وانصرف أهل عسكر الخبيري، وولوا عليهم شيبان بن عبد العزيز
ثم ارتحلوا من ذلك المكان، فتبعهم مروان يقيم عليهم إذا أقاموا ويحاربهم إذا
حاربوا فصاروا يتنقلون من مكان إلى مكان وهم ينقصون ما بين متسلل بنفسه وبين
مقتول، إلى أن تفرقوا وذهب كل إلى جهة فأخذ شيبان في بعض تلك الجهات فقتل
بعمان.
وأخيرا كان خروج عبد الله بن يحيى الملقب "بطالب
الحق" سنة 128هـ، وقتل سنة 130هـ، وهو من حضرموت، كان مشهورا بأنه من العباد
المجتهدين.
وكان هذا هو آخر عهد بني أمية بالخوارج حيث انتهت
دولتهم في عام 132هـ بقيام الدولة العباسية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق